استطاع فيلم كيرة والجن للمخرج مروان حامد منذ أول أيام عرضه، أن يلفت الأنظار ويحقق إيرادات كبيرة من المنتظر أن تتجاوز كل الأرقام القياسية السابقة، أحد الأسباب التي تقف خلف هذا النجاح، الإبهار البصري وجودة الصورة التي يقف وراءها مدير التصوير أحمد المرسي، الذي يمكن استعراض براعته من خلال مجموعة من أهم مشاهد الفيلم، فيها من التحدي والذكاء ما يضع المرسي ضمن أهم مديري التصوير في مصر والعالم العربي.
ماذا يحدث في المعسكر؟
مشهد تفجير المعسكر الإنجليزي في كيرة والجن، كان واحداً من أكثر المشاهد المليئة بالتحديات لأي مدير تصوير، لكن أحمد المرسي استطاع أن يجعل المشهد يبدو سلساً للجمهور. التحدي الأول كان الإضاءة في معسكر مفتوح أثناء الليل، دون أن تبدو هذه الإضاءة غير واقعية، الأمر الثاني تمثل في حركة الكاميرا مع الممثلين أثناء العراك أو إطلاق النيران، وتصوير الخيول بشكل صحيح وهي تنطلق داخل المعسكر، هذا بالإضافة إلى كثرة المعارك في المشهد نفسه، كل معركة لها أسلوب وشكل مختلف، مع خلق جو ضبابي خاص للمشهد بالكامل.
رومانسية في قاعة سينما؟!
السينما في الفترة الزمنية التي تدور فيها أحداث كيرة والجن لا تشبه سينما هذه الأيام، كيف كانت صالات العرض في ذلك الوقت؟ كيف يمكن أن نشاهد كريم عبد العزيز ورزان جمَّال بوضوح في مشهد رومانسي داخل قاعة مظلمة بدون أن يبدو الأمر غير مقنع؟ كان هذا واحداً من أكثر المشاهد الرومانسية في الفيلم، وواحد من أسباب نجاحه الطريقة التي نقلها بها المرسي، حيث شاهدنا المكان نفسه بأكثر من طريقة، الأولى أثناء تناول العشاء معاً، والثاني حين شاهد الاثنان فيلم شارلي شابلن، وبالرغم من اختلاف الطريقتين، لكن ظهرت المشاهد بروح رومانسية خفيفة وسط أجواء عامة من المقاومة والمعارك.
فليسقط الاستعمار!
واحد من أكبر التحديات التي يمكن أن تواجه مدير تصوير هو أن يشارك في المشهد عدد كبير من الممثلين الرئيسيين والثانويين، وأن يكون المشهد مليئاً بالأكشن والصراعات وإطلاق النيران، مع جانبين يمثلان الثوار المصريين وجنود الاحتلال الإنجليزي، في هذه الحالة كيف يمكن لمدير التصوير أن يحافظ على نفس درجة الإضاءة النهارية، ونقل المشاعر التي يرغب المشهد في نقلها عن طريق اللقطات القريبة والبعيدة، هذا بالإضافة إلى الحركة المستمرة طوال الوقت، مع الوضع في الاعتبار العدد الكبير للممثلين، وكثرة الاشتباكات وضرورة التنسيق مع باقي فريق الفيلم لإتمام هذه المهام المتعددة، هذا مع الأخذ في الاعتبار أن المشهد لم يتم تصويره في مكان واحد فقط وفقاً لتصريحات المرسي، مع ذلك، تمكن من الحفاظ على وحدة الصورة في مشهد طويل وحيوي في الفيلم.
هيا نتعرف على الشخصيات!
من أهم المشاهد التأسيسية في كيرة والجن هو المشهد الذي نتعرف من خلاله على الشخصيات الرئيسية في الفيلم، قد يكون الأمر ظاهرياً سهلاً، لكن التحدي هنا كان في أن الشخصيات الرئيسية كلها موجودة في قبو ضيق، وهو ما يعيق حركة الكاميرا التي من الأفضل لها أن تنتقل بسلاسة من شخصية إلى أخرى، لكن بدا الأمر سلساً للغاية بالنسبة للمرسي، كذلك في هذه الفترة التاريخية كانت مصادر الإضاءة قليلة، فكيف يمكن إضاءة قبو بالشكل اللازم دون أن يبدو مصطنعاً؟ بالتأكيد استخدم المرسي حيلاً ما ليبدو الأمر واقعياً كما كان في المشهد.
مطاردة الجن!
قد يبدو التعرف على الشخصيات في مكان ضيق أمراً صعباً، ماذا إن كانت المطاردة في أماكن ضيقة أيضاً وفي الظلام؟ المشهد الذي يتم فيه مطاردة الجن (أحمد عز)، كان وسط بيوت ضيقة، وظهر فيه أكثر من أسلوب، بين حركة الكاميرا السريعة أثناء الجري، أو البطيئة والثابتة أثناء التخفي والحيل، بالإضافة إلى ما يبدو أنه سقوط الكاميرا من دور علوي إلى الأرض بالتوازي مع الممثلين تماماً، كل هذا أضاف واقعية وحيوية كبيرتين للمشهد.
كيرة والجن فيلم مستوحى من أحداث حقيقية تعود بالزمن لأكثر من 100 عام وبالتحديد إبان ثورة 1919، تلك الفترة التي شهدت ذروة مقاومة المصريين بقيادة سعد زغلول للاحتلال الإنجليزي، وتتمثل المقاومة في شخصيتيّ كيرة (كريم عبد العزيز) وعبد القادر الجن (أحمد عز)، كما يقدم الفيلم نظرة متفحصة على المجتمع المصري في تلك الفترة.
وبالإضافة للنجمين كريم عبد العزيز وأحمد عز، يضم كيرة والجن عدداً كبيراً من النجوم، من بينهم هند صبري وسيد رجب وأحمد مالك وهدى المفتي ورزان جمال ولارا اسكندر وعلي قاسم ومحمد عبد العظيم.
عبر أكثر من 20 سنة في صناعة السينما، شارك مدير التصوير والمخرج أحمد المرسي في أكثر من 50 فيلم، وقدم ما يتجاوز 2000 إعلان فيديو تجاري كمدير تصوير ومؤخراً كمخرج أيضاً، ونال 23 جائزة محلية ودولية عن مجمل أعماله، وهو حالياً عضو معتمد في الجمعية الكندية للمصورين (CSC) إضافة لانتسابه إلى الجمعية الأسترالية للمصورين (ACS) التي منحته منها 9 جوائز منذ انضمامه لها في 2018.
أحدث أعمال المرسي هو فيلم كيرة والجن مع المخرج مروان حامد الذي بدأ عرضه بنجاح في مصر وعدة دول، وهو أحد أضخم إنتاجات السينما المصرية. قبله كان فيلم الأكشن العارف: عودة يونس الذي تصدر شباك الإيرادات المصري في 2021، ونال عنه المرسي إشادات عديدة لتقديمه الأكشن بأساليب غير مسبوقة بصناعة السينما العربية، وقد فاز عنه بجائزة أفضل تصوير سينمائي من مهرجان جمعية الفيلم في دورته الاستثنائية في .2022
.