تتزايد خلال السنوات الأخيرة مشروعات الطاقة المتجددة في قطاع غزة المحاصر، في ظل تنامي أزمة الطاقة طويلة الأمد، وتعرّض الخدمات الأساسية لتحدّيات كبيرة هناك، إذ يؤرّق نقص سعة توليد الكهرباء وانقطاعات المتكررة للتيار لمدد طويلة يوميًا سكان غزة.
ويمتد انقطاع التيار الاعتيادي في قطاع غزة، الذي يعاني من الفقر وارتفاع معدل البطالة، لعدّة ساعات يوميًا، ما يعوق عمل المصانع والشركات في منطقة يتعرض فيها النشاط الاقتصادي لضغوط كبيرة نتيجة الاحتلال والانقسام.
الاعتماد على ألواح الطاقة الشمسية
قبل نحو عشر سنوات، كان نطاق الاعتماد على الألواح الشمسية في التزود بالطاقة ضئيلًا، أما اليوم، فإن ربع قدرة توليد الكهرباء داخل قطاع غزة يأتي من الألواح الشمسية؛ أي أن حصة الطاقة المتجددة من إجمالي الطاقة الكهربائية المستهلكة بقطاع غزة، تفوقت على ما هو قائم في "إسرائيل" ذاتها، رغم قدرات الأخيرة التكنولوجية والعلمية الهائلة التي لا تُقارن بالقطاع ذي المساحة الهامشية من إجمالي مساحة فلسطين التاريخية.
وتُستخدم الطاقة التي توفرها الألواح لشحن البطاريات التي تزود الكهرباء، في حين أن عملية بناء الألواح تسارعت بسبب الحروب الإسرائيلية المتعاقبة ضد القطاع، والتي نجم عنها حدوث أعطال كبيرة وخطيرة بشبكة الكهرباء، وبالتالي ازدادت أهمية الألواح الشمسية مصدرًا بديلًا للطاقة.
يعتمد ياسر الحاج، صاحب مزرعة أسماك ومطعم للمأكولات البحرية على شاطئ بحر مدينة غزة، على الطاقة الشمسية لتشغيل تجارته، ما ساعده على تقليص تكلفة الكهرباء.
ويقول وهو يشير إلى عشرات الألواح الشمسية ، "الكهرباء هي العمود الفقري للمشروع، نعتمد عليها في توفير الأكسجين للأسماك بالإضافة إلى سحب المياه وضخها من البحر".
ويشرح الحاج بينما يقوم عمال بأعمال تأهيل في المطعم والمزرعة، كيف بدأ بالاعتماد على الطاقة الشمسية لتوفير الكهرباء لمزرعته ومطعمه منذ سنوات بسبب الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي في القطاع المحاصر منذ 15 عاما.
ويوضح، بينما يتصبب عرقا، "كنا ندفع 150 ألف شيكل شهريا (نحو 44 ألف دولار) وهو عبء ضخم على المصاريف التشغيلية، لذلك أجبرنا على الحد من هذه المشكلة".
وتراجعت التكلفة إلى 50 ألف شيكل شهريا، ما وفّر له سيولة ساعدته على تجديد مشروعه.
انتشار واسع
ومما سهل انتشار تكنولوجيا الطاقة المتجددة داخل قطاع غزة، هو أن "إسرائيل" لم تتعامل مع الألواح الشمسية على أنها مادة محظورة أمنيًا، وبالتالي لم تُوضع قيود على دخولها إلى القطاع، وذلك خلافًا لمواد البناء أو الوقود السائل اللذين تزعم "إسرائيل" بإمكانية استخدامهما في بناء الأنفاق والمنشآت والاستخدامات العسكرية الأخرى.
من جهة اخرى أدى عدم وجود حكومة مركزية فعالة قادرة على حل أزمة الكهرباء، وغياب الأجسام الاقتصادية القادرة على الاستثمار في هذا المجال داخل القطاع إلى دخول بعض المنظمات الأجنبية والدولية إلى المشهد، فعملت على تحويل الموازنات إلى ثلة من المقاولين والمنظمات غير الحكومية الذين ساعدوا في تشييد منشآت الطاقة الشمسية على أسطح المباني.
والمفارقة أن غياب تنظيم قطاع الطاقة في غزة ساعد عمليًا في انتشار منشآت الطاقة الشمسية، لأنه سمح بتركيب وتشغيل الألواح بسرعة، كما أن الانخفاض العالمي في أسعار الخلايا الشمسية، ساهم في زيادة الجدوى الاقتصادية لمصدر الطاقة الشمسية للسكان ذوي الدخل المنخفض على وجه الخصوص.
في السنوات الأخيرة ، ازدهرت الألواح الشمسية على أسطح المنازل في غزة ، حيث تعتمد 20٪ من المنازل الآن على الطاقة الشمسية ، وفقًا لمجلة الطاقة والاستدامة والمجتمع.
أزمة الكهرباء في غزة
بدأت الأزمة عام 2006، حين قصفت إسرائيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع، عقب عملية اختطاف الجندي جلعاد شاليط، ما أدى إلى توقفها عن العمل بشكل كامل، لكن الاتحاد الأوروبي تكفل عام 2009 بإصلاحها وعادت إلى العمل جزئياً. ومنذ ذلك الوقت، أصبح القطاع يعاني بشكل مستمر عجزاً جزئياً في الطاقة.
وفي البداية، لا بد من الإشارة إلى أن ملف الكهرباء في غزة تديره ثلاث جهات: الأولى سلطة الطاقة، والثانية شركة توليد الكهرباء والثالثة شركة توزيع الكهرباء، فيما يعمل المسؤولون عن توزيع التيار، وفق جداول ثابتة، إذ يقسمون القطاع إلى مناطق صغيرة، ويرسمون جدولاً لوصل الطاقة، بحيث يكون عدد ساعات الفصل نحو 20 ساعة.
ويعد انقطاع التيار الكهربائي أمرا روتينيا بالنسبة لسكان قطاع غزة البالغ عددهم 2,3 مليون نسمة، إذ تصل ساعات الانقطاع لأكثر من 12 ساعة يوميا، بحسب بيانات للأمم المتحدة.
وتضطر المصانع، خلال انقطاع التيار الكهربائي في المنطقة الصناعية بقطاع غزة، إمّا إلى إيقاف العمليات وتقليص الإنتاج وتقليل ساعات العمل المدفوعة، أو توليد الكهرباء باستخدام مولدات الديزل الخاصة، ما يتسبّب بانطلاق انبعاثات أعلى بكثير من الكهرباء التي توفرها الشبكة.
وسببت أزمة الكهرباء الممتدة منذ زمن طويل كوارث مختلفة في غزة، ونتيجتها أن مات نحو 30 طفلاً، في وقت حرقت مئات المنازل بسبب اعتماد ساكنيها على وسائل بدائية لإنارة بيوتهم فترة قطع الطاقة.
وتقول أم رائد التي تسكن في بيت من الصفيح في مدينة خان يونس "لا نستطيع دخول البيت والجلوس فيه في النهار في الحر الشديد، وكذلك في ساعات الليل لا نستطيع النوم في البيت؛ لذلك نعاني معاناة كبيرة في فصل الصيف وارتفاع الحرارة وخاصة أن السقف من الصفيح".
ولفتت إلى أن معاناتهم متجددة فهي تعاني في بيتها سواء في الصيف أو الشتاء لأن بيتها من الصفيح، مطالبة الجهات المسؤولة بتفقدهم ومد يد المساعدة لهم.
وتعاني أبوعميرة من فساد الأطعمة في أجهزة الثلاجات جراء تزامن أزمة الكهرباء مع ارتفاع درجة الحرارة. وتستكمل قائلة، "حتى الطعام بتنا نشتريه من الأسواق بشكل يومي، لأنه يفسد لو بقي لمدة يوم كامل داخل المنزل بسبب توقف عمل الثلاجات".
حلول بديلة
ولم يؤدي انقطاع الكهرباء المستمر في قطاع غزة السكان إلى التحول إلى الطاقة البديلة فقط بل شكلت هذه المعضلة مجال مربح لرجال الأعمال حيث يقول المهندس شهاب حسين ، من شركة MegaPower المحلية المتخصصة في مجموعات الطاقة الشمسية: “خلال العامين الماضيين ، تحول رواد الأعمال إلى الطاقة الشمسية لأنها توفر (المال) وهي استثمار مربح”.ووفقا له ، يمكن تركيب الألواح الشمسية من 1000 يورو.
ومع الحد الأدنى من الصيانة ، يمكنهم الخدمة لعدة سنوات ولكن يجب تغيير بطارياتهم كل سنتين أو ثلاث سنوات.
تقول ريا الدادة ، رئيسة مختبر تكنولوجيا الطاقة المستدامة في جامعة برمنغهام في المملكة المتحدة ، إن الألواح الشمسية التي تستخدمها عائلتها في غزة يتجاوز عمرها 15 عامًا ، لذا فهي ليست صغيرة جدًا ، لكنها ، كما تقول ، “المياه في الحمام يكون دائمًا ساخنًا جدًا “.
ومن خلال هذا نجد أن الحصار ضد سكان في قطاع غزة، منذ سنة 2007، لم يجعلهم يستكينون للمحتل، بل زادهم ذلك إصرارًا على تحدي الأخير وابتكار الإنجازات التقنية والعلمية لتلبية احتياجاتهم الحياتية، بما في ذلك الطاقة الكهربائية؛ فقد شرعوا منذ سنوات طويلة، في توسيع البنية التحتية للطاقات المتجددة، وتحديدًا بالاستفادة من الطاقة الشمسية باستخدام الألواح الشمسية التي تعمل بطريقة الخلايا الكهروضوئية. إذ أصبح مشهدًا مألوفًا رؤية تلك الألواح في المباني العامة والسكنية والمستخدمة على نطاق واسع في مختلف أنحاء القطاع.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت