- المحامي علي ابوحبله
أطلقت مجموعة من الشخصيات الوطنية والسياسية والاجتماعية الفلسطينية تضم نحو 70 شخصية، الأربعاء 27/7/2022، مبادرة سياسية بعنوان "وثيقة الإنقاذ الوطني - هيئة انتقالية لإنجاز التغيير وإعادة البناء". والمبادرة أعلن عن إطلاقها القيادي المفصول من حركة فتح د.ناصر القدوة خلال مؤتمر صحافي، عقد عبر تقنية "زوم"، نيابة عن الموقعين عليها، وشارك فيها كذلك القيادية السابقة بمنظمة التحرير د.حنان عشراوي.
وثيقة الإنقاذ الوطني ليست الأولى ولن تكون الاخيره في سلسلة مبادرات أطلقت من قبل قوى وفصائل ومؤسسات مجتمع مدني منذ الانقسام الفلسطيني 2007 ولغاية اليوم حيث يزداد النظام السياسي الفلسطيني سوءا على سوء دون أن نلمس موقف جدي من الجهات المسؤوله والمتنفذه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وخاصة من قبل حماس وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية حتى بات الخلاف يضرب الفصيل الواحد والتنظيم الواحد دون أن نلمس جديه لتوحيد الصف الفلسطيني والخروج من مأزق المعاناة
إن أجندة إصلاح جذري من الداخل هذه، من نوع "السهل الممتنع" كما يقال. فهي منطقية وعقلانية وملحة، وفيها مصلحه وطنيه ملحه تقتضيها مقتضيات المرحلة ألراهنه ومفصلية تاريخيه للحفاظ على ديمومة القضية الفلسطينية وتصويب أولوية الصراع مع الاحتلال ، ولكن إمكانية الانتقال بها من القول إلى العمل عصية على ضوء ما ندركه من واقع، وما نعهده من إرادة وعزيمة ضعيفة للإصلاح. ولذلك فأجندة إصلاح جذري من الداخل، أجندة طموحة بالرغم من كونها مستحقة منذ زمن. وهي اليوم مخرج وطني من مسار الضياع الذي بتنا عليه من صراع على المصالح ضمن الأجندات ألمصلحيه التي تبعدنا عن الصالح العام الفلسطيني ، كما أنها السبيل لمواجهة المشكلات والإشكاليات المزمنة والمتزايدة والتي أصبحت تهدد استقرار الوضع الداخلي الفلسطيني وتنذر بتفكيك النظام السياسي إذا استمرت تلك الحالة التي بتنا عليها وتداعيات مسارها تقودنا للخطر
الحركة الوطنية الفلسطينية في أزمة. فالدولة الفلسطينية السيادية المستقلّة التي كانت هدف هذه الحركة منذ أكثر من ثلاثين عاماً قد لا تنشأ أبداً ونهائياً. وقد أصبحت اتفاقيات أوسلو، مجموعة الاتفاقات الفاشلة المصمَّمة لتسهيل تحقيق سلام عن طريق التفاوض، عبئاً ضخماً ومصدر التباس، إذ حجزت المؤسّساتِ الفلسطينية في نظام من التعاون مع عملية مختلّة الوظيفة تسمح بنزع ملكيات شعبها تدريجياً. وعلى الرغم من التحديات المتزايدة والمتضافرة التي تولّدها الحكومات الإسرائيلية اليمينية المتعاقبة، والآن مع إدارة بايدن والدعم الذي تقدمه لإسرائيل ، يبقى الكيان السياسي الفلسطيني ضعيفاً ومُنقسماً جداً ليواجه هذه التحديات ويعيد توجيه نفسه لإتباع أجندة وطنية جديدة. بالتالي، على الفلسطينيين ترتيب أمورهم الداخلية فوراً. ويبدأ ذلك عبر التخلّص من الالتباس الذي يلفّ المؤسّسات والتمثيل والعلاقات الفلسطينية نتيجة اتفاقيات أوسلو. وهنا لابد من مبادرة لإنقاذ الوضع الفلسطيني تقودها حركة فتح وكل القوى الوطنية والاسلاميه لإعادة تنشيط الحركة الوطنية كي تخدم الصالح العام ووضع رؤية واضحة جامعة للمستقبل.
وتتطلب الوضوح المؤسّساتيّ: فصْل السلطة الوطنية الفلسطينية عن منظّمة التحرير الفلسطينية؛ منع المسئولين من تبوء منصب قيادي في كلتا المؤسّستَين؛ توضيح أدوار السلطة الفلسطينية ومنظّمة التحرير الفلسطينية ووضعهما، واستعادة منظّمة التحرير الفلسطينية الأسبقية في مجال السياسة الوطنية وصنع القرارات.
الوضوح التمثيليّ: المصالحة بين الفصائل الفلسطينية على مستوى منظّمة التحرير الفلسطينية من خلال إصلاح النظام الانتخابي وإجراء انتخابات في أقرب وقت ممكن؛ إعادة هيكلة منظّمة التحرير الفلسطينية لتكون أكثر تمثيلاً؛ إنشاء مساحة عامة لتبادل الأفكار والبرامج السياسية.
الوضوح ألعلائقي: من خلال منظّمة التحرير الفلسطينية، إجراء إعادة تقييم وموضعه للعلاقة الفلسطينية مع إسرائيل خارج إطار عمل أوسلو بالارتكاز على عدم التعاون؛ التفكير في إعادة تحديد طبيعة النظام الإسرائيلي والموقف الفلسطيني ضمنه.
إطلاق المبادرات في الساحة الفلسطينية انعكاس لتعقيدات الأزمة السياسية في الحالة الفلسطينية، في المقابل المبادرات ظاهرة صحية تظهر حرص أصحابها على فكفكه تلك الأزمة والوصول بالمشروع الوطني إلى بر الأمان، ولا يعني عدم تبني وتطبيق المبادرات التي طرحت أنها فشلت، بل على العكس لقد تركت إرثاً يمكن الاعتماد عليه عند صياغة مبادرة جديدة، وصولاً إلى مبادرة يلتقطها الشارع الفلسطيني ويضغط على صانعي القرار لتنفيذها، لأن الركود في الحالة الفلسطينية لا يمكن أن يستمر طويلاً، وأن يبقى صمت الشارع إلى ما لا نهاية.
وجديرٌ بالتأكيد أن الإصلاح ما يزال مطلبا ملحا، كما كان الإصلاح دائما مطلباً فلسطيني لكل مكونات الشعب الفلسطيني ،. فالمطالبة بالإصلاح لم تنقطع ، ولكنها مع الأسف أٌجهضت أو تم احتواؤها ، ولم تتبلور في الغالب وتصبح حركة شعبية مستدامة، حتى تكلل بالوصول إلى توافق بين كافة القوى والفصائل الفلسطينية وتتوفر لها مقومات التطبيق على أرض الواقع
ومطالب الإصلاح الوطني المتمثلة اليوم بعنوان "وثيقة الإنقاذ الوطني - هيئة انتقالية لإنجاز التغيير وإعادة البناء". ليست أفضل حظا من سابقاتها، والتي تعرضت خلال العقود الثلاثة الماضية لكثير من أساليب الضبط السلطوي بالترغيب والترهيب فتعطلت، ونال بعضها الإجهاض. ولم تستطع دعوات الإصلاح بعد ، أن تتطور في الغالب لتصل إلى مستوى حركات شعبية فاعلة ومستدامة على المستويات الوطنية أو المستوى الإقليمي. ومبادرة الإنقاذ التي أعلن عنها الشخصيات الوطنية لن تعدو أن تكون مجرد رغبة تضاف إلى الرغبات التي تقدمت بها القوى والفصائل ومؤسسات المجتمع المدني وتناولتها الأدبيات، إن وقفت منها القوى والفصائل منها وقفة اللامبالاة. وهي في ظني واقفة كذلك، من "أجندة إصلاح جذري من الداخل" مثلما وقفت غيرها من دعوات الإصلاح منذ عقدين من الزمن.
فما نحن فاعلون؟ ما العمل في هذه المرة من أجل تأمين الحاضر وكسب المستقبل؟ وماذا باستطاعتنا أن نعمل من أجل عملية إصلاح جذري من الداخل بتحركات وأدوات وآليات فاعلة ومستدامة يمكن البناء عليها وفي إطار العمل السلمي الثقافي والسياسي المستدام الذي نؤمن به ومن أجله وفق أجنده وطنيه جامعه يجمع عليها الجميع ويعمل من أجل تحقيقها تدريجياً؟ ضمن رؤية وطنيه تعيد ترتيب البيت الفلسطيني وتنتصر لمبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات وتكون مدخلا لاجراء الانتخابات الحره والديموقراطيه للخروج من حالة الترهل الذي بات عليه النظام السياسي الفلسطيني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت