• أ د مازن قمصية

لقد كتبت النص التحليلي أدناه في أغسطس 2010 ولا يزال صحيحا. توفي صائب عريقات ويظهر التأمل أنه كان أفضل من أولئك الذين تبعوه. المفاوضات لم تحدث ولن تحدث أبداً لأن إسرائيل بعد التطبيع مع الدول العربية لا تحتاج حتى إلى دعاية "المفاوضات" الاسمية وإذا حدثت فسيكون ثمنها مزيد من تقوية الكيان الصهيوني وقمع المقاومة والحفاظ على بريق أمل لوهم حل الدولتين. لا أشعر بالفخر أن تنبؤاتنا تحصل بل بالتحسر على الوقت الضائع.

بعد عودة من مظاهرة الجمعة في الولجة في حرارة الشهر نلاحظ أن المحادثات حول محادثات السلام قد تستأنف في واشنطن في 2 سبتمبر. في الواقع قررت إدارة أوباما عدم إنفاق أي رأس مال سياسي على تحدي اللوبي الإسرائيلي. ما يريد السياسيون الأمريكيون أن يخففوا من حدة الانتقادات الجمهورية قبل انتخابات خلال تحقيق "نجاح" دبلوماسي في الشكل وليس في الجوهر. ستؤدي المحادثات المباشرة إلى مزيد من التقليل من حقوق الفلسطينيين خاصة عندما تجري في واشنطن المحتلة صهيونيا وبين عباس الذي انتهت فترة ولايته كرئيس للبانتوستان الفلسطيني في الضفة الغربية في يناير الماضي (2009) والسيد نتنياهو ، وهو إرهابي ومجرم حرب معروف يقود الحكومة اليمينية الأكثر تطرفاً في تاريخ دولة الفصل العنصري في إسرائيل. أعتقد أن معظم الفلسطينيين (بمن فيهم عباس) ليسوا متفائلين ولا سعداء بهذا التطور ، لكن قلة منا تعتقد أنه من الضروري لعباس أن يستسلم مرة أخرى وأخرى . يعتقد معظم المحللين (بما في ذلك قطاعات كبيرة من فتح) أن سياست عباس منذ نشأته  أدت إلى انتكاسة. أتحدى أولئك الذين يفكرون بخلاف ذلك لمناقشات عامة حول هذه القضايا.

قامت لجنة تنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية تمثل فصائل مختلفة (يتقاضون رواتبهم من خلال نفس النظام) بختم الموافقة بالأغلبية على قرار العودة إلى المفاوضات المباشرة (وبالتالي الرضوخ للضغط الأمريكي). سأكون فضوليًا لقراءة أي مداولات والاستماع إلى أي أصوات معارضة صوتت بـ "لا" (وليس فقط قول لا لأعضاء كادرهم:

"تؤكد المجموعة الرباعية من جديد التزامها الكامل ببياناتها السابقة ، بما في ذلك في تريستا في 26 حزيران / يونيه 2009 ، في نيويورك في 24 أيلول / سبتمبر 2009 ، وبيانها في موسكو في 19 آذار / مارس 2010 الذي ينص على ضرورة إجراء مفاوضات ثنائية مباشرة لحل جميع قضايا الوضع النهائي "يؤدي إلى تسوية يتم التفاوض عليها بين الأطراف تنهي الاحتلال الذي بدأ عام 1967 وتؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة وديمقراطية وقابلة للحياة تعيش جنبًا إلى جنب بسلام وأمن مع إسرائيل وجيرانها الآخرين".

رفضت إسرائيل بالفعل فكرة إنهاء الاحتلال ولكنها سعيدة بفكرة المفاوضات المباشرة دون تدخل أو "شروط مسبقة" بين المحتل وقيادة لا تمثل الشعب المظلوم. الاتفاق يتطلب اثنين وإسرائيل تملك كل السلطة وكل الأوراق ومبسوطة على الوضع الحالي لأنه مربح ويمكنها أن تملي ما تريد في "مفاوضات ثنائية مباشرة". السؤال البسيط هو كيف نحصل على قدر بسيط من الحقوق الفلسطينية حيث أن اللجنة الرباعية تراجعت حتى عن مطلبها البسيط المتمثل في "تعليق الأنشطة الاستيطانية" أثناء استمرار المفاوضات (في حد ذاته تراجع عن خريطة الطريق التي تتطلب تفكيك كل ما تم بناؤه بشكل غير قانوني منذ عام 2002)؟ إذا لم تتمكن من الحصول على تعليق الاغتصاب لبعض الوقت فلماذا مطالبتك فقط بالتفاوض المباشر مع ضحية الاغتصاب في غرفة مغلقة؟ إذا قبلنا فكرة أن نتنياهو مقيد من قبل تحالفه السياسي حتى من هذه البادرة الصغيرة لتعليق الأنشطة الاستعمارية غير القانونية (انظر اتفاقيات جنيف) فلماذا نتوقع أنه سيكون قادرًا على تقديم أي شيء أكبر (مثل تفكيك المستوطنات أو تقاسم القدس أو السماح للاجئين باستعادة أراضيهم)؟ إذا كنا نعتقد أن الولايات المتحدة ورباعيها أصبحوا الآن أكثر جدية فكيف لم يتحقق شيء من المفاوضات غير المباشرة تحت وصايتهم؟

في البداية سمعنا أن عباس لن يذهب للمفاوضات ما لم تتوقف إسرائيل عن البناء في مستوطناتها الاستعمارية في 22٪ من فلسطين التي لا يزال البعض يحلمون بأن تصبح "دولة". في مقابلة مع CNN بعد إعلان الولايات المتحدة استئناف المفاوضات دون شروط مسبقة قال صائب عريقات إنه "يأمل" مع بدء المفاوضات المباشرة أن يمدد نتنياهو "تجميد البناء" في المستوطنات في الضفة الغربي. لم يكن هناك تجميد أبدا. هذا هو نفس عريقات الذي أخبرنا مرارًا وتكرارًا أن الوقف الجزئي هو خدعة. لذا أود أن أسأل لماذا يتوسل الآن لتجديد وهم  التجميد؟ أود أن تتاح لي الفرصة لأخذ السيد عريقات أو أي شخص لديه عيون ليرى ما حول القرى الفلسطينية ويوضح لهم ما يحدث بالفعل على الأرض. في منطقتي في هار جيلو وهار حوما كان هناك تسارع في الشهر الماضي في المباني وفي بناء الجدار الذي سيجعل الولجة معسكر اعتقال بانتظار التطهير العرقي في النهاية لما تبقى من سكان القرية.

نعرف كل الحجج للعودة إلى المفاوضات: جربنا أشكالًا مختلفة من المقاومة ، وميزان القوة يميل تمامًا إلى الجانب الإسرائيلي الذي تدعمه الولايات المتحدة (بفضل اللوبي الإسرائيلي) ، والحكومات الأوروبية  جبانة. مسؤول رفيع المستوى في فتح قال إنه لم يبق لدينا شيء سوى المفاوضات. أنا آسف لكن إذا أدلى القادة في فيتنام أو الجزائر أو جنوب إفريقيا بتصريحات انهزامية مماثلة فإن هذه الدول لن كانت حققت تحريرها. إذا فقد قادتنا الثقة في قضيتهم فعليهم التنحي جانباً وترك أولئك الذين لديهم رسالة إيجابية يقودون. إذا كنا سنحقق دويلة ضعيفة من خلال مفاوضات لا نهاية لها مع هؤلاء القادة الذين يحصدون الثمار الفاسدة المتساقطة من الشجرة بعد 130 عامًا من النضال ، فإننا لا نريد مثل هذه الدويلة.

يجب على القادة أولاً وقبل كل شيء أن يتحملوا المسؤولية عن أخطائهم وأن يكونوا على مستوى تطلعات شعوبهم وبل يقودو بمعنا يضحو أولا بدل أن بستنفعوا. الخطأ الأكبر في العشرين سنة الماضية كان طريق أوسلو هذا الذي أنهى البحث عن العدالة واستعادة الحقوق الفلسطينية واستبدالها بطريق التنازلات و"الأمن لإسرائيل" (القوة المحتلة) ومفاوضات لا تنتهي ولكن يسوق لها أنها قد تؤدي بطريقة ما (إذا تم استيفاء جميع الشروط الإسرائيلية المستحيلة) إلى دولة ستكون أقل من دويلة زولولاند في ظل نظام الفصل العنصري.

يعرف "قادتنا" أنه ليس عليهم فقط الانصياع للعودة إلى المفاوضات ولكن هناك حاجة إلى مزيد من التنازلات لمواصلة تمويل اقتصاد البانتوستان. فلماذا يحاولون إعطاء فكرة أن المفاوضات الثنائية فكرة مستحسنة؟ إذا كان من الممكن أن تتعرض للتهديد بقطع المساعدات للعودة إلى مفاوضات غير مثمرة ، فلماذا نعتقد أنه يمكنك مقاومة الضغط لقطع المساعدات ما لم تتخلى عن القدس أو اللاجئين؟ لا يُسمح للمفاوضين الفلسطينيين إثارة قضية معاملة الفلسطينيين داخل دولة إسرائيل حيث تقوم إسرائيل بهدم قرى بأكملها. هناك حاجة إلى الكثير من التنازلات الإضافية للحفاظ على امتيازات إدارة مناطق الحكم الذاتي بأموال من الغرب والدول العربية الممتثلة؟ أعتقد أنه في هذه المرحلة هناك حاجة لتنازلات أخرى: أ) العودة إلى مفاوضات عامة ومباشرة لا نهاية لها تدعم الحكومة الإسرائيلية (ويمكن أن تكسر العزلة المتزايدة لهذه الدولة المنبوذة) ، ب) التراجع عن الإجراء المعتدل للغاية مقاطعة المنتجات الاستيطانية و ج) الامتناع عن دعم التحقيقات الدولية في جرائم الحرب الإسرائيلية أو الإجراءات القانونية لمحاسبتها ، و د) الاستمرار في قمع المقاومة المحلية بكافة أشكالها.

قد يجادل البعض في هذا ويقولون أن السلطة الفلسطينية تدعم المقاومة الشعبية (وتقمع المقاومة المسلحة). لكن لسوء الحظ تحكي حقائق العام الماضي قصة مختلفة. هل يمكنهم القدوم إلى أماكن مثل بيت ساحور وبيت جالا وجيوس ليشرحوا للناس ما حدث لإنهاء المقاومة الشعبية في تلك الأماكن وعشرات الأماكن الأخرى؟ هل يمكن أن يفسروا لماذا أصبحت المقاومة الشعبية في العديد من الأماكن التي كانت مكلفة للاحتلال الآن بمثابة طقوس إعلامية. هل يمكنهم الالتقاء بأشخاص يشاركون في مقاومة شعبية حقيقية بانتظام وهم متطوعون وليسوا موظفين بأجر في السلطة الفلسطينية ويسألونهم ما هي التحديات التي يواجهونها؟ الإجابات ستكون فاضحة.

أقوم هنا بثلاثة تحديات لكل أولئك الذين سيتفاوضون مع السياسيين الإسرائيليين.

1) أتحداك أن تأتي وربط نفسك بجرافة إسرائيلية (أو تجلس أمام واحدة) في عمل من أعمال العصيان المدني  

2) أتحداك أن تعقد اجتماعات من الخبراء المستقلين في كل مركز سكاني فلسطيني رئيسي لمناقشة اتجاه اتفاقيات أوسلو وما حدث في السنوات العشرين الماضية

3) بناءً على 1 و 2 ، قول الحقيقة للناس.

ستكون هناك حاجة إلى المزيد من التضحيات وتأتي من شعبنا مع أو بدون قيادة نزيهة. ألن يكون أكثر كرامة وأكثر احتمالية لمنحنا الحرية إذا اضطررنا إلى الاستغناء عن المساعدات الخارجية لمدة عام أو عامين؟ مع الأسف الأعمال الصالحة قبل 30 عامًا لا تمنح أي شخص حق في التنازل عن حقوق الفلسطينيين. في القانون الدولي حتى القادة المنتخبون حسب الأصول للشعوب المحتلة لا يمكنهم التنازل عن حقوق شعوبهم. حياتنا لا تقارن بـ 5000 سنة من تاريخ شعبنا في هذه الأرض. حتى النضال ضد الصهيونية قد استمر بالفعل 130 عامًا بما في ذلك أعمار العديد من الذين "تفاوضوا". من يتذكر الآن راغب النشاشيبي الذي حاول التكيف مع الاحتلال البريطاني بسبب توازن القوى؟ لن يكون التاريخ لطيفًا مع أولئك الذين يتخلون عن شعبهم.

نحن عامة الناس يجب أن نتولى زمام الأمور بأنفسنا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت