- د أسامه الفرا
يبدو أن الرئيس الأمريكي جو بايدن أمضى الكثير من الوقت في قاعة المسرح بالجناح الشرقي في البيت الأبيض يتدرب على الخطاب المقتضب الذي سيعلن فيه عن مقتل أيمن الظواهري، لم يرتكب هفوة بإسقاط كلمة تأخذك إلى جغرافيا أخرى غير تلك التي يتحدث عنها، ولم تأت الكاميرا بخطواته خوفاً من تعثر جديد له، ولم تلاحقه بعد الظهور كي لا ترصده وهو يصافح الهواء مرة أخرى، لم يتحدث بايدن وهو يجلس خلف المكتب البيضاوي ولم يستخدم قاعة الايجاز الإعلامي القريبة منه، وليس من الملائم إعادة المشهد الذي ظهر فيه باراك أوباما مع كبار مساعديه في غرفة إدارة الأزمات بالجناح الغربي وهم يتابعون عملية إغتيال أسامه بن لادن، الإخراج الهوليودي هذه المرة لا بد أن يكون بشكل مغاير يتناسب مع قدرات الممثل، حيث تم اختيار المكان الذي سيقف فيه الرئيس وتظهر من خلفه حديقة البيت الأبيض، يعلن عن مقتل الظواهري وأهمية العمل ويترك مشاهد التشويق للأجهزة الأمنية وتسريباتها كي تأخذ عقول المشاهدين إلى المساحة التي تريدها حيث القدرات الأمريكية الخارقة ويدها الطولى التي تصل بها إلى حيث أرادت.
الحقيقة التي لا تقبل الجدل أننا أمام مسلسل تلفزيوني طويل وممل لذا يحاول المخرج بين فترة وأخرى أن يدخل مشهد "أكشن" ليعيد به تشكيل الماضي على نحو تلتبس الحقيقة فيه على المشاهد، أليست الحلقات الأولى في المسلسل كانت قائمة على أشكال الدعم المتنوعة التي توفرها أمريكا للقاعدة وطالبان؟، والتهليل للإنجازات التي تحققهما في مواجهة الغزو السوفيتي لأفغانستان؟، ألم تكن مقاومة هذه الفصائل للوجود الروسي في أفغانستان جهاداً حظيت بها على الإشادة والثناء من أمريكا بجانب الدعم المالي والعسكري؟، أليست شبكة حقاني التي تتهمها أمريكا اليوم بإيواء الظواهري وتوفير الحماية له هي تلك الشبكة الحليفة لأمريكا في السابق والتي حظيت برعايتها ودعمها؟، هل أخلت القاعدة وشبكة حقاني بقواعد اللعبة فتم إدراجهما على قائمة الإرهاب؟، وهل حقيقة أن أمريكا بما تملكه من قدرات عسكرية وتقنية وأمنية ومالية كانت عاجزة عن الوصول إلى الظواهري خلال السنوات الطويلة السابقة؟، وهل حقاً قيام دولة عظمى تتفرد بقيادة العالم بإغتيال الظواهري في دولة لا تكاد تعرف شيئاً عما وصل إليه العلم من تقنية يمكن وضعه في صورة الإنجاز الكبير والنجاح المبهر؟.
لماذا إغتالت أمريكا أيمن الظواهري ولماذا الآن؟، لا يمكن لها أن تقنعنا بأنها فعلت ذلك إنتقاماً منه عن عمليات شارك في الإعداد والتخطيط لها إستهدفت السفارة الأمريكية في كل من دار السلام ونيروبي أو إنتقاماً منه عن تفجيرات ١١ سبتمبر، حيث مضى عليها أكثر من عقدين تغيرت فيهما الكثير من قواعد اللعبة، فلم تعد القاعدة تقوم بالدور المطلوب في إستهداف الدول العربية وخلق القلاقل فيها، وأنها راحت تشق عصا الطاعة ولم تعد ملتزمة بقواعد اللعبة، وفي الوقت ذاته لم تنجح الفوضى الخلاقة التي إبتدعتها أمريكا وطافت بها العواصم العربية بالشكل الذي تريده وإن حققت بعض ما كانت تتمناه، ولم يعد بإمكانها الاعتماد على تنظيم داعش الذي جاء هو الآخر من رحمها، لتنفيذ ما عجزت القاعدة عن القيام به، كونه فقد الكثير من عناصر قوته في المنطقة، وبالتالي عادت أمريكا للتفكير في القاعدة من جديد، سيما وأنها تعرف جيداً أن اتفاقها مع طالبان يجعل من أفغانستان دولة حاضنة للقاعدة وحلفائها في الحكم وليس لغيرها، لكنها في الوقت ذاته لا تريد القاعدة بذات الوجه التي هي عليه خاصة وأنها هرمت كما هرم زعيمها، ولم يكن أيمن الظواهري بالقائد صاحب الكاريزما الذي يلتف الجميع حوله مما سمح بإنشقاق فصائل متعددة تحمل ذات الفكر بمناهج مختلفة مما صعب عليها السيطرة والتحكم عن بعد.
أمريكا تريد قاعدة بوجه آخر تستكمل بها ما بدأته القاعدة قبل أن توكل المهمة للفوضى الخلاقة وتنظيم داعش، وهذا يتطلب قيادة جديدة قادرة على فرض حضورها وتكون جاذبة للفكر المتطرف لخلق تنظيم أكثر تطرفاً تكون وجهة عمله عالمنا العربي دون سواه، تشعل به المزيد من الحرائق في المنطقة كي تستنزف مقدرات الدول العربية وتدخلها في المزيد من الاقتتال الداخلي، تعيد به إنتاج مسرحيتها القائمة على المزاوجة بين الإرهاب والإسلام، وتخلق واقعاً تصبح معه الدول العربية أكثر حاجة لأمريكا ويفتح أبواباً جديدة لربيبتها في المنطقة "إسرائيل" كي توسع من نفوذها وسطوتها في المنطقة، وإن كانت أمريكا قد حققت نجاحات ملحوظة في الصناعة تقود بها العالم فالمؤكد أنها أيضاً خبيرة في صناعة الإرهاب ولها تجربة طويلة في ذلك، ألا يجدر بنا أن نعي الدرس بعد أن تجرعنا مرارته لسنوات طويلة وأن نعي أن الطريق لنهضتنا وعزتنا وكرامتنا لا تمر عبر كابول ولا عبر الفوضى والإقتتال الداخلي ولا يحملنا إليها الفكر المتطرف، وأن الملتحق بركب أمريكا كالمستجير من الرمضاء بالنار.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت