- بشرى حفيظ
يعتبر موسم قطف الزيتون في فلسطين عيدًا تشارك فيه جميع العائلات الفلسطينية، فرحة قطف حبات الزيتون وسط أجواء خاصة يحتفلون فيها برمزية هذه الشجرة، التي تمتلك مكانة خاصة في قلوب الفلسطينيين فهي جزء من تراثهم، إذ لا يكاد يخلو حقل أو حديقة منها.
ويبدأ موسم قطف الزيتون في الأراضي الفلسطينية عادة في بداية شهر أكتوبر ويستمر لمدة 40 يوما، حيث يجني المزارعون محصولهم الذي يترقبونه على مدار عام كامل أملا في أن يكون موسم سنوي مميز لهم اقتصاديا.
طقوس خاصة للقطف
ويتجمع المزارعون وأصحاب الأراضي الزراعية حول أشجار الزيتون، وهم يحملون الأكياس الفارغة والسلالم الطويلة التي تصل إلى أعالي الأشجار لقطف حبات الزيتون يدويا وتعبئتها، وللزيتون ارتباط رئيسي بعادات وتقاليد أهل فلسطين.
ويتسلق فتية وشبان صغار أشجار الزيتون التي عادة ما تكون قد تجاوزت أعمارها عن 100 عام من أجل قطفها، فيما يقوم آخرون بقطف الأجزاء السفلية منها، بينما تعمل النساء على ما جمع ما تساقط أرضا من حبات الزيتون.
ويعد محصول الزيتون مصدرا غذائيا واقتصاديا رئيسا ويتم زراعة ثلاثة أصناف رئيسة منه هي (السري) و (الشملالي) و (بارنيع).
وبعد جني الثمار يتوجه المزارعون بأغلب كميات الزيتون إلى المعاصر لإنتاج الزيت الذي يتوقع أن يصل إنتاج قطاع غزة منه إلى ما يزيد عن ألفين و500 طن لهذا العام.
وتختلف عادات الأسرة الفلسطينية أثناء موسم قطف الزيتون في كثير من الأمور، وخاصة فيما يتعلق بتحضير الطعام؛ حيث تعتمد العائلة على الوجبات الخفيفة، والمعلبات؛ لانشغال النساء في القطف، وعدم قدرتهن على إعداد الطعام كباقي أيام السنة.
في موسم قطف الزيتون، تقوم بعض العائلات المالكة لمساحات كبيرة من الزيتون، والعائلات التي لا تملك اليد العاملة الكافية لقطف ثمار الزيتون، بتضمين بساتينهم لمتعهدين أو مزارعين آخرين، للقيام بعملية القطف مقابل نسبة من الإنتاج، وذلك حسب كمية الحمل، وبعد البستان عن الطرق الزراعية والقرية، وعمر الأشجار، ومعدل الأجور، وأسعار الزيت في الأسواق.
موسم مثمر بالضفة..
ومع اعلان الوزارة مواعيد بداية القطف والتي ستكون اعتبارا من الثالث عشر من شهر من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل ، في حين يبدأ قطف الزيتون للكبيس اعتبارا من الخامس عشر من شهر أيلول الجاري، فيما يتم تأخير موعد قطف الزيتون للصنف النبالي المحسن والأصناف المروية إلى العاشر من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، للحصول على أفضل كمية وأجود نوعية من الزيت. في جميع محافظات فلسطين، تشير أول القراءات إلى موسم زيتون مزدهر حيث قال مدير عام مجلس الزيتون الفلسطيني فياض فياض، أن موسم الزيتون لهذا العام، سيكون موسمًا "ماسيًا"، لكثرة إنتاج زيت الزيتون، متوقعًا أن تنتج الضفة الغربية 25 ألف طن زيت، و9 آلاف طن للتخليل.
ويضيف "فياض" أن هذه الكمية ستغطي احتياجات السوق الفلسطيني في الضفة، الذي يحتاج كل عام 22 ألف طن، مشيرًا إلى أن مساحات أراضي الزيتون المزروعة في الضفة تقدر بمليون دونم.
وفي قطاع غزة يقول المتحدث باسم وزارة الزراعة أدهم البسيوني، إن المساحات المزروعة بالزيتون هذا العام تُقدر بنحو 43 ألف دونم، بينها 34 ألف دونم مساحات مثمرة، لافتًا إلى أن متوسط الإنتاج لهذا العام يُقدر طن للدونم الواحد، على أن تكون ثلث هذه الكمية للكبيس (المخلل).
ويضيف "البسيوني" "أن موسم الزيتون لهذا العام سيكون وفيرا والأفضل خلال السنوات الأخيرة بسبب غزارة الإنتاج واتساع المساحات المزروعة، مبينًا أن طواقم الوزارة الفنية تبذل جهودًا مكثفة لمتابعة المعاصر وفحص مدى جهوزيتها لاستيعاب الكميات الوفيرة من الزيتون على مدار الموسم".
ويشير إلى أن الطواقم تقدم الإرشادات لمزارعي الزيتون للحفاظ على جودة الإنتاج وصولا للإعلان عن موعد بدء قطف الزيتون وتشغيل المعاصر، مؤكدا على ضرورة التزام المزارعين بتعليمات الوزارة بعدم القطف المبكر لمحصول الزيتون.
مخاوف من التهريب ومضايقات المستوطنين
رغم الأجواء الاحتفالية التي تغلب على عمل المزارعين اثناء قطف الزيتون إلا انهم، يخشون من تعمد جهات عديدة ضرب الموسم الحالي، وسعر الزيت، بفعل الاستيراد أو الغش أو التهريب، التي تتسبب بضرب سمعة الزيت الفلسطيني، وانخفاض سعره، وفق مختصين.
ويقول مدير زراعة نابلس المهندس الزراعي إبراهيم الحمد، إنه لا بد من سعر مناسب للزيت سواء للمزارع أو المستهلك، وهو ما يعزز صمود المزارعين.
ويوضح "الحمد" أن "سعر الزيت يتأثر بعوامل كثيرة، كتهريب بعض التجار للزيت من المستوطنات؛ ما يتسبب بخفض سعره، وهو ما يؤثر سلبًا على المزارع، لذلك لا بد من وقف الممارسات السلبية التي تخالف القانون".
وحول ذلك، يذكر أن طواقم وزارة الزراعة وبالتعاون مع الوزارات الأخرى، تقوم بالتفتيش والبحث عن أي بضائع مهربة، أو البضائع التي لم تستوف الإجراءات القانونية المعمول بها لدى السلطة، ومن ثم يتم التعامل معها حسب القانون.
ويشير مدير زراعة نابلس إلى معاناة المزارعين الفلسطينيين جراء مضايقات وَملاحقات الاحتلال والمستوطنين خلال موسم جني الزيتون، إضافة لمصادرة الأراضي وتجريف وتخريب أشجار الزيتون وحرقها.
وتؤكد تقديرات لوزارة الزراعة الفلسطينية، أن موسم الزيتون يشكل حوالي 13% من قيمة الإنتاج الزراعي السنوي.
ويمثّل موسم قطف الزيتون في فلسطين المحتلة تحدياً آخرَ للفلسطينيين لمواجهة "إسرائيل" ومحاولتها محوَ الهوية الفلسطينية. شجرة الزيتون ليست شجرة مجرّدة فقط، بل ترمز إلى الأرض المحتلة، والتاريخ، والوجود، حيث يتزامن موسم قطف الزيتون مع حملات يشنها المستوطنون من اجل التعدي على اشجار الزيتون التي تتعدى اعمارها مئات السنين.
يشار إلى أن قوات الاحتلال جرفت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية المثمرة بالزيتون مع بداية انتفاضة الأقصى عام 2000 إلا أن الفلسطينيين بمساعدة وزارة الزراعة أعادت زراعة هذه الأراضي وغيرها من الأراضي وشجعت المواطنين زراعة هذه الشجرة في منازلهم وفي الشوارع، وأطلقت مشروع تخضير فلسطين وذلك تنفيذا للخطة الاستراتيجية للوزارة لاستصلاح الأراضي الزراعية والحد من تكاليف مستلزمات الإنتاج الزراعي، وتعزيز صمود المزارع الفلسطيني في أرضه لتزرع اغلب هذه الأراضي بالزيتون.
زيت الزيتون الفلسطيني الأجود في العالم
يعتبر زيت الزيتون الفلسطيني أحد افخر أنواع الزيوت في العالم وهو ما أكدته صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها بعنوان ”هذا هو أفضل زيت زيتون في العالم“، حيث قالت أن زيت زيتون قرية الرامة الواقعة في الجليل الأعلى شمال مدينة عكا الساحلية اشتهر ”بكونه الأفضل في البلاد، وحتى في المنطقة بكاملها، وهو عنصر أساس في هوية القرية“.
وأشارت الصحيفة إلى أن زيت قرية الرامة هو مثل ”ذهب سائل لامع ورائحته تذكرنا بالأعشاب البرية وأوراق الهندباء التي تنمو حول أشجار الزيتون.. يصفه الناس بأنه ناضج وسلس مثل السمنة تقريبا“.
وذكرت أنه ”في حين أن جنوب إسبانيا وجنوب شرق إيطاليا هما الآن أكبر مناطق الإنتاج التجاري لزيت الزيتون في العالم، تشير الدلائل إلى أن الأرض المحيطة ببحيرة طبريا في فلسطين كانت ذات يوم أهم منطقة زيتون في العالم“.
وتشير الدلائل إلى أنه قبل الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، كانت بساتين زيتون ”الرامة“ تنتج ما يصل إلى 250 ألف لتر من الزيت سنويا، وكان يتم بيع الزيت في جميع أنحاء البلاد، وكذلك في لبنان وسوريا، لكن الإنتاج انخفض في العقود السبعة بعد الحرب.
واشتهر زيت زيتون قرية الرامة بأنه الأفضل في البلاد وحتى المنطقة بأكملها، كما أنه جوهر هوية القرية، عند خروجه طازجًا من المعصرة يبدو كسائل ذهبي لامع، تذكرك نكهته بالأعشاب البرية وأوراق الهندباء التي تنمو حول أشجار الزيتون، يصف الناس هذا الزيت بأنه ناضج وناعم كالسمن.
واليوم يحيط نحو 2000 فدان من أشجار الزيتون التي يعود عمرها لقرون عديدة بقرية الرامة من جميع الاتجاهات، فتبدو كبحر أخضر بينما يبدو حفيف الأوراق كالموج، في مقالات الصحف والكتب وحتى الأشعار، يُوصف الزيتون بأنه "أفضل ما تقع عليه عيناك"، والقرية نفسها "ملكة زيت الزيتون الفلسطيني".
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت