جوائز الترضية في السلك الدبلوماسي

بقلم: أسامه الفرا

أسامه الفرا.jpg
  •   د. أسامه الفرا

كتب الصحفي المصري محمد الأمين مقالاً في جريدة المصري اليوم تحت عنوان "صورة روسيا في العالم"، إنتقد فيه الإعلان الترويجي للسياحة في روسيا معتبراً إياه بمثابة إستفزاز للغرب، رغم أن الإعلان لم يخرج عن الأدبيات الترويجية للسياحة وكما تفعل الكثير من دول العالم لجذب السياح إليها سيما وأن السياحة باتت مصدراً مهماً في مداخيل الدول، وبدون مقدمات إعتبر الكاتب أن روسيا نجحت في حرب البترول والغاز والقمح ولكنها لن تجلب السياح إليها بالحياة الرخيصة والطقس الجميل والتعايش السلمي وعراقة التاريخ والفودكا والنساء الحسناوات، معتبراً أن وجهة الناس أمريكا ولو كانت الحياة فيها ناراً والطقس جحيماً والنفط والغاز والكهرباء بشق الأنفس، وضمن مقاله بمقارنة سريعة بين مستوى التعليم في أمريكا التي تحتل جامعاتها المراتب الأولى في التصنيف الدولي ونظيرتها الروسية، وخلص إلى نتيجة بأنه لا يمكن لروسيا والصين أن تقود العالم فالمسألة تتعلق بالحرية والقانون وحقوق الإنسان.

ما يثير الإنتباه في مقال الكاتب محمد الأمين لا يتعلق بحجم الاختلاف حول ما جاء فيه، فلا روسيا ومعها الصين من سلالة الشياطين ولا أمريكا ومن خلفها الغرب من نسل الملائكة، وإن كان الإعلان مستفزاً للغرب من وجهة نظره وأن روسيا لا يمكن لها أن تجلب السياحة إليها بالحياة الرخيصة والفودكا وتناسى ما تزخر به من إرث ثقافي وفني جعلها تنقل شيئاً يسيراً مما لديها في متحف "أرميتاج" إلى فرع له في مدينة الرذيلة والقمار "لاس فيغاس"، وكي لا نبتعد كثيراً عما يعنينا من مقال الكاتب وهو أن السفير الروسي في القاهرة "غيورغي بوريسينكو" رد على المقال برسالة مفتوحة للسفارة الروسية بالقاهرة نشرتها في جريدة "المصري اليوم" فند فيها ما جاء في مقال الأمين ودافع عن الدولة التي يمثلها، فلا حجم الأعمال الموكلة لسفير دولة بحجم روسيا ولا الأزمة التي تعيشها بلده في حربها مع أوكرانيا وضرورة متابعته وإلمامه بأدق تفاصيلها ولا آلة الإعلام الغربية الضخمة التي تعمل على شيطنة روسيا منعت سفيرها في القاهرة من الرد على مقال في صحيفة قد لا يجذب من القراء سوى العدد اليسير.

والحديث هنا ينقلنا إلى شأننا الفلسطيني وهو مربط الفرس كما يقولون، فلدينا ما يقرب من مائة سفارة ومكتب ممثلية على مستوى العالم وهو عدد عجزت الكثير من الدول المستقلة والغنية في آن واحد عن الوصول إليه، ولدينا هيكل وظيفي للسلك الدبلوماسي فيه السفير والقنصل والمستشار والسكرتير الأول والثاني والثالث ومن بعدهم الملحق ومن قبلهم جميعاً الوزير المفوض، ولدينا في كل سفارة أقسام وشعب وكادر جئنا بهم لفيفاً من الأقارب والحبايب، ومعظم عمل السفارات إلا ما رحم ربي لا علاقة له بما يجب عليها أن تقوم به، فلا هي تنشط في المجال السياسي وما يتطلبه من الاقتراب والتشبيك مع رموز الدولة السياسية والثقافية والمجتمعية ولا هي حاضرة في علاقتها مع الأحزاب السياسية ومكنونات المجتمع في الدولة التي تتواجد بها، وغالبيتها تدخل في حالة من الإشتباك مع أبناء الجالية وفرز لأفرادها قائم على تقريب من يجيد النفاق والتزلف للسفير وصحبه.

السفارة ليست تكية للعاطلين عن العمل ولا مكاناً نرسل إليه الحائزين على جوائز الترضية، وليست مكاناً لإلتقاط الصور وديواناً لإحتساء القهوة ولا مكتباً لمتابعة البدلات المتعلقة بالسكن وغلاء المعيشة، بل نقطة إرتكاز تصل من خلالها فلسطين إلى كل حارة وبيت، إلى السياسين والمثقفين والأدباء والرياضيين والفاعلين في المجتمع، أن تصل فلسطين من خلالها إلى الأحزاب والمنظمات المجتمعية والمؤسسات الثقافية والاقتصادية، لم يكن إغتيال وائل زعيتر ممثل المنظمة في روما إنتقاماً لمقتل الرياضيين الاسرائيليين في ميونخ كما دأبت إسرائيل على ترويجه، بل لأن زعيتر خلق حالة من الاستقطاب في صفوف كبار فناني وادباء ومثقفي إيطاليا، وتم إغتياله عقب ندوة ثقافية جمعته بنخبة منهم، وكذلك فعل محمود الهمشري ممثل المنظمة في باريس ومن بعده عز الدين القلق، كانوا يعرفون أن مهمتم تتضمن أن يصلوا بالرواية الفلسطينية إلى حيث يجب أن تصل وألا يدعوا فرصة تذهب دون أن تكون السردية الفلسطينية حاضرة فيها.

باتت سنامة العمل الدبلوماسي لدينا أن يحظى السفير برضى الوزير وأن يحافظ على أن يكون من حاشيته المقربة، وأن يسخر كل طاقاته في خدمة الوافدين إليه من أصحاب المقامات العليا كي لا تغضب عليه ويتم الإطاحة به من مملكته في المهجر، ألا نحتاج إلى ثورة حقيقية في السلك الدبلوماسي تأتي بكفاءات قادرة على تمثيل فلسطين بالشكل الذي يليق بها وبتضحيات شعبها وقادرة على إستنهاض التعاطف الدولي معنا، ألا يكفي ما جنيناه من خسائر بفعل جوائز ترضية التعيين في السلك الدبلوماسي؟. 

        

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت