- أوس أبوعطا
حدثنا غيث بن قحطان: بعدما قرأت الكثير من الكتب والمراجع، واعتكفت في منزلي ويكأني من سكان الصّوامع، وأفنيت الأيام والسنين في القراءة عن فلسطين و ممارسة ما أنا فيه وإليه. فرغت وقتا للشعر والمقال واستللت سيف الأدب استلال، منافحا عن أرض البرتقال. ونشرت القصيدة والمقامة والمقالة في السّياسة والاقتصاد والثقافة والرّياضة، في صحف المجلات والوكالات العالميات. وبعدما نلت من الشّهرة حظي، قلت في نفسي هذا يكفي إن صحف فلسطين أولى بي.
راسلت منصةً في الوطن السّليب، يعترني شوق لترابها الخضيب، فرد عليّ رئيس التحرير وهو رجل له اسم في النضال كبير، تقدرهُ العامةُ أيما تقدير وأنا أحترمه كل الاحترام فهو من الشّعراء العظام، فأشار عليّ أن أتواصل مع المدير، كما رحب بي الأخير أفضل ترحيب وقال أهلا بالورد الحبيب، فرفعت له قصيدة عن أرض النّضال منبع الأسرى والرجال، فأخطرني أنها ستنشر في أسرع وقت وسيرسل لي الرابط يوم السّبت.
صدقتُ مالكَ مفاتيح المنصة الزّاخرة بخزائن الشّعر والقصة، لكن صدمني غياب النشر لأشهر، فشعرت بالحنق لانعدام الصدق وكثرة الوعود المرسلة المرقشة بالكلام الودود، وبعد وعود زائفة و ردود، نشرت قصيدتي في صحيفة عربية بلا فضل أو منّية . وأرسلت له الرابط على المسنجر وأنا في قمة الغضب كالغضنفر فصمت ولم يبرر.
وطارت الأيام و رحت أكتب في التاريخ والثقافة باهتمام ، و بعد الشّقاق توصلت معه لاتفاق منجزا تحقيقا ثقافيا باقتدار استقيتهُ من بطون أمهات الكتب والأسفار وقلت له تفضل يا ربّ المنصة والدينار فرد بأنها مقالةٌ جميلة مقطوفةٌ من خميلة وأقسم اليمين أنها ستنشر بغضون أسبوعين.
ولكنّه بلا سبب ألقاها في غياهب الجب لمدة عام في منام وسبات كأنها من الحوليات.
ثم انقلب في الكلام متعذرا بصعوبة نظام التحويل لأرض الشّام. فراسلته باسم بديل ليس عليه دليل بأنني عربي من هذيل أقيم بالشّام ، فرحب وأهل وسهل باهتمام، وحين السؤال عن التحويل قال لا تشغل بالك يا صاحب العمر الطويل، ترسل المكافأة لأقارب أو أصحاب ممن يملكون في المصارف حساب . فراعني سوء معاملته لأخيه الفلسطيني بالشتات والعذاب.
وعدت إليه من جديد لينشرها بلا تمديد فأنا كاتب ذو باع لا أطيق المخاتلة والخداع ولا أحبذ أسلوب المدير المحبوب بمواعيد كمواعيد عرقوب.
وبعد تفكرٍ وتدبر أرسلت المادة لموقعٍ ثمين، فكان النشرُ في غضون يومين، أرسلت له الخبر وهو رطب فقرأه ولم يعقب. وبت أنشر موادي في مواقع أكبر خارج الدار، والفؤاد يتعذر والروح تتكسر.
وجلستُ أراجعُ النّفس، أجريمتي أني فلسطيني لأعامل ببخس وكأني صاحب إثم و رجس، أم هي قضيةٌ سياسية متعلقةٌ بانتماءاتي الحركية، أم لأني لم أطبّل له وأزمّر، وأخصّه بمقالة أو شِعر بعد إجراءه عمليّة في الصّدر.
ما أقول في بلدي بلد الأحرار، بعيدة الشّط والمزار، ما عاد أبناؤك على أخوتهم بالشتات أغيار، وما للنشر من عيار. كيف يتولى مؤسستك رجلٌ بلا قرار، يرسل أقرباؤه خارج الديار، لتغطية جائزةٍ تحفلُ بالكتاب الكبار، ويعيد نشر مقالاتهم المنشورة في جريدة معروفة، وما عرفتُ من خبرٍ مهم من صحفي مُلم أنه باسمهم يكتب ليزيد الغلّة ويملأ السّلة بل ويحاضر بحميّة عن الثقافة والحرية، أما مؤسسات الوطن يديرها بدعوى جاهلية عنوانها المحسوبية فلا يقربها إلا قريب أو حبيب. ينشر من كل جنس وقبيلة وأبناء جلدته في الجوار بلا فلس وقلّة حيلة.
وبهذا أفسر ما حرضني للكتابة الصريحة التي تخلو من الصنيعة، فلم أتجنَ على المدير وإن خان الأخير حسن التدبير، وخليق بي أن أطوي ما به من سيئة سائلا الله أن يحوطني وإياه بالدعوة الصّالحة بطول البقاء وامتداد الأجل لسداد العمل. ولهذا رحت أنشد
هذي المقامةُ للذي ملكَ المنصة تحكي أسايَ وحرقةً بالقلبِ غصه
من قال إن منصةً للشعب تُسبى قد بات يحكم أمرها باغٍ برخصه
أتظّنّها شاةً لتحلبَ ضرعها أفلا تركت بضرعها ولو مصّه
وتراهُ يكتب بالدّما عاشت بلادي يحكي هواهُ قصّةً من بعد قصه
وتراك تنشر للغريب مقالةً حتّى ولوكان المقال للصّه
أمّا مقال واحد من أرضك تُرمى كأنّ مقال الأبناء فصّه
أفلا تساوي بيننا في قسمةٍ فأنا أخوك ولي كمثله حصّه
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت