أدى الحصار والعنف المتكرر إلى زيادة الضغوط على النظام الصحي في قطاع غزة الذي يعاني في الأصل من شح الموارد المالية والامكانيات الطبية، في ظل وضع اقتصادي صعب خلفته الانقسام الفلسطيني من جهة والإجراءات العقابية التي يمارسها الاحتلال ضد أصغر مساحة مكتظة بالسكان في العالم.
ومنذ احتجاجات مسيرة العودة الكبرى في آذار / مارس 2018، كان الآلاف من سكان غزة عرضة للأعيرة نارية، التي غالبًا ما يتعرض ضحاياها لخطر بتر أطرافهم نتيجة لغياب الإمكانيات الطبية التي تسمح بمعالجة الإصابة دون البتر، وكان يُسمح لعدد قليل جدًا من الأشخاص بالسفر خارج غزة للحصول على هذه الرعاية.
وفي بداية هذا العام شهدت مدينة غزة برعاية قطرية، افتتاح أول ورشة للأطراف الصناعية الإلكترونية داخل مستشفى حمد للتأهيل والأطراف الصناعية، الأمر الذي أعطى بارقة أمل للعشرات من الشباب الذين فقدوا أطرافهم نتيجة المواجهات التي عرفها القطاع، مما سيسمح لهم من التخلص من عقدة الإعاقة والعودة الى ممارسة الحياة الطبيعية بشكل أقرب الى ما كإنو عليه قبل الإصابة والبتر.
عمرو ومحمد ومحمود من بين 36 ألف شخص أصيبوا خلال احتجاجات مسيرة العودة الكبرى. نُظمت هذه المظاهرات بالقرب من السياج الأمني الفاصل بين غزة وإسرائيل كل يوم جمعة بين 30 آذار / مارس 2018 وكانون الأول / ديسمبر 2019، لإحياء الذكرى السبعين لنزوح عام 1948، وهو حدث يعرفه الفلسطينيون باسم "النكبة". وأصيب معاوية خلال قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة عام 2021. وعانوا مثل 152 فلسطينيا آخرين، من بتر الأطراف لمنع خطر الإصابة بعدوى في جروحهم.
دعا جايلز دولي عمرو ومحمد ومعاوية ومحمود لرواية قصص حياتهم بعد بترهم خلال زيارته لغزة في مارس 2022.
الرسم للهروب من عقدة الإعاقة:
عمرو أيمن الحداد، 23 عاماً، أصيب بعيار ناري للجيش الإسرائيلي في 14 أيار 2018 خلال "مسيرة العودة الكبرى". رفقة العديد من زملائه، انضم إلى المظاهرة الأولى. التي حدثت في اليوم الموالي لقرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، مما يفاقم التوترات القائمة.
وصلت الحافلة على الساعة 11:15 صباحًا الى مكان المظاهرة. وبعد ربع ساعة من الوصول أصيب عمرو برصاصة في ساقه افقدته وعيه.
في ذلك اليوم، وفقًا لوزارة الصحة في غزة، قُتل 52 فلسطينيًا وأصيب 2400 بجروح. في ظل هذه الفوضى، يُفترض أن عمرو قد مات. من قبيل الصدفة أن يراه أحد الجيران، الذي يعمل سائق سيارة إسعاف، بين الجثث ويدرك أنه لا يزال على قيد الحياة.
بعد تلقيه العلاج الطارئ في غزة، نُقل عمرو إلى تركيا لإجراء مزيد من الجراحة. بُترت ساقه، وعند عودته يقضي عمرو أيامه في داخل البيت، يمارس هواية الرسم ويرعى طائره الذي لا يتركه أبدًا.... عمرو لا يجرؤ على الخروج خوفا من كلام الناس ونظراتهم في ساقه المبتورة التي ادخلته في عقدة نفسية .
"وجدت الهروب في الرسم، شاهدت مقاطع فيديو على الإنترنت وعلمت نفسي أن أكون فنانًا." لم يجرؤ عمرو على الخروج خوفًا من نظرة الناس إلى ساقه المبتورة. كما أنه خائف من الزحام"
على هامش جلسات التصوير، اقترح جايلز مشاركة لحظة في الهواء الطلق:
" في آخر يوم لي في غزة، سألت عمرو عما إذا كان يريد الانضمام إلي لتناول القهوة في جزء هادئ من الشاطئ. وافق وأمضينا بضع ساعات نشرب القهوة ونتحدث .... اقترحت عليه مقابلة محمود) مصاب آخر (والانضمام إلى مجموعة دعم مبتوري الأطراف، لعل مشاركة تجارب الآخرين تعطي الأمل ‘’.
محمد
محمد سليمان محمد سعد أصيب في 21 أيلول / سبتمبر 2018. تنقل إلى السياج الفاصل بعد أن علم بإصابة ابنه البالغ من العمر 15 عامًا. وبعد لحظات من العثور عليه أصيب برصاصة إسرائيلية في ساقه..... عندما استعاد وعيه، قيل له إنه قد يفقد ساقه بسبب جلطة دموية.
خضع محمد لعشر عمليات جراحية في محاولة لتثبيت حالة ساقه، لكنه لم يتمكن من المشي مطلقًا، ويشعر بالإحباط أكثر فأكثر لعدم قدرته على العمل.
في عام 2021، أجرى محمد أول استشارة له مع فريق أطباء بلا حدود، الذي نصحه بالبتر.... وافق محمد بسرعة، مصممًا على المضي قدمًا والاستمرار في الحياة رغم الإعاقة.
"لحسن الحظ، لم أشعر بأي عقدة بسبب اصابتي. لقد أظهرت لي زوجتي وعائلتي دائمًا الحب والتشجيع. زوجتي كانت أكثر الداعمين لي لقبول البتر والتحديات المصاحبة له. بالطبع، لأمي أيضًا ... لم أطلب منهم أي مساعدة أبدًا. لقد عرفوا فقط كيف يدعمونني. »
بعد أن عانى محمد من هذه المحنة، لم يتردد في مشاركة تجربته لعلها تكون سببا في اقناع أحد الأشخاص الذين يشتركون معه في الحالة:
"إذا أوصى الأطباء بالبتر، فإنني أنصح المرضى بالقيام بذلك. من قبل، لم أكن أستطيع الخروج أو اللعب مع أطفالي. الآن يمكنني فعل أي شيء. »
قصة معاوية الوحيدي .
في 12 مايو 2021، كان معاوية الوحيدي، 42 عامًا، بصدد افتتاح صالونه لتصفيف الشعر في مدينة غزة، عندما استهدف صاروخ سيارة في الشارع المقابل لمحله. .... ركض الخياط من المتجر المقابل له نحوه وهو يصرخ بأنه أصيب برصاصة في صدره، حاول معاوية أن يهدأ من روعه وظل يقرأ أيات قرءانية حينها، وفي تلك الاثناء سقط صاروخ ثان على المكان .... استفاق بعدها معاوية في المستشفى ليجد نفسه مبتور الساق مع رضوض على فخده الايسر.
‘’في البداية ، رفضت حتى الأكل التي كانت تعده زوجتي وكنت غاضبا منها ،.....لقد كنت اعامل أخي و الأطفال بغضب كذلك. لقد كان وضعا صعبا لكن لحسن الحظ ، استطعت الخروج من الحالة ‘’
قصة محمود
محمود خالد إبراهيم خضر، 27 عاما، بترت ساقه بعد إصابته برصاصة في الفخذ في مايو 2018.
بعد أن تلقى العلاج الأولي، تم نقله إلى مستشفى في الأردن حيث حاول الجراحون إنقاذ ساقه. بعد 38 يومًا، وبدون أي علامة على شفاء العظام، تم اتخاذ قرار البتر الذي تلته عمليات جراحية أخرى، لكن وضع طرف اصطناعي بعد البتر أمر مستحيل نظرا لأن الجرح يظل ملتهبًا.
في يوليو / تموز 2020، بعد عامين من فقد ساقه، التقى محمود بفريق أطباء بلا حدود الطبي الذي عرض عليه بترًا آخر. يعتقد الفريق أنه من خلال إزالة خمسة سنتيمترات إضافية من العظام، يمكن أن يقلل ذلك من الالتهابات ويخلق جذعًا أكثر استقرارًا يناسب الأطراف الاصطناعية بشكل أفضل. بعد العملية مباشرة تقريبًا، شعر محمود بالفرق. وبسرعة كبيرة، تمكن من ارتداء طرف اصطناعي مكنه من العودة إلى العمل.
ومع ذلك، يعاني محمود من نظرة الآخرين والتحيزات، التي غالبًا ما لا أساس لها من الصحة، مثل فكرة أن مبتوري الأطراف سيصبحون مدمنين على المخدرات بسهولة أكبر على حد قوله
تصادفت نهاية اللقاء مع محمود مع مجموعة من راكبي الدراجات المبتورين من خلال هذه الرياضة يمكن لمحمود التنفيس عن طاقته وقضاء الوقت في التحدث مع الأشخاص الذين مروا بتجربة مماثلة له.
ويقول محمود " سيظل ركوب الدراجات دائمًا جزءًا من حياتي من الآن فصاعدًا. هذه المجموعة هي أيضًا عائلتي ".
في الفترة من 10 إلى 21 مايو 2021، أسفر قصف للجيش الإسرائيلي على قطاع غزة عن مقتل 256 شخصًا ، بينهم 66 طفلاً. وأصيب 2000 فلسطيني بجروح، بينهم أكثر من 600 طفل و400 امرأة. وقد عانى البعض من إصابات أدت إلى إعاقة طويلة الأمد مثل فقدان أحد الأطراف. وفي دولة الاحتلال ، قُتل 13 شخصًا وأصيب 700 بجروح نتيجة إطلاق صواريخ من قطاع غزة. يشهد ثلاثة من سكان غزة على الإصابات أو العنف الذي تعرضوا له.
.