- بشرى حفيظ
رغبة منها في تعزيز الهدنة بعد التصعيد الأخير الذي شنته على قطاع غزة أعلنت حكومة الاحتلال عن مواصلة تقديم التسهيلات الاقتصادية ضمن سياسة ما يعرف بـ"السلام الاقتصادي"، والتي يترتب عنها تقديم تصاريح عمل، والمفارقة هذه المرة ان الجانب الإسرائيلي يدرس امكانية تقديم تصاريح عمل للنساء غزة للعمل في الداخل المحتل لأول مرة.
تصاريح وسياسة من نوع جديد
في اطار التهدئة التي دخلت حيز التنفيذ كشفت حكومة الاحتلال الاسرائيلي عبر لسان كشف منسقها العام، غسان عليان، عن البدء في مشروع تجريبي يشمل تشغيل المئات من نساء قطاع غزّة في "إسرائيل" كجزء من الحصة البالغة 14 ألف تصريح عمل، بينما ذكر أحد المسؤولين وفق صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، أنَّ حصة عمال غزّة تبلغ حاليًا 20 ألفًا.
وكشفت القناة 13 الإسرائيلية، أن هذه التصاريح ستشمل فئة نساء غزة اللاتي سيتم منحهن تصاريح عمل أسوة بالرجال، وتعتبر هذه الخطوة تحولاً في طبيعة ونمط التسهيلات الاقتصادية التي تسعى إسرائيل لتطبيقها في قطاع غزة.
غير أن الاعلان لم يوضح مجالات العمل التي ستشملها التصاريح بالنسبة ل للنساء، إلا أن بعض الترجيحات أكدت أن المجالات المطروحة للعمل ستشمل قطاعات أولية أهمها الزراعة والخياطة ورعاية كبار السن، ومجالات خدماتية تتعلق بالنظافة داخل المستشفيات والمدارس والبلديات في القرى العربية في النقب
وتعتبر تصاريح العمل الخاصة بالنساء من السياسات الجديدة التي ينتهجها الاحتلال وبحسب ما ذكرته صحيفة "يديعوت أحرنوت" فإنّ القرار بـ "التوسّع قدر المستطاع في التسهيلات" جاء بعد المواجهة العسكرية الأخيرة "بزوغ الفجر" مع حركة "الجهاد الإسلامي"، على أمل إسرائيلي بأن تشكّل هذه الخطوات "أساسًا" يساعد على الاستقرار في القطاع، ويمنع حركة حماس من الدخول في جولة قتال أخرى كتلك التي انتهت قبل أسبوع، حين وُضعت الحركة التي تحكم أكثر من مليوني فلسطيني في غزة، في مأزق، بتركها الجهاد الإسلامي لوحدها في المواجهة، وفقًا للقناة.
موضحة أن إسرائيل بدأت سياستها الجديدة مع غزة منذ نحو 8 أشهر بتقديم تسهيلات مدنية أحادية الجانب لتسهيل حياة سكان القطاع، كما تزعم تلك الجهات وهو ما يتعارض مع تصريحات رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في قطاع غزة سامي العمصي والذي قال أن التصريحات الإسرائيلية المتكررة بتقديم تسهيلات لقطاع غزة لا تمت للواقع بصلة، وهدفها مخاطبة الإعلام الغربي لتحسين صورة الاحتلال أمام العالم..
وقدم مسؤولون إسرائيليون إحاطة أمنية للقنوات الإعلامية العبرية، حول السياسة المتبعة والتي ستتوسع خلال الفترة المقبلة، مدعين أن هذه الإجراءات التي تتخذ بأوامر من وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس ، تظهر مؤشرات مشجعة على تحسن طفيف في الاقتصاد المنهار الذي يعيش في ظله 2.2 مليون فلسطيني في قطاع غزة.
وأوضحت ذات المصادر، أن هذه السياسة أحادية الجانب لا علاقة لها بمفاوضات وقف إطلاق النار بعد العملية الأخيرة، أو بموجب أي ترتيب، كما كان في الماضي، وأنها تتم بغض النظر عن سلوك حماس .
ونقلت القناة عن "مسؤول أمني رفيع" أنه سيتم توسيع نهج التسهيلات الاقتصادية المدنيّة المقدّمة لغزة، بغض النظر عمّا إذا كان هناك إطلاق صواريخ أم لا، مضيفًا: "لن نغلق المعابر في مواجهة كل هجوم".
الأهداف والدوافع
الخطوة الإسرائيلية التي تشمل تقديم تصاريح عمل للنساء تشوبها العديد من الخفايا وهو ما عبر عنه رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في قطاع غزة سامي العمصي، امس الاثنين، والذي قال إن قضية إصدار تصاريح لنساء من قطاع غزة للعمل في الداخل المحتل تحيطها "محاذير أمنية"، مشيرًا إلى أن الجهات الحكومية والأمنية هي المخولة بحسم هذا الأمر.
وأضاف، العمصي في حديث لوكالة "صفا" للأنباء، "في هذه المسألة القانون هو الحكم، وقانون العمل أعطى النساء الحق في العمل سواء في قطاع غزة أو الداخل المحتل أو خارج الوطن"
من جهته، رأى المختص في الشأن الإسرائيلي، باسم أبو عطايا، أنَّ دراسة السماح للمئات من نساء غزّة العمل داخل دولة الاحتلال، يأتي ضمن رزمة التسهيلات ومخطط السلام الاقتصادي الذي لم يتمكن رئيس الوزراء الأسبق، بنيامين نتنياهو، من تطبيقه".
وبيّن أنَّ دولة الاحتلال تعمل ضمن مخطط تقسيم المقسم؛ مُشيراً إلى تعميق الاحتلال الانقسام الفلسطيني الجغرافي والسياسي بين غزّة والضفة الغربية، ونجحت في تقسيم المقاومة داخل الضفة الغربية، وعملت على نفس الأمر في غزة من أجل فصل الحاضنة الشعبية عن المقاومة
وقال أبو عطايا: "إنَّ الاحتلال نجح في أنّ يُوقف حماس عن المشاركة في الحرب الأخيرة على غزّة؛ وذلك ضمن مخطط كبير تعمل عليه دولة الاحتلال لتقسيم المُقسم"، مُستدركاً: "إسرائيل تعمل على تحويل حماس من حركة مقاتلة مقاومة إلى حركة تميل للسيادة والسلطة".
وبالحديث عن هدف الاحتلال من دراسة السماح لنساء غزّة بالعمل في الداخل المُحتل، أوضح أنَّ "الاحتلال عندما أصدر 14 ألف تصريح لرجال غزة للعمل داخل دولة الاحتلال، جعل حماس تُفكر قبل إطلاق صاروخ واحد خلال معركة الأيام الثلاث الأخيرة على غزّة"؛ مُتابعاً: "بالتالي عندما تدخل النساء إلى جانب الرجال ويكون هناك عائلات كاملة تعمل داخل دولة الاحتلال؛ هذا الأمر سيؤدي إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية للعائلات، وتُصبح المواجهة العسكرية من غزّة أمرٌ صعب".
وأضاف "إنَّ ما يجري عبارة عن مخطط لفصل الحاضنة الشعبية عن المقاومة والمد الرئيسي للمقاومة من خلال النساء؛ الأمر الذي يستدعي التفكير في رزمة التسهيلات كلياً؛ لأنَّ الأمر ليس متعلق بعمل النساء في الداخل فقط".
تصاريح العمل.. ورقة ضغط
تعتبر تصاريح العمل المقدمة من طرف إسرائيل لعمال القطاع أحد اهم الأسباب التي دفعت حماس لعدم الدخول في المعركة الأخيرة حيث اكتفت بالتعبير عن دعمها لحركة "الجهاد الإسلامي" ومقاومتها للهجمات الإسرائيلية لكنها أبقت ترسانتها الصاروخية الأكبر والأكثر قوة خارج المعادلة وفقًا للمحللين السياسيين .
وتفرض إسرائيل ومصر إغلاقًا على قطاع غزة منذ عام 2007، مما يحد من الوصول إلى القطاع عبر البر والجو والبحر، بما في ذلك القيود المشددة على حركة سكان القطاع وتدفق البضائع.
فإذا تم إطلاق الصواريخ، فإن إسرائيل تغلق الحدود، والآلاف من سكان غزة الحاصلين على تصاريح لن يتكمنوا من العمل في إسرائيل أو الحصول على رواتبهم وهو ما قد يتسبب في تفاقم أزمة البطالة داخل القطاع والتي تُعدّ من بين الأعلى في العالم، حيث وصل معدل العاطلين عن العمل خلال الربع الأول من العام 2022 إلى 46.6% في حين أن 1.3 مليون فلسطيني من أصل 2.1 مليون في غزة (أي 62 في المائة من السكان) بحاجة إلى المساعدات الغذائية وفق ما أفاد به مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).
ويعاني قطاع غزة منذ عقد ونصف من تبعات أزمات اقتصادية خانقة أسهم في تكريسها وتفاقمها العديد من العوامل والظروف المرتبطة بالاحتلال والانقسام الداخلي والتي ادت بشكل مباشر إلى تغليب الجانب الاقتصادي للقطاع قبل الدخول في أي صراع مفتوح مع الاحتلال الاسرائيلي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت