عيّن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز نجله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في منصب رئيس الوزراء بدلا منه، في إطار تغيير حكومي أبقى على وزيري الخارجية والنفط في منصبيهما.
وقال محللون إن هذه الخطوة تضفي الطابع الرسمي على السلطة التي يمارسها بالفعل ولي العهد الشاب والذي كان الحاكم الفعلي للمملكة منذ عدة سنوات.
ونص أمر ملكي نشرته وكالة الانباء السعودية الحكومية على أن "يكون صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد رئيساً لمجلس الوزراء" بعدما كان نائبا لرئيس المجلس وهو الملك.
وأضاف "تكون جلسات مجلس الوزراء التي نحضرها برئاستنا"، ما يعني أنّ الملك الثمانيني سيترأّس الجلسات التي قد يشارك فيها رغم تعيين نجله الشاب (37 عاما) في منصبه.
وعادة ما يكون الملك في السعودية رئيسا للوزراء ويبقى في منصبه هذا حتى وفاته.
وتعيين ولي العهد رئيساً للوزراء خطوة غير تقليدية، لكنها حدثت في الماضي. ففي الخمسينيات، أصبح ولي العهد الأمير فيصل آل سعود رئيسًا للوزراء مما أدى في النهاية إلى صراع على السلطة أدى إلى تنازل الملك سعود آنذاك عن العرش.
ويرى المحلل السعودي علي الشهابي إن الوضع مختلف هذه المرة، فالقرار "يضفي الطابع الرسمي على الأمر الواقع" في المملكة، معتبرا انه "جاء متاخرا أيضا، حيث أنه (ولي العهد) شغل منصب الرئيس التنفيذي في إدارة الملك لسنوات عديدة".
من جهته، اعتبر الخبير في السياسة السعودية في جامعة برمنغهام عمر كريم إن ولي العهد "مر بالفعل بمرحلة الصراع على السلطة وانتصر فيها، لذا فإن ما يحدث الآن هو عملية لتنظيم مقاليد سلطته".
وأشار إلى أن هذه الخطوة يمكن أن تحل أيضا المسائل الشائكة المتعلقة بالبروتوكول، بالنظر إلى أن الأمير محمد يلتقي منذ سنوات برؤساء الدول على الرغم من أن رتبته الإدارية كانت وزيرا للدفاع.
جاء القرار ضمن سلسلة تغييرات في حكومة المملكة النفطية الثرية أبقت على وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز، نجل الملك، في منصبه، وكذلك وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان ووزير الداخلية الامير عبدالعزيز بن سعود بن نايف.
وبموجب هذه التغييرات، أصبح الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز، نجل الملك، وزيراً للدفاع بعدما كان نائبا للوزير. وكان ولي العهد وزيرا للدفاع منذ بداية العام 2014.
وبحسب الباحث في معهد بيكر بجامعة رايس كريستيان أولريتشسن، فإن ترقية الأمير خالد "تضفي الطابع الرسمي على الدور الرئيسي الذي كان يلعبه على أي حال في الوزارة منذ عام 2019".
- تغييرات كبيرة -
سعت المملكة منذ سنوات إلى تفنيد التكهنات بشأن صحة الملك سلمان البالغ من العمر 86 عامًا، والذي يحكم أكبر دولة مصدّرة للنفط في العالم منذ 2015. وفي عام 2017، نفت تقارير وتكهنات بأن الملك يخطط للتنازل عن العرش لصالح نجله.
وتم إدخال الملك سلمان إلى المستشفى مرتين حتى الآن هذا العام، كان آخرها لمدة أسبوع في أيار/مايو، وفقًا لوسائل الإعلام الحكومية.
كان من المتوقع أن يُبقي العاهل السعودي بلاده على مسارها المحافظ الثابت عندما وصل إلى السلطة، لكنه عوضا عن ذلك أحدث تغييرا كبيرا في المملكة وفتح باب السلطة أمام جيل شاب من اسرة آل سعود.
أما ولي العهد، فيقود مملكته المحافظة بإصلاحات جذرية طموحة وتغييرات اجتماعية متسارعة بدأت مع صعوده سلّم القيادة قبل خمس سنوات. لكن في موازاة ذلك، عمل على تحصين موقعه كحاكم فعلي ومستقبلي عبر إسكات كل معارضة.
وشملت التغييرات منح المرأة الحق في قيادة السيارة، وفتح دور السينما، والترحيب بالسياح الأجانب، والحد من سلطة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستضافة نجوم موسيقى البوب ومبارزات الوزن الثقيل وغيرها من الأحداث الرياضية.
في موازاة ذلك، قام بسجن منتقديه وفي حملة تطهير واسعة النطاق شملت النخبة السياسية والاقتصادية في البلاد، فاعتقل حوالي 200 من الأمراء ورجال الأعمال في فندق ريتز كارلتون بالرياض في حملة مكافحة الفساد عام 2017 والتي ساهمت في تشديد قبضته على السلطة.
بعد انطلاقة سريعة نحو القمة في واحدة من أثرى دول العالم، ألقى مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي بوحشية في قنصلية بلاده في اسطنبول في العام 2018، ظلالا على مسيرة محمد بن سلمان الذي كان قد مضى عام على تسلمه منصب ولي العهد.
غير أنّ زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن في تموز/يوليو بعدما كان قد تعهّد خلال حملته الانتخابية بالتعامل مع المملكة "كدولة منبوذة" على خلفية سجلها الحقوقي ومقتل خاشقجي، تعيد على ما يبدو فتح الأبواب الخارجية أمام الحاكم الشاب.
كما أن الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة الناجم عن الغزو الروسي لاوكرانيا حفز عددًا من القادة الغربيين على السفر إلى المملكة لمناشدتها لزيادة الانتاج.
ومن أبرز مشاريعه الضخمة في خضم سعيه لتنويع اقتصاد المملكة القائم على النفط، بناء مدينة "نيوم" المستقبلية الضخمة وكلفتها 500 مليار، وخطة تنويع الاقتصاد "رؤية 2023".
كما أنه يسعى أيضا الى تثبيت موقع بلاده كقوة إقليمية نافذة. وقد كان القوة المحركة خلف التدخل السعودي العسكري في اليمن، أفقر دول شبه الجزيرة العربية، لدعم القوات الحكومية في مواجهة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.