تتواصل التطورات في العراق بعد إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر دخوله إضرابا عن الطعام واعتزال العمل السياسي، حيث سقط عشرات القتلى والجرحى خلال اشتباكات مسلحة في المنطقة الخضراء وسط بغداد.
وقال رئيس الكتلة الصدرية البرلمانية المستقيلة حسن العذاري في تغريدة على "تويتر" إن الصدر أعلن الدخول في إضراب عن الطعام حتى يتوقف العنف واستعمال السلاح.
وقالت مصادر طبية عراقية إن 10 قتلى و200 جريح -بينهم عدد من أفراد الأمن- سقطوا في إطلاق نار بالمنطقة الخضراء ومحيطها.
وأظهرت مقاطع فيديو اشتباكات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة داخل المنطقة الخضراء في بغداد، ولم يتضح بعد أطراف الاشتباك.
وقال مدير مكتب "الجزيرة" وليد إبراهيم إن اشتباكات عنيفة تدور في المنطقة الخضراء، مؤكدا تصاعد ألسنة اللهب في مناطق مختلفة من المنطقة الخضراء.
وأفاد بسماع دوي 13 انفجارات في المنطقة الخضراء بالعاصمة العراقية بغداد، واصفا ما يجري بالحرب الحقيقة.
وأضاف إبراهيم أن الاشتباكات تدور بين التيار الصدري والإطار التنسيقي اللذين يمتلكان مليشيات مسلحة وقدرات عسكرية هائلة.
وقال الرئيس العراقي برهم صالح في تغريدة على توتير إن دم جميع العراقيين خط أحمر.
وقالت وكالة الأنباء الفرنسية إن 7 قذائف هاون على الأقل سقطت مساء الاثنين في المنطقة الخضراء، التي تضم مقار حكومية وسفارات.
وأفادت وكالة الأنباء العراقية بأن رئاسة الوزراء أعلنت تعطيل الدوام الرسمي ليوم غد الثلاثاء في جميع المحافظات العراقية.
صافرات الإنذار
وقالت وسائل إعلام عراقية إن صافرات الإنذار تدوي في السفارة الأميركية في بغداد بعد سقوط قذيفة هاون قربها.
وأكدت إخلاء مقر السفارة الهولندية في المنطقة الخضراء وانتقال موظفيها للسفارة الألمانية.
وأفاد مراسل "الجزيرة" بوقوع إطلاق نار كثيف قرب البرلمان العراقي داخل المنطقة الخضراء، وإطلاق نار كثيف في البصرة، بالتزامن مع بدء سريان حظر التجول الشامل في جميع المحافظات العراقية.
وقالت وكالة الأنباء العراقية إن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وجه بمنع استخدام الرصاص وإطلاق النار على المتظاهرين من أي طرف أمني.
وأضاف الكاظمي أن وجه بفتح تحقيق عاجل بشأن أحداث المنطقة الخضراء، مطالبا قوات الأمن بحماية المتظاهرين.
وذكرت مراسلة "الجزيرة" سلام هنداوي أن أعدادا كبيرة من أنصار التيار الصدري انسحبت من المنطقة الخضراء في بغداد.
القصر الحكومي
وكانت القوات الأمنية العراقية قد أعلنت استعادتها السيطرة الكاملة على مقر القصر الحكومي بعد إخراج أنصار التيار الصدري منه بالقوة.
وقال مراسل "الجزيرة" في بغداد سامر يوسف إن قوات الأمن أطلقت النار بشكل كثيف داخل المنطقة الخضراء في بغداد، واستطاعت السيطرة على القصر بعد طرد المتظاهرين منه.
وأضاف المراسل أن قوات الأمن أوقفت أفراد طاقم الجزيرة لعدة دقائق وهشمت الكاميرا الخاصة بهم، قبل أن تقوم بطردهم من محيط القصر الحكومي.
وقبل ذلك بساعة فرقت القوات العراقية بقنابل الغاز المدمع وخراطيم المياه أنصار التيار الصدري الذين حاولوا اقتحام مقر الإقامة الرئاسي.
وأغلقت القوات الأمنية العراقية جسري الجمهورية والسنك وسط بغداد والطريق المؤدي إلى مبنى التلفزيون الحكومي.
وكان أنصار التيار الصدري قد اقتحموا مبنى القصر الحكومي داخل المنطقة الخضراء، فيما أعلن رئيس الحكومة العراقية تعليق جلسات مجلس الوزراء إلى إشعار آخر، كما أعلن حالة الإنذار القصوى في بغداد لكل القوات الأمنية.
حظر التجول
بدورها، أعلنت قيادة العمليات المشتركة العراقية حظر التجول الشامل في جميع المحافظات اعتبارا من الساعة السابعة مساء الاثنين.
ودعت في بيان المواطنين إلى التعاون التام مع الأجهزة الأمنية كافة، والالتزام بحظر التجول، والابتعاد عن الشائعات المغرضة.
وأضافت قيادة العمليات المشتركة العراقية أن القوات الأمنية تؤكد مسؤوليتها عن حماية المؤسسات الحكومية والبعثات الدولية، وأنها تقوم بواجبها في حماية الأمن والاستقرار.
وأشارت إلى أن القوات الأمنية التزمت أعلى درجات ضبط النفس لمنع التصادم أو إراقة الدم العراقي.
وأفادت وكالة الأنباء العراقية بأن قائد عمليات بغداد أصدر توجيها بتعزيز الحماية للدوائر الحكومية والمصارف.
بدوره، عاهد رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق فالح الفياض العراقيين بأن يكون الحشد خارج الاصطفاف السياسي، وأن يساهم في حماية العملية السياسية.
وفي وقت سابق، أعلن الجيش العراقي حظر التجول الشامل في بغداد اعتبارا من الساعة 2:30 ظهر اليوم الاثنين (بالتوقيت المحلي) بعد اقتحام أنصار الصدر القصر الجمهوري، وهو مبنى رسمي مخصص للمناسبات ويختلف عن القصر الرئاسي الذي يعد المقر الرسمي لرئيس الجمهورية.
وقامت قوات الأمن بإجلاء موظفي مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية على إثر اقتحام المبنيين من قبل أنصار الصدر.
حالة الإنذار القصوى
كما قرر رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي تعليق جلسات مجلس الوزراء إلى إشعار آخر بسبب دخول متظاهرين مقر المجلس، وأعلن حالة الإنذار القصوى في بغداد لكل القوات الأمنية.
وطالب رئيس الوزراء العراقي -خلال ترؤسه اجتماعا طارئا للقيادات الأمنية في مقر العمليات المشتركة- القيادات الأمنية بالالتزام التام بحماية أرواح المتظاهرين والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة.
ودعا الكاظمي في بيان المتظاهرين إلى الانسحاب الفوري من المنطقة الخضراء والالتزام بتعليمات القوات الأمنية، كما طالب مقتدى الصدر بالمساعدة في دعوة المتظاهرين للانسحاب من المؤسسات الحكومية.
وقال رئيس الوزراء العراقي إن تجاوز المتظاهرين على مؤسسات الدولة يعد عملا مدانا وخارجا عن السياقات القانونية، منتقدا ما سماه تمادي الخلاف السياسي ليصل إلى لحظة الإضرار بكل مؤسسات الدولة.
وقال رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي إن ما شهدته البلاد اليوم ينذر بخطر كبير، فيما دعا رئيس إقليم كردستان العراق مسرور البارزاني الأطراف السياسية كافة إلى ضبط النفس وألا تسمح بانفلات الوضع عن السيطرة أكثر مما هو عليه.
أما هوشيار زيباري القيادي في الحرب الديمقراطي الكردستاني ووزير الخارجية الأسبق فقال إن ما حصل اليوم في بغداد كانت نتيجة تراكمية لسياسات ومصالح وقرارات قضائية تعسفية قصيرة النظر.
من جانبه، دعا حيدر العبادي رئيس الوزراء السابق ورئيس ائتلاف النصر العراقي إلى التهدئة وضبط النفس وعدم الانجرار خلف الفتن.
ودعا العبادي العراقيين إلى التكاتف ومنع التجاوزات على الحقوق الخاصة والعامة.
بدوره، قال زعيم ائتلاف الوطنية العراقي إياد علاوي إنه لا سبيل لحل الأزمة السياسية إلا بالحوار الوطني.
كما دعا الإطار التنسيقي في العراق التيار الصدري للعودة إلى طاولة الحوار، قائلا إن على الجميع درء الفتنة وتغليب لغة العقل والحوار وتجنيب البلد الفوضى وإراقة الدماء.
وأضاف أنه لا يمكن الوقوف على الحياد حينما تتعرض مؤسسات الدولة للاعتداء والانهيار، داعيا الحكومة والمؤسسات الأمنية للقيام بحماية مؤسسات الدولة والمصالح العامة والخاصة.
كما دعا الرئيس العراقي برهم صالح المتظاهرين إلى الانسحاب من المؤسسات الرسمية، وإفساح المجال أمام القوات الأمنية للقيام بواجبها.
بدورها، قررت وزارة التربية تأجيل الامتحانات الوزارية للمدارس الابتدائية والمتوسطة.
خارج بغداد
وخارج العاصمة، اقتحم أنصار التيار الصدري مكتب مجلس النواب في محافظة كربلاء جنوب البلاد.
وقال قائد الشرطة في محافظة الأنبار إن القوات الأمنية في حالة استعداد قصوى لردع أي خطر يحدث في المحافظة.
وأظهرت صور محاصرة أنصار التيار الصدري محكمة الاستئناف في محافظة ميسان الاتحادية جنوب شرقي العراق.
وقال مسؤولون أمنيون عراقيون إن أنصار الصدر يغلقون مداخل ميناء أم قصر في محافظة البصرة.
وقال مراسل الجزيرة إن أنصار التيار الصدري أغلقوا مقر مبنى محافظة ذي قار في مدينة الناصرية.
واقتحم أنصار الصدر أيضا مقر محافظة ديالى شرق العاصمة بغداد، وأظهرت صور بثها ناشطون عشرات منهم وهم يتجولون داخل أروقة مقر المحافظة.
وفي محافظة واسط اقتحم أنصار الصدر مبنى المحافظة وسيطروا عليه بالكامل.
اعتزال الصدر
وتفجرت الأزمة عندما أعلن مقتدى الصدر -صباح اليوم الاثنين- اعتزاله الحياة السياسية نهائيا وإغلاق المؤسسات التابعة له.
وقال الصدر في بيان نشره عبر حسابه الرسمي على موقع تويتر، إنه سيغلق "كافة المؤسسات إلا المرقد الشريف والمتحف الشريف وهيئة تراث آل الصدر الكرام".
وتابع "الكل في حل مني، وإن مت أو قُتلت فأسألكم الفاتحة والدعاء".
كما جاء في البيان على لسان مقتدى الصدر "لم أدّعِ يوما العصمة أو الاجتهاد ولا حتى القيادة، إنما أنا آمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر، ولله عاقبة الأمور، وما أردت إلا أن أقوّم الاعوجاج الذي كان السبب الأكبر فيه هو القوى السياسية الشيعية بوصفها الأغلبية، وما أردت إلا أن أقرّبها إلى شعبها وأن تشعر بمعاناته".
يأتي ذلك في حين يرابط أتباع الصدر -للأسبوع الخامس على التوالي- أمام مقر البرلمان العراقي في المنطقة الخضراء الحكومية وخارجها للمطالبة بحل البرلمان العراقي.
واقتحم بعض أتباع مقتدى الصدر اليوم الاثنين المنطقة الخضراء الحكومية (وسط بغداد)، وحاصروا مبنى الحكومة العراقية، في ظل إجراءات أمنية مشددة.
وأفاد مصدر في الرئاسة العراقية بأن عشرات المتظاهرين اقتحموا القصر الجمهوري داخل المنطقة الخضراء، وهو ما أظهرته بعض مقاطع الفيديو المتداولة على مواقع التواصل.
جاء ذلك بعدما أسقط بعض أنصار التيار الصدري كتلا خرسانية من جدار حماية البرلمان العراقي عقب تمكنهم من اختراقه.
وقالت قيادة العمليات المشتركة إن القوات الأمنية تؤكد مسؤوليتها عن حماية المؤسسات الحكومية والبعثات الدولية.
في المقابل، يتجمع جمهور الإطار التنسيقي الشيعي عند البوابة الجنوبية للمنطقة الخضراء في صورة اعتصام يطالب بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة واستئناف عمل البرلمان العراقي.
دعوات للحوار
وجددت الرئاسات العراقية الثلاث في وقت سابق يوم الاثنين، دعمها دعوة رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي لعقد جولة جديدة من الحوار الوطني الأسبوع الحالي لبحث ومناقشة الأفكار والمبادرات التي تخص حل الأزمة الحالية، وبحضور التيار الصدري.
وذكر بيان لرئاسة الجمهورية أن الرئيس العراقي برهم صالح عقد اجتماعا اليوم بحضور الكاظمي ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان، لبحث المستجدات على الساحة الوطنية.
وأكد المجتمعون أن "الحفاظ على الأمن والاستقرار والمسار الديمقراطي والدستوري في العراق واجب جميع العراقيين كما هو واجب مؤسسات الدولة والقوى السياسية الوطنية، وأن الحوار البناء هو الطريق السليم لإنهاء كل الخلافات الحالية حفاظا على مقدرات البلاد".
كما شددوا على التقدير العالي لمبادرات الإصلاح على كل المستويات وتطوير عمل المؤسسات المختلفة ومحاربة الفساد، وضرورة أن يأخذ الحوار الوطني مداه لمناقشة كل ما من شأنه ترجمة تطلعات الشعب إلى واقع فعلي.
وكان زعيم التيار الصدري اقترح -أول أمس السبت- أن تتخلى "جميع الأحزاب" عن المناصب الحكومية التي تشغلها للسماح بحل الأزمة السياسية في العراق.
وقال الوزير الصدري صالح محمد العراقي -في تغريدة وقتها نقلا عن زعيم التيار- إن "هناك ما هو أهم من حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة"، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء العراقية (واع).
وأضاف أن "الأهم عدم إشراك جميع الأحزاب والشخصيات التي شاركت في العملية السياسية منذ الاحتلال الأميركي عام 2003 وإلى يومنا، بما فيها التيار الصدري".
وفي وقت سابق من أغسطس/آب الجاري أطلق الكاظمي "حوارا وطنيا" لمحاولة إخراج العراق من المأزق، لكن ممثلي التيار الصدري وزعيمهم قاطعوا هذه المبادرة، واعتبروا أنها لم "تسفر إلا عن بعض النقاط التي لا تسمن ولا تغني من جوع".