- د. أسامه الفرا
ما أن نقلت وسائل إعلام الاحتلال خبر وقوع إصابات نتيجة إطلاق نار على حافلة تقل مستوطنين في القدس حتى سارعت الفصائل الفلسطينية بمباركة العملية، وتسابقت في تصدير البيانات منتقية الكلمات والعبارات التي تجعل من العملية إمتداداً لفكرها ويجعلها الحاضنة الطبيعية لها، حتى الفصائل الواقعة خارج تغطية الفعل النضالي حشرت أنفها ببيان تشيد فيه بالعملية البطولية، وراحت كل منها ترقب أخبار العملية علها تأتيها بما يفيد أن منفذها من بين عناصرها ومناصريها أو حتى له صورة أو تعليق على وسائل التواصل الاجتماعي له دلالة ولو من بعيد على أنه كان قريباً منها، لأن في ذلك كلمة السر التي تدفع الفصيل بقضه وقضيضه لغزوة مواقع التواصل الاجتماعي، ويحدد مساحة الكلام لهواة التحليل وبيادق الاعلام.
أمير صيداوي، شاب فلسطيني من القدس هو منفذ الهجوم على حافلة المستوطنين، قام بذلك بمفرده دون مساعدة من فصيل فلسطيني، أطلق من مسدسه عشر رصاصات في عشر ثواني في قلب مدينة القدس قبل أن يتوارى عن الأنظار، وصبيحة اليوم التالي قام بتسليم نفسه لشرطة الاحتلال ومعه المسدس الذي إستخدمه، ما فعله أمير صيداوي بغض النظر عن التفاصيل المعلوم منها والمجهول يمكن وضعه في إطارين:
الأول يتعلق بدولة الاحتلال، حيث مسرح العملية مدينة القدس وعلى مقربة من باب المغاربة، وهي المنطقة التي تشهد تواجداً عسكرياً مكثفاً، بجانب الكاميرات التي ترقب كل صغيرة وكبيرة فيها، كل ذلك لم يمنع أمير من الوصول إليها وإطلاق ما في مسدسه من رصاص على حافلة المستوطنين وعلي سيارة كانت تسير في المنطقة وعلى المارة قبل أن يبتعد عن المكان وسط كل الاحتياطات الأمنية، ويترك المنطقة تعج بفوضى عارمة وتخبط أجهزة الدولة الأمنية، لم تتنبأ أجهزتها المخابراتية مسبقاً بأي إشارة عما ينوي هذا الشاب فعله، ولم تتمكن الأجهزة الأمنية والتواجد البوليسي المكثف من تحديد طبيعة العملية وعدد المشاركين فيها والاشتباك معهم، وإن كانت العملية إنتهت على هذا القدر أم لها تكملة في منطقة أخرى، مما اضطر الاحتلال للدفع بتعزيزات عسكرية كبيرة، ولم يتوقف الإخفاق الأمني الكبير لدولة الاحتلال عند هذا الحد بل الدولة التي تفاخر بقدراتها الأمنية لم تتمكن من الوصول إلى منفذ العملية وظل طليقاً حتى صباح اليوم التالي قبل أن يسلم نفسه لشرطة الاحتلال ومعه مسدسه، ليعطي دلالة واضحة حول الإخفاق الأمني لدولة الاحتلال ثلاثي الأبعاد "قبل وأثناء وبعد التنفيذ".
الثاني يتعلق بقراءة فلسطينية خالصة، فالشاب إختار المكان ووصل إليه دون مساعدة من أحد، واكتفى بمسدس بسيط دون أن يلتفت إلى معادلات لا تستقيم مع الواقع، وأطلق ما في مسدسه من رصاص جرح به الأمن والأمان ونشر الخوف والفزع قبل أن يصيب بها عدداً من المستوطنين بعدد الرصاصات التي أطلقها عليهم، لم يسبق له أن أطلق التهديد والوعيد لدولة الاحتلال ولم ينثر في الفضاء تصريحاته المشبعة بشجب وإدانة ما يقوم به الاحتلال، ولم يطلب منا أن نهتف لرايته وندعو لقادتها بطول البقاء، وليس لديه جيشاً يرصد له نميمة الشارع ويضرب به كل من يحاول أن يشق عصا طاعته، ليس لديه هياكل تنظيمية ولا مسميات حزبية ولا موازنات ولا أجهزة أمنية ولا فرق عسكرية، هو بمفرده خطط ونفذ ولم يطلب دعماً مالياً ولا لوجستياً، لم يكن بحاجة إلى أكثر من عشر رصاصات وعشر ثواني.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت