يرى مراقبون فلسطينيون أن إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد تأييده خيار حل الدولتين غير جدي وهدفه التهرب من الدخول في مفاوضات جادة مع السلطة الفلسطينية.
وقال المراقبون في تصريحات منفصلة لوكالة أنباء "شينخوا"، إن لابيد أراد إظهار إسرائيل بأنها دولة تريد السلام من أجل التساوق مع الإدارة الأمريكية ومحاولة امتصاص غضب الفلسطينيين في ظل اتساع رقعة إجراءاتها في الضفة الغربية وشرق القدس.
وكان لابيد قال في خطابه باجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة مساء (الخميس) الماضي إنه "على الرغم من كل العوائق، حتى اليوم غالبية كبيرة من الإسرائيليين يؤيدون رؤية حل الدولتين وأنا واحد منهم"، في تصريح هو الأول من نوعه لرئيس وزراء إسرائيلي يؤيد حل الدولتين.
واشترط رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد بأن تكون الدولة الفلسطينية المستقبلية سلمية، مشددا على أن الاتفاق القائم على دولتين لشعبين هو الشيء الصحيح لأمن إسرائيل.
وتعليقا على ذلك، اعتبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطابه بالجمعية العامة للأمم المتحدة حديث لابيد المؤيد لحل الدولتين أمر إيجابي، مؤكدا أن الاختبار الحقيقي لجدية ومصداقية هذا الموقف هو جلوس الحكومة الإسرائيلية إلى طاولة المفاوضات فورا لتنفيذ حل الدولتين.
وشدد الرئيس عباس على ضرورة تنفيذ الحل على أساس قرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة ومبادرة السلام العربية ووقف كل الإجراءات أحادية الجانب التي تقوض حل الدولتين، مشيرا إلى أن دولة فلسطين تواقة للسلام، للعيش في أمن واستقرار وازدهار، من أجل جميع شعوب المنطقة.
-- حديث لابيد غير جدي
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس أحمد رفيق عوض إن حديث لابيد "غير جدي وهو محاولة للتملص من أي مفاوضات سياسية جدية مع السلطة الفلسطينية، مشير إلى أن اشتراطه دولة فلسطينية سلمية مصطلح جديد للتهرب من تنفيذ خيار حل الدولتين.
وأضاف عوض أن حديث لابيد جاء للتساوق مع الإدارة الأمريكية ودغدغة مشاعر الجمهور العربي في إسرائيل ومحاولة امتصاص غضب الفلسطينيين والتقليل مما يفعلونه من أعمال مقاومة شعبية سلمية في الضفة الغربية والقدس.
وتابع أن لابيد "لم يقدم شيء واستعمل لغة ماكرة براقة وكأن إسرائيل تحب السلام وفلسطين لا تريده وهذا تجميل لوجه الاحتلال القبيح وهو لا يأخذ على محمل الجد لأن من يتحدث عن دولة فلسطينية عليه أن يتوقف عن ممارسته الوحشية على الأرض".
وأشار إلى أن لابيد أطلق "قنبلته الدخانية لحاجته إلى 42 % من الأصوات العربية داخل إسرائيل في الانتخابات المقبلة المقررة في شهر نوفمبر القادم، لافتا إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يرغب أن تكون الأحزاب العربية واليسارية معه.
وتوقفت آخر مفاوضات للسلام بين الفلسطينيين وإسرائيل في نهاية مارس العام 2014، ويطالب الفلسطينيون بتحقيق دولة مستقلة إلى جانب إسرائيل على كامل الأراضي الفلسطينية التي سيطرت عليها إسرائيل عام 1967 بما يشمل الضفة الغربية كاملة وقطاع غزة وأن تكون عاصمتها القدس الشرقية.
-- لابيد يسوق نفسه
ويقول المحلل السياسي من رام الله عبد المجيد سويلم إن حديث لابيد عن حل الدولتين محاولة "لتسويق نفسه دون أي التزامات، وبالتالي أراد أن يقول إن إسرائيل يمكنها الذهاب إلى عملية سياسية مستقبلا عندما تحين الظروف".
وأضاف سويلم أن الإعلام الإسرائيلي يحاول إثارة غضب الشارع على هذا التنازل اللفظي الذي قدمه لابيد خاصة على أن سلفه بنيامين نتنياهو في فترة حكم اليمين قد أنهى وصف مسألة الدولة الفلسطينية وأقامت إسرائيل في عهده علاقات مع دول عربية على أساس تجاوز مسألة الدولة.
وتابع سويلم أن إسرائيل لا تؤمن بحل الدولتين وهناك صراع بين من يلقي هذا الكلام لاعتبارات تكتيكية مؤقتة، وما بين من يقول إن مسألة الدولة انطوت إلى غير رجعة وأنه قد تم تجاوزها في الواقع ولا مجال للعودة إلى حل اسمه حل الدولتين.
وأوضح أن المشروع الإسرائيلي لا يتسع لحقوق الشعب الفلسطيني وإنما يريد تقليص الصراع وفرض الحل الاقتصادي بديلا عن الحلول السياسية وإعطاء حكم ذاتي للفلسطينيين على بعض المناطق المجزأة التي تفصل بينها المستوطنات والحواجز الإسرائيلية.
وبحسب سويلم فإنه لا يوجد في الأفق أي رئيس وزراء إسرائيلي قد يذهب باتجاه حل سياسي حقيقي مع الجانب الفلسطيني، مشيرا إلى أن حديث لابيد يأتي مع اقتراب موعد الانتخابات في إسرائيل ويريد كسب أصوات الجمهور العربي الذي قد يحسم النتائج لصالحه.
ومن المقرر أن تجرى الانتخابات في الأول من نوفمبر المقبل، وسط استطلاعات تشير إلى احتمالية استمرار الجمود السياسي، ومنذ عام 2019 خاضت إسرائيل أربع انتخابات برلمانية لم تسفر عن أي نتائج حاسمة، فيما تم تشكيل حكومتين ائتلافيتين لن تستمرا طويلا.
وتباينت ردود الأفعال في الأوساط السياسية الإسرائيلية بشأن حديث لابيد الذي يقود حزب (يوجد مستقل) الوسطي لحل الدولتين، خاصة أنه يتعارض مع تصريحات سابقة له في يناير الماضي قبل توليه رئاسة الوزراء، قال فيها إنه لن يتفاوض مع الفلسطينيين حتى بعد استلامه رئاسة الوزراء.
-- حل الدولتين بعيد المنال
ويقول المحلل السياسي من رام الله هيثم ضراغمة إن حل الدولتين لم يعد قائما على أرض الواقع في ظل ازدياد البناء الاستيطاني الذي ينهش الأرض الفلسطينية يوما بعد يوم، بالإضافة إلى عدم امتثال إسرائيل للقرارات الأممية والدولية.
وأضاف ضراغمة أن إسرائيل باتت تدرك وجود تعاطف من قبل دول العالم مع الشعب الفلسطيني، ولذلك جاء إعلان لابيد للتخفيف من حدة الامتعاض الدولي تجاه الإجراءات والممارسات الإسرائيلية التي من شأنها تقويض حل الدولتين.
ورأى أن إعلان لابيد يأتي في إطار "المراوغة لإظهار إسرائيل بأنها مع السلام لكن على أرض الواقع لا يوجد شيء يشير إلى إمكانية ذلك، والفلسطينيون يعلمون بأنه لا توجد إمكانية لتطبيق هذا الحل في ظل هذا الاستيطان وإدارة الظهر لكافة القرارات الدولية".
وأشار ضراغمة إلى أن القيادة السياسية في إسرائيل الهدف الثابت لديها مهما كانت الشخصية التي تتولى رئاسة الحكومة هو عدم إعطاء حقوق للفلسطينيين ورفض حل الدولتين، يتزامن مع ذلك الحفاظ على التوسع الاستيطاني ومصادرة الأرض والتضييق على الفلسطينيين.
-- طبيعة الدولة الفلسطينية التي يريدها لابيد
ويقول الدبلوماسي الفلسطيني مروان طوباسي إن الدولة التي يريدها لابيد بدون انسحاب إسرائيل من كامل أراضيها المحتلة، ودون القدس ومع بقاء المستوطنات والأراضي التي أعلن عن ضمها سابقا وبدون التواصل الجغرافي مع غزة وسيطرة على الحدود والمصادر الطبيعية والإبقاء على حماية أمنهم المزعوم فيها.
وأضاف أن سيناريوهات سابقة كان قد طرح ما هو متقدم عنها نسبيا والتي كان الشعب الفلسطيني وقيادته السياسية قد رفضتها مرارا وتكرارا، كونها لا تلبي الحد الأدنى من الحقوق الوطنية السياسية الثابتة للشعب الفلسطيني.
واعتبر طوباسي أن إسرائيل غير ناضجة لأي نوع من التسوية السياسي وهي على أعتاب انتخابات برلمانية جديدة قريبا، وبالتالي هي تسعى بالحكومة الحالية لإطالة زمن الصراع وإدارته وكسب الوقت والنقاط لصالحها أمام عدد من دول العالم.