- المحامي علي أبوهلال
الأطفال الفلسطينيون كانوا من أوائل ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي شنته قوات الاحتلال يوم الجمعة الماضي 5/8/2022 والذي استمر لمدة 3 أيام، فقد استشهدت الطفلة آلاء عبد الله قدوم (5 سنوات) عندما كانت تلهو أمام منزلها في حي الشجاعية شرق غزة لحظة قصف طائرات الاحتلال، دون أي سابق إنذار، لتصاب بشظية وترتقي شهيدة متأثرة بإصابتها في جريمة حرب جديدة تضاف إلى قائمة جرائم الاحتلال بحق شعبنا. وقال جد الشهيدة رياض قدوم: "كانت آلاء تحضّر للروضة...طلبت منّا حقيبة وملابس جديدة.. وأضاف بأي ذنب قتلت هذه الطفلة البريئة..."، داعيًا العالم أجمع إلى توفير الحماية لشعبنا من بطش الاحتلال.
كانت تحلم الطفلة آلاء كما يحلم أطفال العالم بحياة سعيدة كلها فرح وسرور تحقق فيها أحلامها الوردية والجميلة وآمالها الكبيرة، ولكنها لم تعلم أن قوات الاحتلال ستضع حدا لهذه الآمال والأحلام التي تحلم بها، وذلك بقتلها وإنهاء حياتها فجأة، دون أن ترتكب أي خطأ أو أي ذنب يبرر ارتكاب الاحتلال لهذه الجريمة البشعة بحقها.
لم تكن آلاء الطفلة الشهيدة الأخيرة في هذا العدوان الجديد على قطاع غزة، ولن تكون الشهيدة الأخيرة من المدنيين الأطفال والنساء وكبار السن، كما هي نتائج العدوان والحروب التي شنتها قوات الاحتلال على قطاع غزة وعلى سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة.
فقد بلغ عدد الضحايا المدنيين الذي استشهدوا في هذا العدوان حوالي 45 شهيدا، من بينهم 15 طفلا و4 نساء، فيما بلغ عدد الجرحى نحو 360 جريح، ويلاحظ أن أكثر الضحايا من بينهم كانوا الأطفال.
يبدو أن الأطفال في كل الحروب والاعتداءات التي شنتها قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، كانوا هم الضحايا الأكثر عددا، وينطبق الأمر أيضا على عدد الضحايا من المدنيين، وكأن إسرائيل " القوة القائمة بالاحتلال" لا تعير انتباها للضحايا المدنيين، وهي بذلك تنتهك القانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الانسان، ولا تلتزم حتى بقوانين الحروب والنزاعات المسلحة التي تؤكد على ضرورة عدم التعرض للمدنيين، والأعيان المدنية، ولا تلتزم بمبدأ التناسب في استخدام القوة المسلحة الذي ينص عليه القانون الإنساني الدولي، وقوانين الحروب والنزاعات المسلحة، طالما أنها لا تتعرض للمحاسبة ولا تفرض عليها أي عقوبة من المجتمع الدولي. فقد بلغ عدد الشهداء الأطفال في فلسطين منذ عام 2000 حتى نهاية العام الماضي 2230 شهيدًا، منهم 315 طفلاً ارتقوا خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2009، و546 طفلًا ارتقوا خلال عدوان عام 2014. وفي عدوان قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة في أيار 2021 والذي استمر 11 يوماً، كان أطفال فلسطين على رأس قائمة المدنيين المستهدفين، حيث أرتقى 72 طفلاً جراء قصف الطائرات الحربية الإسرائيلية منازلهم بكل وحشية، لدرجة أن بعض العائلات أبيدت بكاملها رجالاً نساء وأطفالا كعائلة أبو حطب، وأبو عوف، واشكنتنا، وعائلة القولق.
ولا زلنا نذكر آلاف الأطفال الذين قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي، مثل: الرضيعة إيمان حجو في قصف دبابات الاحتلال لخانيونس عشوائيا سنة 2001، ومحمد الدرة الذي استهدفه جنود الاحتلال وهو يحتمي بحضن والده في شارع صلاح الدين بالقطاع سنة 2000. بالإضافة إلى الجرائم التي اقترفها المستوطنون، بما في ذلك جريمة إحراق وقتل الطفل المقدسي الشهيد محمد أبو خضير، وجريمة إحراق عائلة دوابشة داخل منزلهم بقرية دوما جنوب مدينة نابلس.
هذه الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال والمستوطنون بحق الأطفال والمدنيين العزل، أصبحت جرائم مستمرة ومتواصلة لا تتوقف، بل أصبحت من الجرائم التي ترتكبها سلطات الاحتلال، بدون أي اكتراث بالنتائج والمسؤوليات التي يمكن أن تتحملها على الصعيد القانوني والدولي، لأنها تمر كغيرها من الجرائم التي ترتكب بحق شعبنا دون أي عقاب، وسط صمت مريب من المجتمع الدولي الذي يقف مكتوف الأيدي أمام إمعان الاحتلال في قتل شعبنا.
إن بقاء حكومة الاحتلال الإسرائيلي خارج اطار المساءلة والمحاسبة على الجرائم التي ترتكبها بحق المدنيين الفلسطينيين، يؤكد فشل المجتمع الدولي والمنظمات الدولية من القيام بمسؤولياتها القانونية، خاصة في ظل اختلال وازدواجية المعايير التي تتجلى للعيان في التصدي لجرائم الاحتلال الاسرائيلي، التي ترتكبها قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين بحق الشعب الفلسطيني، في نفس الوقت الذي يبدي المجتمع الدولي والمنظمات الدولية، التفاعل والاهتمام مع الحرب الروسية الأوكرانية، وسعيها المتواصل لتوثيق ما يجري من جرائم في هذه الحرب، ودعوتها الحثيثة لمحاسبة من يرتكبها.
إن جرائم الاحتلال ضد المدنيين الفلسطينيين وخاصة الأطفال في العدوان على قطاع غزة، يستوجب المسؤولية الدولية عل حكومة الاحتلال، وتملي على المنظمات الدولية التحرك السريع والعاجل لمحاسبة من ارتكب هذه الجرائم، حتى لا يفلت هؤلاء المجرمين من العقاب.
*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت