الهيئة 302: فرصتان لإنقاذ مَن تبقى مِن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان

مقدمة:

كثرت في الآونة الأخيرة وبشكل ملحوظ عمليات الهجرة غير الشرعية لعائلات اللاجئين الفلسطينيين من لبنان إلى دول أوروبا، لا سيما من فئة الشباب ومن كافة المخيمات والتجمعات الفلسطينية وتحديداً مخيميْ البداوي ونهر البارد شمال لبنان، وذلك عبر القوارب البحرية، ومنها من نجح ومنها من فشل..

الهجرة غير الشرعية عدا أنها تهدد حياة من يخوض غمارها من اللاجئين والغرق في البحر، أو الوقوع فريسة بين يدي السماسرة وعصابات تجار البشر التي تتقاسم الأموال وتفاوض على من يريد الهجرة وكأنه سلعة، فإنه يهدد الوجود الديموغرافي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، ويمهّد لتفريغ المخيمات من الثِقل الكمي والنوعي للاجئين، ولما له من تأثير على تفكك للعائلات الفلسطينية وبعثرة للمجتمع الفلسطيني في دول العالم، والإبتعاد جغرافياً عن الحدود مع فلسطين، مما استدعى تسليط الضوء على فرصتين بتقديرنا هامتين لإنقاذ ما تبقى من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الأولى مرتبطة بتشكيل الحكومة اللبنانية، والثانية مرتبطة بالتحضيرات لبدء الدورة الـ 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة.

لا خوف على حق العودة

حق العودة للاجئين الفلسطينيين غير مرتبط بالمكان الذي يتواجد فيه اللاجئ أو حتى القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، وبالتالي لا خوف على حق العودة من أي عملية هجرة سواء كانت شرعية أو غير شرعية، إذ أن حق العودة من المبادئ التي لا تحتاج، في الأساس، إلى تكريسه في نصوص قانونية؛ فمن حق اي مطرود العودة إلى وطنه، وحق العودة مثل حق المغادرة هو حق طبيعي لا يحتاج الى النص عليه في القوانين، واستناداً إلى هذه المعايير، فإن حق العودة هو حق من حقوق الانسان، وهو حق غير قابل للتصرف ولا يسقط بالتقادم مهما طال الزمن، وهو حق شخصي لا يجوز التنازل عنه لأي سبب في أي إتفاق أو معاهدة، وهو حق جماعي لا تجوز فيه النيابة تحت أي شكل من الآشكال، فالآلاف من الفلسطينيين في دول العالم حاضرون ومتيقظون لما يحاك لهم ويمارسون دورهم في تكريس هذا الحق المقدس.

في المعلومات:

أبحرث ثلاثة مراكب غير شرعية خلال الشهرين الأخيرين (تموز/يوليو وآب/أوغسطس 2022)، وآخرها كان يوم السبت 20 آب/ أغسطس الجاري، وعلى متنه 64 مهاجراً من اللاجئين الفلسطينيين من مخيميْ البداوي ونهر البارد وجهته إلى إيطاليا، وفق ما تناقلته العديد من وسائل الإعلام، لكن يشير المراقبون، ومصادر موثوقة من أن هناك الكثير من عمليات الهجرة لم يتم إكتشافها، وصل من كان على متنها إلى دول أوروبية.

وتشير المصادر إلى أنه يشكل الشريط الساحلي الممتد من العبدة شمالاً إلى شِكَّا (شمال) جنوباً، مروراً بالمنية، الميناء، والقلمون في شمال لبنان نقطة مركزية لانطلاق رحلات الهجرة غير الشرعية وتحديداً المناطق غير المأهولة.

وكان الجيش اللبناني قد أعلن يوم الأربعاء 24 آب/ أغسطس، توقيفه 113 شخصاً من الجنسيات اللبنانية والسورية والفلسطينية، كانوا يتحضّرون "لهجرة غير شرعية" عبر البحر.

وتضيف المصادر من أنه في 29 حزيران/يونيو2022 أنقذ خفر السواحل اليوناني أكثر من 170 مهاجراً في بحر إيجة كانوا يواجهون ظروفاً ملاحية صعبة، انطلقوا على متن قارب صيد من لبنان قاصدين إيطاليا، ويوم الخميس 30 حزيران/يونيو تمكن قارب يحمل حوالي 130 مهاجراً من الوصول إلى السواحل الإيطالية كان قد انطلق من سواحل مدينة طرابلس اللبنانية، وخلال الأسبوع الأول من تموز/يوليو 2022 تمكنت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني من ضبط ثلاث محاولات للهجرة غير الشرعية إنطلاقاً من شمال لبنان.

أسباب الهجرة:

حسب تقديرات أشارت إليها "الأونروا" فإن 86% من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر، وبأن أكثر من 80% من أطفال اللاجئين الفلسطينيين الرضّع في لبنان لا يحصلون على ما يكفي من المتطلبات الغذائية للنمو الصحي (1) وبأن نسبة معدلات الفقر في أوساط اللاجئين الفلسطينيين المهجرين من سوريا الى لبنان قد وصلت الى 87% (2) هذا وقد وصلت نسبة البطالة في أوساط اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى حوالي الـ 80%.

معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان سبقت الأزمة الإقتصادية المدمرة التي تمر بها البلاد منذ نهايات سنة 2019 بعقود، وجاء انهيار قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار وارتفاع أسعار سلع غذائية ومواد إستهلاكية وأدوية.. إلى أكثر من 1000% (الف في المائة) وتراجع خدمات "الأونروا" نتيجة العجز المالي، ليزيد الطين بلّة وليفاقم الأوضاع الصعبة للاجئين في المخيمات والتجمعات والمناطق.

يقول أبو محمد وهو والد أحد اللاجئين الفلسطينيين الذين تمكنوا من الوصول الى ايطاليا وهو من مخيم البداوي، إنه هو نفسه لم يعلم بنيّة ابنه الهجرة، "عرفت بذلك بعد انطلاقه. استشطت غضباً ومت خوفاً عليه، المسافة إلى إيطاليا طويلة جداً والإبحار إلى هناك يحتاج خبرة. أحمد الله أنه وصل سالماً وأتمنى له أن يحقق أحلامه".

ويضيف أبو محمد؛ باتت الهجرة المجال الوحيد المفتوح أمام الشباب الفلسطيني. فمع انسداد الآفاق الاقتصادية عموما في البلاد، والمعاناة الخاصة التي كان يعيشها اللاجئون الفلسطينيون قبل الأزمة أي قبل العام 2019 (الحرمان من حق العمل والتملك والحقوق المدنية)، "جعلت كل مشاريع هؤلاء الشباب في لبنان محكوم عليها بالفشل. ما الحل فإذا؟ أن يبقوا هنا ويتحولوا إلى سلعة بأيدي العصابات وتجار البشر أم أن يهاجروا إلى بلدان تحترم إنسانيتهم وتتيح لهم فرصا للتقدم؟".(3)

أما الحاج أبو ناصر (75 سنة) فيقول: "كيف سأعيش إذا كان ثمن كيلوجرام السكر دولار واحد وسلة البيض 4 دولارات؟ نحن 9 أشخاص ولا يعمل أحد سواي.. صدقني، بكيت في المنزل أمس لأنني لا أستطيع شراء ما تحتاجه أسرتي، وأعرف الكثير من العائلات في المخيم يطعمون أطفالهم الخبز المغمس بالشاي". (4)  

ما يدفع هؤلاء اللاجئين إلى الهجرة باختصار الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي وغياب الافق لأي حلول يمكن من خلالها رسم معالم مستقبل جيد في الحد الأدنى، فهؤلاء اللاجئين منهم من استدان المال، ومنهم من باع ممتلكاته أو بيته أو حليّ زوجته... ليدفع للسمسار بحثاً عن الأمن والأمان والإستقرار، الذي حينا يصدق وأكثر الأحيان عكس ذلك.. ولكن وفقا للمتابعين فإن معظم عمليات الهجرة تتم دون اللجوء الى مهربين وبسرية تامة. المهاجرون أنفسهم يجمعون الأموال من بعضهم ليتمكنوا في النهاية من شراء قارب وتجهيزه بكافة المعدات المطلوبة للرحلة.

أعداد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان

تختلف تقديرات أعداد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "أونروا" تشير في إحصائها الرسمي لسنة 2018-2019 إلى وجود 543,340 لاجئ مسجل (5)، بينما في إحصائها الميداني لسنة 2010 أشارت الى وجود بين 260 إلى 280 الف لاجئ فلسطيني يعيش فعليا في المخيمات والتجمعات والمناطق (6)، وهو العدد نفسه الذي ذكرته في مسحها الميداني بالتنسيق مع الجامعة الامريكية في بيروت في سنة 2015 (7)، وتحدث المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني أثناء انعقاد اللجنة الإستشارية للأونروا في 14 و 15 حزيران/يونيو 2022 في بيروت عن وجود حوالي 210,000 لاجئ فلسطيني على أرض الواقع (8).

أما في العام 2017 فقد أشارت لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني في "التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان" الذي أجرته بالشراكة مع إدارة الإحصاء المركزي اللبناني والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في رام الله الى وجود 174,422 لاجئ فقط يعيشون في 12 مخيماً و156 تجمعاً فلسطينياً موزعين على 55,473 عائلة، (9) الأمر الذي أثار حفيظة الكثير من المراقبين إذ أن هناك الكثير من اللاجئين لم يتم إحصاؤهم لا سيما من يسكن المدن والأرياف..

أما مديرية الشؤون السياسية واللاجئين في وزارة الداخلية والبلديات اللبنانية فتشير في سنة 2016 إلى وجود 592,711 لاجئ فلسطيني، وحسب المسح الذي أجراه معهد العلوم الإجتماعية والتطبيقية في أوسلو والمعروف بـ "فافو" (FAFO) في سنة 2000 فقط وصل الى 140 الف لاجئ في المخيمات والتجمعات فقط دون المدن، (10) أما تقديرات منظمات المجتمع المدني واللجان الشعبية والأهلية والفصائل الفلسطينية في لبنان فإن العدد يقارب الـ 260 ألف لاجئ فلسطيني على أرض الواقع من بينهم حوالي 29 ألف لاجئ فلسطيني مهجر من سوريا حسب إحصاء "الأونروا" في كانون الثاني 2022، وحوالي 35 ألف لاجئ مسجل في سجلات وزارة الداخلية والبلديات وغير مسجل في سجلات "الأونروا" وحوالي 5 آلاف لاجئ من فاقدي الأوراق الثبوتية أي غير مسجل سواء في سجلات "الأونروا" أو سجلات وزارة الداخلية والبلديات.

الفرصتان

تعتقد "الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين" بأننا أمام فرصتان لإنقاذ من تبقى من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والحفاظ عليهم وحمايتهم ولتثبيتهم في مخيماتهم وتجمعاتهم وتوفير العيش الكريم لهم إلى حين العودة؛

الفرصة الأولى:

يجري في لبنان حالياً التحضيرات لتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، "وفي خطوة جديدة، لها دلالاتها السياسية والانسانية، اكّدت مصادر فلسطينية، أن لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني برئاسة الدكتور باسل الحسن، تسعى لتشكيل"لجنة من الوزارات اللبنانية المعنية بالشأن الفلسطيني وخاصة الخدماتية منها مثل "الصحة، التربية والتعليم، العمل والشؤون الاجتماعية"، استكمالا للدور اللبناني في دعم "الأونروا" لسدّ العجز المالي في اعقاب اجتماع اللجنة الاستشارية التي عقدت في بيروت منتصف الشهر الماضي حزيران (11).

وبالتالي هناك بارقة أمل على مستوى اعتماد هذه اللجنة الوزارية والشروع في عملها بالتنسيق مع "الأونروا" والمرجعيات السياسية الفلسطينية في لبنان، ولكن مطلوب من جميع القوى الحية في عالمنا العربي والإسلامي والغربي وأحرار العالم (مؤسسات، جمعيات، نقابات، وسائل إعلام، سياسيون، أدباء، مثقفون، فنانون... واللائحة تطول)، التي يمكن لها أن تخاطب الحكومة اللبنانية التي ستُشكَل، والطلب إليها بضرورة إدراج بند خاص يتعلق بتوفير الحقوق الإقتصادية والإجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان في البيان الوزاري القادم، لا سيما حقيْ العمل والتملك، وضرورة تحويل تلك الحقوق إلى مراسيم معتمدة في المجلس النيابي، والشروع الفوري في تنفيذها، واستحضار أهمية توفير تلك الحقوق على المستوى الإنساني والسياسي والأمني، والتعالي عن الحسابات الداخلية اللبنانية التي لا دخل للاجئ الفلسطيني فيها، وبأن إعطاء تلك الحقوق يوفر العيش الكريم للاجئين، ويعزز العلاقات الأخوية بين الشعبين الفلسطيني واللبناني، ويتوافق مع ما جاء في مقدمة الدستور اللبناني برفض التوطين، ويمكّن اللاجئ من التمسك بحق العودة، وينسجم مع مشاركة لبنان بصياغة وتبني  والتزامه بتطبيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، ويخفف الى حد كبير المشاكل والاضطرابات الإجتماعية والأمنية التي تبرز أحياناً نتيجة الضغط والكبت والأوضاع الإنسانية الصعبة في المخيمات المكتظة والتي بقيت على مساحتها الجغرافية منذ نشأتها بعد نكبة العام 1948، واستغلال البعض من الشباب خاصة، وبالتالي توفير تلك الحقوق حماية للفلسطيني وللبناني على حد سواء.

الفرصة الثانية:

تبدأ جلسات الدورة الـ 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 13/9/2022، وفي 23/9/2022 سينعقد مؤتمر التعهدات الخاص بوكالة "الأونروا"، هي فرصة هامة لتسليط الضوء على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين عموماً أينما وجدوا لا سيما في مناطق عمليات "الأونروا" الخمسة بالإضافة الى مصر والعراق، وعلى أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بشكل خاص نتيجة ما يتعرض له من عملية تفريغ ديموغرافي ولما ورد ذكره آنفاً، إذ بالإضافة الى ما ورد من ضرورة مخاطبة كذلك الدول الأعضاء في الجمعية العامة، يحتاج اللاجئون الفلسطينيون بتقديرنا في "الهيئة 302" إلى التحرك على مستويين الأول رفع مستوى المسؤولية الوطنية الفلسطينية تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين عموماً وقضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان على وجه الخصوص والتي تقتضي تحركاً سياسياً نشطاً من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، يسنِد فعل شعبي منظم ومتصاعد ومستمر في مختلف أماكن تواجد الفلسطينيين (داخل وخارج فلسطين)، مدعوماً بحملة مناصرة عالمية تكشف الغايات السياسية من وراء استهداف وكالة "الأونروا" ووتأثير بعثرة وتفريغ المخيمات الفلسطينية في لبنان.

كما لا بد من الإعتراف إلى أن الفعل السياسي الدبلوماسي الفلسطيني الراهن يعاني من قصور ولا يتجاوز النداءات وردات الفعل الإعلامية، الأمر الذي يستوجب حراك ضاغط في أروقة الأمم المتحدة تقوده بعثة دولة فلسطين العضو المراقب في الأمم المتحدة من خلال تشكيل لوبي في الجمعية العامة يكون قادر بأن يسلط الضوء وإبراز قضية اللاجئين الفلسطينيين لا سيما في لبنان والدفع باتجاه أن يكون الفعل السياسي الفلسطيني استراتيجياً ضمن خطة قابلة للمراكمة لحماية حقوق اللاجئين على المستوى السياسي والإنساني من خلال تحقيق أربعة أهداف متكاملة؛ حماية وكالة "الأونروا"، ومعالجة أزمتها المالية المزمنة، وتوسيع صلاحياتها، والدفع باتجاه تطبيق القرارات الأممية الصادرة عن الجمعية العامة ذات الصلة بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - بيروت - الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين