سليمان سعد أبو ستة
كاتب ومحلل سياسي
في جنين وبشكل سريع جاء رد وزير الحرب الصهيوني بيني غانتس على التهنئة التي تقدم بها إليه رئيس السلطة محمود عباس، بمناسبة عيد رأس السنة العبرية، والتي كانت متزامنة مع عدوان صهيوني واسع على المسجد الأقصى المبارك، متناقضة تلك التهنئة مع السلوك الميداني لجماهير شعبنا التي احتشدت في العديد من مواطن الاشتباك مع الاحتلال، انحيازا للمسجد الأقصى المبارك في معركته المقدسة.
جاء رد غانتس وكيانه عمليا على تلك التهنئة في مخيم جنين، حيث ارتقى أربعة شهداء، وأُصيب العشرات في عدوان الاحتلال الذي استهدف بيت والد المجاهد رعد حازم، وقَتل أخوه عبد الرحمن، في استهداف مركز لمخيم جنين، وأكثر تركيزا على تلك العائلة التي كانت مثالا للأسرة المجاهدة، ونموذجا يحتذى لكل شريف في الضفة.
وهو النموذج الذي يخشى الاحتلال انتشاره قدوة بين شباب الضفة وعائلاتها، ساعيا لردعهم من خلال ارتكاب أكبر قدر من الإجرام والقتل.
تأتي الجريمة الصهيونية في الذكرى الثانية والعشرين لانتفاضة الأقصى لتؤكد للكل أن مسار المقاومة وحده الذي يمكن أن يقود إلى حرية الفلسطينيين، وأن الضفة خزان ثوري يجتهد الاحتلال لقضم التجربة المقاومة الناشئة في ربوعها، عبر سياسة الاغتيالات المستمرة يوما بعد يوم.
ذلك أن الضفة بإمكاناتها البشرية المهيأة للثورة، وتضاريسها الجبلية، وموقعها الذي يضرب الكيان في مقتل، حيث تقف بجبالها الشامخة قريبة جدا من مركز ثقله البشري في غوش دان، ما يجعل الوصول إلى أولئك المستوطنين قريبا جدا بأبسط الأسلحة، كما أنها تطل على مئات المستوطنات والبؤر الاستيطانية، وتشرف على عشرات الطرق الحيوية، ما يجعل قدرتها على إيذاء هذا المحتل كبيرة ومؤلمة.
لكن الضفة لا تعاني من الاحتلال فحسب، ولو كان الأمر كذلك لكان يسيرا، لكنها تعاني من مرض التنسيق الأمني العضال، فقبل أيام قليلة انفجرت نابلس غاضبة لاعتقال أجهزة السلطة المطارد مصعب اشتية، الذي تتم محاكمته حاليا في محاكم السلطة بتهمة حيازة سلاح مقاوم، في اللحظة ذاتها التي تقف فيها السلطة عاجزة عن حماية بيت فلسطيني عظيم..
ولا غريب إذاً أن يرى العدو في تلك السلطة إنجازا كبيرا، حيث قال مسؤول شعبة الاستخبارات السابق "عاموس يدلين"، إن سيناريو انهيار السلطة الفلسطينية يشكل تهديدًا استراتيجيًا متعدد الأبعاد لكيانه، معتبرا أن انتفاضة الضفة ستضعف من استعدادات جيشه للتأقلم مع تحديات أمنية أشد خطورة، قاصدا بذلك استعداد الاحتلال لمواجهة إيران وحزب الله وحماس.
كل الشواهد تدلل على أن الضفة قد سلكت طريقها المقدس، وما حديث الاحتلال عن خمسين إنذار عن عمليات بطولية متوقعة خلال يوم واحد، انطلاقا من الضفة إلا مؤشر على خطورة ما سيشهده الاحتلال قريبا على يد الضفة وأبطالها، ولن يكون طلب الشرطة الصهيونية من جمهورها حمل السلاح استعدادا لمواجهة العمليات المتوقعة -كما جرى في العيد الصهيوني الفائت- كافيا لحماية المحتلين القتلة، ولا قادرا على ذلك.
عندئذ سيكون المشهد الذي رأيناه في تل أبيب أثناء عملية رعد حازم، حيث كان جيش من القوات الخاصة يطارد مسلحا واحدا، في مشهد يظهر هشاشة الجبهة الداخلية للعدو، مجرد مشهد صغير في لوحة غير مسبوقة، إنها الضفة الثانية للمقاومة، بينما تقف غزة ضفة أولى، حيث ينتظر الفلسطينيون لحظة التقاء الضفتين في فرصة تاريخية طال انتظارها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت