ضعف الشفافية والإفصاح في إدارة المال العام في قطاع غزة يقلل من ثقة المواطن بالمسؤول وإشراكه في أولويات الانفاق
عقد الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة في قطاع غزة، مؤتمره المتخصص في المساءلة حول إدارة المال العام في قطاع غزة، والذي يأتي في ظل تحديات كبيرة بسبب استمرار ضعف الالتزام بمبادئ الشفافية في ادارة المال العام من قبل الاطراف الرسمية القائمة على إدارة الشأن العام في قطاع غزة، الأمر الذي له انعكاساته الواضحة على أولويات المواطنين وأوجه الانفاق العام وعلى الالتزام بالقانون، وعلى ثقة المواطن في أداء السلطات القائمة على ادارة المال والشأن العام.
استعرض المؤتمر في جلستيه ورقتين، ركزت الأولى على أهمية اطلاع المواطنين على تقارير إدارة المال العام وإشراك المجتمع المدني في التخطيط لإعداد الموازنات والخطط المالية بحيث تُبنى وفقاً لاحتياجات المجتمع، في حين شددت الثانية على تشخيص بيئة النزاهة والشفافية والمساءلة في إدارة المال العام في هيئات الحكم المحلي في غزة، للخروج بالتوصيات اللازمة لتحديد أوجه الإنفاق وفقاً لأولويات المواطن وإدارتها بنزاهة وشفافية.
الفريق الأهلي لا يشكل بديلا عن المجلس التشريعي وانما مكملا ومعززاً للنهج التشاركي
استُهِلّ المؤتمر بكلمة من نائب رئيس مجلس إدارة إئتلاف أمان، الدكتور كمال الشرافي، الذي عرّج بدوره على التحديات التي تطال أعضاء الفريق الأهلي ومؤسسات المجتمع المدني العاملة في قطاع غزة، وسط تراجع الشفافية ونظم وآليات المساءلة في إدارة المال العام في غزة، مصطدمين بسياسة عدم النشر وحجب المعلومات، إضافة إلى ضعف إشراك مؤسسات المجتمع المدني في بلورة الاولويات عند اعداد الخطط المالية والموازنة العامة.
وشدّد الشرافي على أهمية تعزيز مبدأي المشاركة والمساءلة المجتمعية، وحق المواطن في الاطلاع والمشاركة في بلورة السياسات الحكومية، داعيا المجلس التشريعي، كتلة التغيير والإصلاح، ولجنة متابعة العمل الحكومي، والمؤسسات العامة إلى تكثيف الجهود لاتباع النهج التشاركي، والانفتاح أكثر على مؤسسات المجتمع المدني والفريق الأهلي، وإشراك وسائل الإعلام فيما يتعلق بإدارة المال العام، لتحقيق أولويات المواطن، منوّها آسفاً لعدم مشاركة صناع القرار في وزارة المالية في المؤتمر، ما يثير التساؤل حول جدية المؤسسات العامة وايمانها بمبدأ وحق المشاركة المجتمعية.
وأكد الشرافي أن الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة، ليس بديلا عن دور المجلس التشريعي المتعطل في الرقابة والمساءلة، الا أن دوره مهم في المساهمة في إرساء أسس الديمقراطية لتعزيز النهج التشاركي والعمل بالشكل التكاملي.
ضرورة الحد من النهج الانغلاقي والتفرد في اتخاذ القرارات العامة
في الجلسة الأولى للمؤتمر، استعرضت مروة أبو عودة، منسقة المناصرة والمساءلة في ائتلاف أمان، ورقة بعنوان "موقف الفريق الأهلي من تراجع ممارسات الشفافية والتشاركية في إدارة الموازنة العامة في قطاع غزة، والتي عرجت فيها بشكل جوهري على واقع إدارة المال العام والموازنة في قطاع غزة، معبرة عن استهجان الفريق الأهلي للنهج الانغلاقي والتفرد في اتخاذ القرارات العامة، الذي يمثل تناقضا واضحا عما تظهره لجنة متابعة العمل الحكومي بشكل مستمر في خطابها عبر وسائل الاعلام، وتناقضاً صريحاً لالتزامات وزارة المالية وتعهداتها للفريق الأهلي بإشراكه في اعداد ونقاش الموازنة، وتعهدات رئيس لجنة العمل الحكومي في خطاباته المتكررة باتباع التشاركية والانفتاح على المجتمع المدني.
وزارة المالية لم تنشر أي من الوثائق الثمانية لتحقيق مبادئ الشفافية في الموازنة
أكدت الورقة في متنها الى ضرورة تفعيل جهات الاختصاص للقيام بدورها لإجراء مساءلة فاعلة للجهات التنفيذية حول إدارة المال وتنفيذ الموازنة واعتماد القيام بذلك في جلسات علنية، كما شددت على ضرورة نشر قانون الموازنة لعام 2022 كاملا، بما يشمل تفاصيل مخصصات مراكز المسؤولية، والمؤشرات الاقتصادية والأسس التي بنيت عليها التقديرات المالية سواء للإيرادات والنفقات، اضافة الى المعايير الدولية لشفافية الموازنات العامة، والتي تتضمن نشر وثائق الموازنة العامة في مواعيدها، ومن ضمنها إصدار ونشر موازنة المواطن، ونشر التقارير الدورية والربعية والحساب الختامي، علما أنه لم يتم نشر أي من الثمانية وثائق الأساسية.
ضرورة إشراك المجتمع المدني في رسم السياسات العامة وتحديد الأولويات للموازنة
وطالبت الورقة لجنة العمل الحكومي ووزارة المالية بالانفتاح على المجتمع المدني بشكل عام وعلى الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة بشكل خاص، وبالاستجابة لمطالباته وبإشراكه في رسم السياسات العامة وتحديد الأولويات العامة للموازنة؛ بما يشمل أولويات الإنفاق وسياسات الجباية المالية ومصادر التمويل، ولحضور المسؤولين عن إدارة المال العام جلسات المساءلة التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني ذات الاختصاص أو المهتمة بالمال والشأن العام، داعية لجنة متابعة العمل الحكومي ووزارة المالية الالتزام بنشر التقارير الدورية المنصوص عليها في القانون الفلسطيني بمواعيدها، ونشر تفاصيل أوجه الانفاق العام والأهداف والبرامج التي يتم إقرار الانفاق وتوزيع أوجهه لتحقيقها مع توضيح خطط وبرامج تحسين الانفاق بما يكفل حقوق المواطنين والموظفين.
كما شددت الورقة على التزام لجنة متابعة العمل الحكومي ووزارة المالية بإعطاء أولوية لزيادة وتنفيذ النفقات التطويرية للقطاعات المتعلقة في تحسن حياة المواطنين مثل الصحة والتعليم والنفقات الجارية في القطاع الاجتماعي (الصحة، التعليم، التنمية الاجتماعية)، والانفاق على قطاع الحماية الاجتماعية بما يتضمنه من حماية للفقراء والمتضررين من الجائحة ومن العدوان المتكرر على القطاع من جهة ثانية.
تعقيبات متعددة
وعقب د. محمد مقداد، رئيس نقابة الاقتصاديين، على أهمية شفافية الموازنة ونشرها بما يتفق مع شروط النشر الدولية، مؤكدا على أهمية تحقيق المصالحة الوطنية، لكونها مطلب وطني شعبي فلسطيني يجب العمل على تحقيقه من قبل كافة الجهات، داعيا الى إعداد موازنة فلسطينية موحدة تراعي جسر الفجوة في المجال الاقتصادي بين المحافظات الشمالية والجنوبية في الوطن للتحفيف من حدة الفقر والبطالة والعمل على إعادة إعمار غزة، وضرورة الالتزام بمبادئ الشفافية والنزاهة ومشاركة ذوي العلاقة من جمعيات، نقابات، ومؤسسات المجتمع كافة، وبالأخص الفريق الأهلي في إعداد ونشر الخطط المالية وفق جدول زمني واضح لأن ذلك يخدم المصلحة الوطنية ويشعر الجميع بأنهم شركاء في تحمل المسؤولية. كما أوصى مقداد بإتاحة المجال لتفعيل المساءلة المجتمعية على إدارة المال العام من خلال إشراك الفريق الاهلي في الاطلاع على الخطط والسياسيات المالية والمشاركة في إعدادها، وأن يقوم ائتلاف أمان بتعزيز التوعية في مجال الشفافية، ونشر قواعدها، وعقد دورات تدريبية للفرق التي تقوم بإعداد الموازنة.
فيما عقّب السيد منذر السقا، مدير عام التدقيق الداخلي في وزارة المالية، مشيرا الى أن وزارة المالية في قطاع غزة تنشر المراقبين الماليين في كافة الوزارات والمؤسسات الحكومية، للتأكد من أن عملية الانفاق من المال العام وتحصيل الايرادات تتم حسب قانون تنظيم الموازنة والشؤون المالية رقم 7 لسنة 1998 والنظام المالي الفلسطيني رقم 43 لسنة 2005، المعتمدين من السلطة الفلسطينية والمطبقان في المحافظات الجنوبية.
تعهد وزارة المالية باطلاع الفريق الأهلي على بلاغ الموازنة
وتعهد السقا بإطلاع الفريق الأهلي على بلاغ الموازنة، وذلك بعد إرسال الفريق الأهلي رسالة الى وزارة المالية، طالب فيها بإطلاعه على بلاغ الموازنة ونشره للجمهور الفلسطيني، باعتباره أول وثيقة من وثائق الموازنة العامة، حيث نوه الفريق الى أنه لم يتم الالتزام بنشر بلاغ الموازنة على موقع وزارة المالية وصفحات الدوائر الحكومية، كما طالب الفريق الأهلي أيضا في رسالته بضرورة توضيح آلية تنفيذ مراحل إعداد الموازنة العامة وإقرارها واعتمادها وتنفيذها والرقابة عليها، في ظل عدم نشر أي من وثائقها ودون الالتزام بأحكام القانون، وذلك في ظل انعقاد لقاءات مع لجان التخطيط والموازنة في الدوائر الحكومية لمناقشة مشاريع موازناتها بهدف تحديد أسقف الموازنة لمراكز المسؤولية، والتي يفترض أن يتم العمل على إعدادها وفق السياسات والخطط والأسقف المحددة مسبقا في بلاغ الموازنة.
ضرورة تبني سياسة مالية تعتمد إعداد ونشر الموازنة المقروءة لزيادة إشراك المواطنين
واستعرض الباحث عبد المنعم الطهراوي ورقة بعنوان " مدى التزام البلديات بمؤشرات الموازنة المقروءة في قطاع غزة" في الجلسة الثانية، حيث استعرض تحليلا حول مدى التزام بلديات قطاع غزة الـ 25 بالعمل الفعلي بإعداد ونشر الموازنة المقروءة، وفقا لمؤشرات الموازنة المقروءة، بهدف تحديد الثغرات والفجوات وتقديم توصيات عملية تقوم على تبني سياسة مالية تعتمد إعداد ونشر الموازنة المقروءة؛ كآلية مباشرة لإشراك المواطنين في تحديد أولويات الانفاق وآليات الرقابة على مدى الالتزام من قبل المجلس بالموازنة المقروءة.
نشر البيانات يساهم في زيادة المشاركة المجتمعية في إعداد الموازنة واستقبال مقترحات حول أولويات الانفاق من المواطنين
وقد أوصت الورقة بضرورة مأسسة العمل في إعداد ونشر الموازنات المقروءة من خلال اعتماد قرار بهذا الخصوص، يلزم البلديات بإعداد ونشر الموازنات المقروءة، وتحديد جدول زمني للإعداد والنشر، إضافة الى تحديد جدول زمني لا يزيد عن شهر على الأكثر من بداية العام للمصادقة على الموازنة العامة، وبالتالي إفساح المجال للبلديات بإعداد ونشر الموازنة المقروءة في الربع الأول من العام، مع إمكانية البدء في المشاركة المجتمعية في إعداد الموازنة المقروءة وفقا لمشروع الموازنة لحين مصادقة وزارة الحكم المحلي في قطاع غزة عليها.
كما طالبت بتطوير قدرات الإدارات المالية المختصة بإعداد الموازنة المقروءة في مجال الاعداد والتصميم والنشر للموازنة، وفق المتطلبات الجديدة لإعداد الموازنات وفق الاستحقاق، والتي تم اعتماده من قبل الوزارة وصندوق تطوير البلديات، والتنويع في أدوات نشر الموازنة ضمن الإمكانات المتاحة، من أجل ضمان زيادة الوصول لفئات أوسع من الجمهور، كذلك إدماج رابط خاص بالشكاوى والمقترحات الخاصة بالموازنة المقروءة ضمن نظام الشكاوى أو مقترحات قلم الجمهور في البلديات.
كما رفدت الورقة مجموعة من التوصيات، على رأسها تعزيز المشاركة المجتمعية في كافة مراحل إعداد الموازنة وذلك من خلال بناء منظومة المشاركة والمساءلة المالية المتكاملة بدءً من الموازنات التشاركية ومرورا بالموازنة المقروءة وانتهاء بتتبع النفقات، كذلك تطوير قدرات اللجان المجتمعية ولجان المساءلة حول مهارات إعداد الموازنة المقروءة وأساسيات المشاركة، وزيادة مشاركة أصحاب المصلحة المختلفين، وعدم الاقتصار على لجان الأحياء ولجان المساءلة، وضمان توسيع المشاركة المجتمعية لاسيما النساء والأشخاص ذوي الإعاقة والمناطق الهشة في التحضير والاعداد للموازنة المقروءة. ناهيك عن زيادة التنسيق مع المؤسسات الأهلية الفاعلة في مجال المشاركة والمساءلة المجتمعية من أجل العمل المشترك في مجال التوعية المجتمعية، وتطوير أدوات متابعة وتقييم تشاركية للموازنة المقروءة، والاستفادة من تجارب البلديات في تشكيل لجان المساءلة المجتمعية، وتفعيل الدور الرقابي لوزارة الحكم المحلي على الالتزام بالإعداد والنشر للموازنة المقروءة وربطها بإجراءات الرقابة على الموازنة العامة للبلدية.
وزارة الحكم المحلي تعمم الممارسات الفضلى على البلديات أسوة بأدلة أمان
فيما عقبت منى شكيك، مدير عام التخطيط والتطوير المؤسسي بوزارة الحكم المحلي، مشيدة بالنهج التشاركي الذي بدء العمل به استنادا الى أدلة واجراءات أمان، مؤكدة تعميمه على البلديات أسوة بالممارسات الفضلى. وأشارت سكيك في مجمل حديثها لإعداد وزارة الحكم المحلي مجموعة من الأنظمة الخاصة بلجان الأحياء والمجالس الشبابية، كذلك القيام بإعداد دليل لتقييم الهيئات المحليةـ، يتم الرقابة فيها على البلديات، واعتماد توصيات نظام النزاهة في الهيئات المحلية، إضافة الى إنشاء وحدات الشكاوى، وبناء قدرات الطواقم المختلفة لخدمة المواطن.
الإفصاح يساهم في زيادة ثقة المواطن بالبلدية وتعزيز دوره في المواطنة الصالحة
فيما عقب الدكتور يحيى السراج، رئيس بلدية غزة، على ضرورة الافصاح من مختلف المؤسسات الحكومية لدوره في تعزيز الأمن الوطني والمواطنة الصالحة وتعزيز العلاقة التشاركية والثقة بين المواطن والبلدية وتعزيز الصورة الذهنية عن البلدية والحد من التعامل معها كمؤسسة جباية، وانما مشاركة المواطن من خلال فهمه التحديات التي تمر بها البلديات وتحمل الأعباء معها والمساهمة في وضع حلول، ومعرفة البيانات المالية من ايرادات وغيرها، وفتح المجال للتأثير على أداء المجلس المحلي وتحسين أدائه والمساهمة في أولويات الانفاق. واستشهد سراج بأن البلدية نجحت في رفع نسبة الملتزمين شهريا من خدمات البلدية من 9% في عام 2019 الى 25% في عام 2022، منوها أن البلدية تطمح لزيادة هذه النسبة.
وأشار سراج الى قرار بلدية غزة بإقرار سياسة ونشر البيانات المختلفة في البلدية، الأمر الذي كان له أثر كبير في استفادة عدة شركات لتطوير الخدمات، كذلك وضح ضرورة بناء القدرات والاستثمار بالعاملين وموظفي البلدية وتطويرهم بشكل دائم لتقديم الأفضل للمواطن.