- بقلم علي بدوان
فادي وقصي اثنان من نحو نصف مليون فلسطيني/سوري. من أصل 14 مليون فلسطيني في دياسبورا المنافي والشتات، وعلى أرض الوطن من البحر الى النهر ومن رأس الناقورة حتى رفح وام الرشراش.
فادي وقصي، من عائلة فلسطيني تهجّرت "قسرياً" من مخيم اليرموك، وتم تدمير منزلها عن "بكرة ابيه". تفتحت عيناهما على نور الحياة ودنيا الوجود، بعد المحنة الكبرى التي اصابت مخيم اليرموك وغيره من التجمعات الفلسطينية، تلك المحنة التي اعادت تهجير وتشتيت أبناء فلسطين بعد الويلات الكبرى التي تعرض لها الشعب الفلسطيني ككل، والمهالك التي تم وضعها على نارها منذ ما قبل النكبة وحتى الآن.
فادي وقصي، اثنان، من نحو اقل من 250 الف لاجىء فلسطيني بقي في سورية (كما تُشير العديد من المعطيات، بعد دمار مخيم اليرموك، وبعض المخيمات الفلسطيني (وهي في حقيقتها مناطق تجمع تضم مواطنين سوريين ولاجئين فلسطينيين في سورية منذ عام النكبة). فغادروا باتجاه اصقاع المعمورة في هجرات "قسرية" يحملون معهم وفي أفئدتهم، فلسطين الوطن، فلسطين التي يرسها الآن وجود نصف الشعب الفلسطيني فوق ترابها. فأمل العودة لم ولن يموت بالرغم من تلك الهجرات التي شتت الشمل، وإعادة انتاج النكبات والمهالك بحق الشعب العربي الفلسطيني.
مخيم اليرموك، وقبل محنته، كان مدينة بكل ماتعنيه الكلمة، موئلاً دافئاً، وموقعاً هاماً لكل الأعمال التجارية والإقتصادية وغيرها لأبناء البلد من سوريين وفلسطينيين، وفق كل ذلك، كان منارة في العلوم والتحصيل العلمي لأبناءه، فعدد حاملي الشهادات العليا، وفي مختلف الإختصاصات، خاصة الطب البشري تتجاوز الأرقام المعهودة في "بلاد العرب اوطاني"، لدرجة يحتار المريض الى أي طبيب يذهب بسبب كثرتهم ومهارتهم من جهة، وتزاحم اليافطات المعلّقة باسمائهم. ولاننسى في هذا المقام الدور التعليمي المُتميّز و(الحذاقة) والمهنية العالية والمتقدمة، والإخلاص في العطاء، نعم، الأهم الإخلاص في العطاء، والتفاني في نشر العلم والمعرفة بمهنة لايتقنها أي شخص بالشكل المطلوب. وهو ماتوفر ومازال عند مدرسي ومعلمي مخيم اليرموك وعموم لاجئ فلسطين في سورية وحتى معظم البلدان العربي التي يوجد بها معلمين ومدرسين فلسطينيين. فمدرسي فلسطين الذين عملوا في تلك المهنة منذ اللجوء الى سورية وحتى الآن، وبكل المداس وبكل المناطق، برزوا واثروا الحالة التعليمية، وخاصة في فترات الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، حيث وصل الى سورية نحو 90 الف لاجئ فلسطيني عام النكبة، وغالبيتهم من المتعلمين (على الأقل شهادة المترك/الإعدادي)، وممن يتقنون اللغات الأجنبية.
نعم، فادي، وقصي اثنان من 14مليون فلسطيني، يدخلان مخيم اليرموك مع والدتهم الى محيط بيت عائلتهم المُدمر، المُدمر قبل أن تتفتح عيونهم على نور الحياة، والصورة الثانية للمكان نفسه تقريباً قبل دارهم قبل دمارها.
فادي وقصي، انطبعت الصورة عند الطفل الأكبر سناً من شقيقه، ولن تبارح تكوينه وتفكيره، واحاسيسه، وشعوره اللاحق بالظلم الذي لحق بشعبه، وما تعرض له من مهالك، الشعب الذي لم يذق حتى الآن طعم الحرية والإستقلال، انها صورة التراجيديا الفلسطينية، المأساة الدرامية المبنية الآن على وقائع تاريخية، وفي جزء منها اعادة لاجىء فلسطين الى نقطة الصفر.
الشعب العربي الفلسطيني، شعب جبار، لم يستطع أحد حتى الآن من انهاءه ةتذويب هويته الوطنية، وهرسه تحت اقدام الفيلة (الدول الإقليمية) كما قال جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأمريكي سنوات الخمسينيات في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت ايزنهاور. وكل ذلك بفضل صبره وتضحياته، وكفاحه المستميت، وبفضل دعم واسناد قوى السلام والحرية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت