- المحامي علي ابوحبله
أثناء حملتها للتنافس على زعامة حزب المحافظين البريطاني، أخبرت " ليز تراس " مجموعة "أصدقاء إسرائيل" في حزب المحافظين بأنها، لو انتخبت، فستنظر في أمر نقل السفارة البريطانية من تل أبيب إلى القدس.
وفي لقاء عقب ذلك في الأمم المتحدة، كررت رئيسة الوزراء ليز تراس الوعد بإعادة النظر في الأمر، في حديث مع "صديقها العزيز" يائير لابيد، رئيس الوزراء الإسرائيلي للحكومة الانتقالية .
مدينة القدس محور الصراع الفلسطيني العربي و الإسلامي ، ومن أخطر الصراعات الدولية وأهمها في زمننا المعاصر وهي بموجب القرارات الدولية أراضي فلسطينيه محتله . فقد احتلت إسرائيل واستحوذت على شرق مدينة القدس مع بقية الضفة الغربية وقطاع غزة في حرب حزيران/ يونيو من عام 1967، ولم تزل تُعد من المجتمع الدولي منطقة محتلة.
وترسخ حكومات الاحتلال الصهيوني مقولة أن المدينة بأسرها هي عاصمتها الأبدية غير المجزأة، بينما يؤكد الفلسطينيون أن الجزء الشرقي هو عاصمة فلسطين الابديه وهذا هو محور الصراع
رحّب رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، بعزم نظيرته البريطانية ليز تراس، نقل سفارة بلادها من مدينة تل أبيب إلى القدس. وقال في تغريدة على تويتر: "أشكر صديقتي العزيزة، رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس، التي أعلنت أنها تفكر بإيجابية في نقل السفارة البريطانية إلى القدس، عاصمة إسرائيل، سنواصل تعزيز الشراكة بين البلدين".
ولبريطانيا سفارة في تل أبيب مسئولة عن العلاقات مع الإسرائيليين، وقنصلية عامة في القدس الشرقية مسئولة عن العلاقات مع الفلسطينيين.
وتمتنع الغالبية العظمى من دول العالم عن نقل سفاراتها إلى القدس، نظرا لعدم اعترافها بشرعية الاحتلال الإسرائيلي لشقها الشرقي الذي تم عام 1967. ، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية نقلت سفارتها من تل أبيب إلى القدس في العام 2018، لتتبعها هندوراس وغواتيمالا وكوسفو.
ويصف مراقبون ليز تراس بأنها من أشد المؤيدين لإسرائيل، وحليفة معلَن عنها من جانب الجالية اليهودية في بريطانيا، إذ أظهرت -في سلسلة من التعهدات- دعمًا واسعًا لليهود البريطانيين الذين رحّبوا بصعودها السياسي، مما عرّضها للهجوم من بعض قطاعات المجتمع الإنجليزي.
ليزا تراس التي تفتخر بصهيونيتها ودعمها لإسرائيل هي امتداد للسياسة البريطانية منذ وعد بلفور ولغاية اليوم وتصريحاتها انعكاس لعدائها للشعب الفلسطيني وهي تدرك أنها لا تحظى بتأييد غالبية البريطانيين وبدلا من اهتمامها بالوضع الاقتصادي المتدهور في بلادها نتيجة تداعيات الحرب الاوكرانيه الروسية فإنها تتعمد بمواقفها وقراراتها فيما يتعلق بشأن نقل سفارة بلادها إلى القدس انتهاك قائمة من قرارات الأمم المتحدة، وموقف حكومتها يشكل تراجعا فجا عن السياسة البريطانية المعتمدة منذ عام 1967، وهي السياسة التي تشكل جزءا من الإجماع الدولي الواسع والتي ترى أنه يجب إبقاء جميع السفارات في تل أبيب إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق سلام شامل بين إسرائيل والفلسطينيين، تصبح القدس بموجبه عاصمة مشتركة للدولتين.
وخلال الفترة التي شغلت فيها منصب وزيرة الخارجية، لم تسعى ليز تراس إلى نقل السفارة. لا يملك المرء إلا أن يخمن أنها إنما أثارت قضية إعادة النظر في الأمر لما يعود عليها شخصيا من منفعة سياسية، فراحت تتزلف لدى إسرائيل وأنصارها في بريطانيا، وبشكل أكثر تحديدا لدى مجموعة "أصدقاء إسرائيل" في حزب المحافظين، التي يشارك في عضويتها معظم أعضاء وزارتها وثمانون بالمئة من أعضاء البرلمان الآخرين في المقاعد الخلفية عن حزب المحافظين.
ووصفت إحدى الصحف الإسرائيلية ليز تراس مؤخرا بأنها من الممكن أن تغدو "رئيسة وزراء بريطانيا الأشد تأييدا لإسرائيل على الإطلاق". ما من شك في أن القصد من ذلك كان الإشادة، ولكن في ذلك أيضا تجاهل لمسؤولية بريطانيا التاريخية في النكبة الفلسطينية بوعد بلفور المشئوم إعطاء فلسطين وطن قومي لليهود وهو المتسبب عن خلق المشكلة من الأساس.
فقد صُنع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في بريطانيا. وبدأ ذلك كله في عام 1917 بوعد بلفور الذي أيد إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، رغم أن اليهود لم يكونوا في ذلك الوقت يشكلون سوى عشرة بالمائة من سكان البلاد.
وتجاهلت الحكومات البريطانية المتعاقبة بشكل تام التعهد بألا يكون ذلك على حساب "المجتمعات غير اليهودية". وبذلك مكن الوعد الصهاينة من الاستيلاء الاستعماري المنتظم على فلسطين، وهي عملية لا تزال مستمرة حتى اليوم.
وفي حزيران/ يونيو من عام 1967، أكملت إسرائيل استيلاءها على كل فلسطين التاريخية. وبعد أسبوعين من صمت المدافع، أعلنت إسرائيل بشكل منفرد ضم شرق القدس، فما كان من مجلس الأمن إلا أن ندد فورا بتلك الإجراءات، معتبرا إياها غير قانونية وباطلة ، وفي عام 1980، عندما قرر الكنيست رسميا ضم شرق مدينة القدس، وبخ مجلس الأمن إسرائيل "بأشد العبارات"، وكانت بريطانيا من بين الذين صوتوا لصالح جميع هذه القرارات.
وفي موقفها الفردي المناصر لإسرائيل غير العابئ بالحقوق الفلسطينية كما هو ظاهر، تنتمي تراس إلى الخط العام في حزبها. فجميع رؤساء الوزراء الذين خدمت في حكوماتهم كانوا من أشد مؤيدي إسرائيل، ومنهم ديفيد كاميرون الذي وصف نفسه بالصديق الحميم لإسرائيل، وأصر على أنه لا يمكن لأي شيء أن يفصم تلك الصداقة.
أما تيريزا ماي، فربما كانت أشد أنصار إسرائيل في أوروبا عندما كانت تشغل منصب رئيس الوزراء في بريطانيا. ففي خطاب لها أمام مجموعة "أصدقاء إسرائيل" في حزب المحافظين في عام 2016، وصفت إسرائيل بأنها "بلد رائع.. ديمقراطية مزدهرة، منارة للتسامح، قاطرة للتجارة والأعمال ونموذج يحتذى من قبل بقية العالم". ورفضت بغضب عريضة شعبية، تطالب بإصدار اعتذار رسمي عن وعد بلفور.
ثم جاء بوريس جونسون الذي ابتدع سياسة "إسرائيل أولا" في حزب المحافظين، في خطوة إضافية تضع إسرائيل فوق القانون الدولي. وقاوم المساعي المطالبة بمحاسبتها على أفعالها غير القانونية، وعلى ما ترتكبه من جرائم حرب. وفي عام 2021، أعلن أنه يعارض تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في المزاعم بارتكاب جرائم حرب في المناطق المحتلة، مشيراً في خطاب إلى مجموعة "أصدقاء إسرائيل" في حزب المحافظين إلى أن حكومته تحترم استقلالية المحكمة، ولكنها تعارض هذا التحقيق بالذات.
وكتب يقول: "يعطي هذا التحقيق الانطباع بأنه عدوان متحيز ومجحف على صديق وحليف لبريطانيا". والمنطق المنحرف في تصريحه هو أنه نظرا لكونها صديقا وحليفا لبريطانيا، فإن إسرائيل تغدو فوق القانون الدولي ومحصنة من الرقابة والمساءلة الدولية.
لا يمكن أخلاقيا الدفاع عن نقل السفارة البريطانية من تل أبيب إلى القدس، بل إن ذلك سيكون إجراء مشتبها من الناحية القانونية، وضارا من الناحية السياسية. وسيكون واحدا من أكثر الضربات البريطانية همجية لمشروع الدولة الفلسطينية منذ وعد بلفور. كما أنه سوف يشجع إسرائيل على الاستمرار في التصرف بحصانة من المساءلة والمحاسبة، وسوف يزيد من طغيانها. ومن المؤكد أن إسرائيل وأنصارها في هذا البلد، سوف يرحبون بالإجراء، على الرغم مما سيسببه من إضرار بمكانة بريطانيا في العالم.
وبدلا من إعادة النظر في مسألة مقر السفارة، فإنه ينبغي على الحكومة البريطانية إعادة تقييم علاقتها مع إسرائيل في ضوء الوقائع الحالية.
فخلال العامين الماضيين، خلصت تقارير صادرة عن ثلاث منظمات حقوقية كبرى، إلى أن إسرائيل أصبحت دولة أبارتايد (فصل عنصري )
وتوثق هذه التقارير لما تمارسه إسرائيل من تطهير عرقي، ومصادرة للأراضي، وهدم للبيوت، وتنكيل بالمدافعين عن حقوق الإنسان، واعتقال للقصّر، والتغاضي عن عنف المستوطنين.
والحقيقة المحزنة هي أنه منذ 1967، فقد باتت إسرائيل مدمنة على الاحتلال. إن الصديق الطيب لا يساهم في بقاء صديقه على إدمانه، بل يسعى لحمله على الإقلاع.
قال المؤرخ البريطاني الإسرائيلي، آفي شليم، إن مخطط رئيسة الحكومة البريطانية ليز تراس نقل سفارة بلادها من تل أبيب إلى القدس المحتلة، سيكون "كارثة". وانتقد في المقال الذي نشره في موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، التراجع المحتمل لتراس و"بشكل فج" عن موقف طالما كان من ثوابت السياسة البريطانية، بعد أن وعدت بالنظر في أمر نقل سفارة البلاد إلى القدس. وتناول في مقاله وضع القدس الحساس بالنسبة للفلسطينيين، والسياسية البريطانية الثابتة بما يتعلق بالأوضاع في المدينة.
ليزا راتس ستدرك فداحة الخساره المتحققه لها ولحزبها ان هي امعنت في مخططها لنقل السفاره الامريكيه وارتداد خطوتها على الاقتصاد البريطاني المنهك اصلا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت