- د. هاني العقاد
انتهت جولة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة دون ان تأتي بجديد تفتح باب الامل امام الفلسطينيين ويغادروا مربع الإحباط المتراكم بفعل الممارسات العنصرية الصهيونية المخططة لقتل أي فرصة تؤدي الي فتح مسار حقيقي يقود الي تفاوض جدي ينتهي بفعلة الاحتلال الإسرائيلي وتقر فيه دولة الاحتلال بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس. لم يأتي بايدن الي الفلسطينيين باي مفتاح لباب الامل المغلق منذ ما يقارب عشرون عاما بل ان بايدن اوحي بان انتظار الفلسطينيين لحل يحققوا فيه طموحاتهم سيطول وقد لا يأتي، واوحي بعدم جاهزية واشنطن لفتح مسار حقيقي للتدخل في الصراع إيجابيا في الوقت الحالي لصالح العدالة الدولية التي كان يجب ان تتحقق منذ زمن طويل، لم يأتي بايدن باي شيء يغير الحال الفلسطيني للأفضل ولم تكشف جولته عن أي إجراءات ضاغطة على الاحتلال من شانها ان تنقذ حل الدولتين التي تقول إدارة بايدن انها ملتزمة به كحل حقيقي للصراع.
لم يكن يريد بايدن ان يتم فتح الملف السياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ولم يرغب حتي ان يتطرق احد من العرب الي الموضوع الفلسطيني الا انه حدث ركز الجميع على ضرورة حل الصراع علي أساس حل الدولتين والمرجعيات الدولية والقرارات الشرعية ,لم يتوقع بايدن ان يتحدث العرب عن مبادرة السلام العربية علانية لكنه استطاع الي حد ما تخدير العرب كما فعل مع الفلسطينيين واوحي لهم بان ادارته معنية بحل الصراع دون ان تبادر ادارته ولو بأجراء بسيط ضاغط علي دولة الاحتلال لوقف مخطط الضم الصامت ومخطط تقويض حل الدولتين من خلال الاستيطان المتسارع . أضاع العرب فرصة تاريخية اتيحت لهم لتحقيق تحول امريكي حقيقي في الشرق الأوسط لصالح قضيتهم المركزية وهي القضية الفلسطينية، وأضاع الامريكان فرصة قد لا تتكرر لإبقاء مفاتيح الامن والاستقرار بالشرق الأوسط في يديها بالرغم من الحديث عن تحالفات مهمة تخدم في المقام الأول دولة الاحتلال الصهيوني وفي المقام الثاني الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها في المنطقة.
يشعر الفلسطينيين اليوم بان جولة بايدن لم تكن الا لفتح مسار اندماج دولة الاحتلال مجانا بالإقليم بالدرجة الاولي والتركيز علي ايجاد خارطة طريق لإدماج الفلسطينيين في تلك التحالفات التي قد تنهار في أي لحظة بالدرجة الثانية ,وبالتالي تعتقد إدارة بايدن انه يمكن حل الصراع من خلال البوابة العربية من خلال اتفاقات ابراهام الكارثية وبالطريقة التي ترضي دولة الاحتلال , يعرف الفلسطينيين ان هذا المسار سيؤدي الي الانتحار السياسي العميق ان وضع الفلسطينيين أي قدم علي حافته وبالتالي الاقتراب منه امر خطير لأنه يقود الي تفكيك كل قضايا الصراع لصالح المشروع الصهيوني في المنطقة ,ولعل هذا المسار من شانه ان يصفي القضية الفلسطينية ويشطب الهوية السياسية للفلسطينيين ولن يكونوا بعد ذلك سوي شعب تحت الوصاية الأمنية الصهيونية والعربية المشتركة وحينها سيخسرون الثورة والقدس والدولة. لا اعتقد ان يفكر أحد من الفلسطينيين في هذا المسار بالمطلق لضخامة الخسائر السياسية التي ستلحق بالقضية العربية الاولي والتي باتت تشكل مانع سياسي كبير امام أي تحالفات عربية أمريكية إسرائيلية مشتركة دائمة، لذا فانه من هذا المنطلق باتت الولايات المتحدة تجند كل وكلائها بالمنطقة لإقناع الفلسطينيين واغرائهم اقتصاديا وماليا بالانخراط في تلك التحالفات المشينة التي لن تري النور الا إذا ضمنت واشنطن انخراط الفلسطينيين علانية وهذا لن يحدث بالمطلق. قد يفكر الفلسطينيين في هذا المسار في حال بدأت مفاوضات إسرائيلية فلسطينية مجدوله زمنيا برعاية دولية على أساس حل الدولتين وتطبيق كامل لقرار مجلس الامن الخاص بالاستيطان 2334 عام 2016 والذي يعتبر كل المستوطنات المقامة على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية غير شرعية بموجب القانون الدولي وتشكل عقبة امام تحقيق حل الدولتين وسلام عادل ودائم وشامل وبالتالي يتطلب من دولة الاحتلال بان توقف على الفور وبشكل كامل جميع الأنشطة الاستيطانية في جميع الأراضي المحتلة بما فيها القدس وهذا مستحيل طالما بقيت واشنطن دولة منحازة تماما لدولة الاحتلال تمرر مخططات الدولة اليهودية في التمدد والتطبيع والانخراط بالعالم العربي دون ان يوضع حد للاحتلال العنصري لفلسطين .
المسار الاضطراري الوحيد والامن الذي تبقي امام الفلسطينيين هو العودة لمخرجات اجتماع اللجنة التنفيذية حزيران الماضي والذي اعطي فرصة لإدارة بايدن لما بعد جولة الرئيس الأمريكي لتثبت حسن نواياها وعدالة تدخلها في الصراع ,تتبني خلالها إجراءات حقيقية للبدء في تنفيذ حل الدولتين بالتزامن مع تحسين العلاقة مع الفلسطينيين وتنفيذ ما تعهدت به إدارة بايدن فيما يتعلق بفتح القنصلية الأمريكية في القدس واعادة الدعم المالي وفتح مكتب التمثيل الفلسطيني في واشنطن, هذا المسار ينطلق من تنفيذ اهم مقترحات قرارات المجلس المركزي 2018 الدورة 28 والتي تم التأكيد عليها في الدورات اللاحقة بالتدريج وليس رزمة واحدة مع تفعيل كل اشكال المقاومة الشعبية والاشتباك مع الاحتلال الصهيوني على الأرض كإشارة لكل الأطراف بان الفلسطينيين لا يريدوا نسف الأجواء وانما يريدوا ان ينتهي الوضع الحالي للاحتلال والاستيطان , ويؤكدوا رفضهم المطلق البقاء في غرفة الانتظار لولاية أمريكية اخري , واهم قرار يجب تنفيذه علي طريق هذا المسار هو تعليق الاعتراف بدولة الاحتلال الصهيوني الي حين اعترافها بدولة فلسطينية المستقلة على حدود العام 1967 ووقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله والانفكاك من الوصاية الاقتصادية الصهيونية وإعادة صياغة اتفاقية باريس الاقتصادية ,كما ويتوجب علي الفلسطينيين البدء فورا بمقاطعة اقتصادية وتجارية مع دولة الاحتلال , في مقابل هذا وبالتزامن مع الخطوة الاولي يتوجب الإسراع باستكمال مسار المصالحة الوطنية الفلسطينية حسب اتفاقات 2011 وتفاهمات 2017 وتشكيل حكومة وفاق وطني تتحمل مسؤولياتها كاملة بالقدس وغزة والضفة وتهيئ لانتخابات رئاسية وتشرعيه متزامنة ومن ثم الانتقال الي انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني سعيا لإعادة ترتيب هياكل منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد لكل الفلسطينيين.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت