- فاضل المناصفة
في خضم ما يجري من تطورات على الساحة الأوكرانية وتأثيرها على الاقتصاد العالمي المثقل أصلا بتبعات الجائحة، يتأثر العالم العربي من المحيط الى الخليج بدرجات متفاوتة قياسا على قدرة كل دولة في مواجهة ارتفاع معدلات التضخم التي تضرب القدرة الشرائية للمواطن، واللافت أن المسببات التي قامت عليها الثورات العربية نتيجة لتبعات الأزمة الاقتصادية عام 2008، أصبحت واضحة وبشدة في عدة بلدان عربية اليوم حيث يشهد المناخ الاقتصادي ركودا لجميع الأنشطة مع ارتفاع معدلات البطالة، مع تزايد نشاط الهجرة الغير شرعية الناتج عن زيادة مستوى الشعور بالإحباط العام داخل المجتمع نتيجة لقساوة الظروف الاقتصادية، وعلى الرغم من أن منطقة الخليج لها بنية اقتصادية أكثر صلابة تجنبها الاحتجاجات ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي الا أنها ليست في منأى عن الخطر الأمني الذي تشكله ايران، فهل نحن نعيش مرحلة التحديات الأمنية للدول الخليج والاضطرابات في البلدان العربية الأخرى ؟
يبدوا المشهد في تونس الأكثر سوءا بعد دخول البلاد في مرحلة اقتصادية حرجة مع عجز الحكومة عن توفير المتطلبات الغذائية الأساسية من السوق الدولية نتيجة للإفلاس الذي وصلته الخزينة العمومية، فيما تلقي اللوم على المضاربين وتحملهم مسؤولية الطوابير الروتينية التي يعيشها المواطن التونسي لتزيد من منغصات الحياة، حيث تخطت الندرة المواد الغذائية لتصل الى المحروقات، وعمق تدهور قيمة العملة المحلية أمام الدولار واليورو انتكاسة القدرة الشرائية الضعيفة أصلا، ليصبح الحل الوحيد للعائلات هو شد الأحزمة وترك الكماليات لغرض توفير الأساسيات، أما بالنسبة لشباب تونس العاجز عن إيجاد وظيفة في ظل الركود العام وافلاس الشركات الصغيرة لم يبق هناك من حل سوى الظفر بتأشيرة أو مغادرة البلاد عبر قوارب الموت، ولعل حالة السخط العام الذي تعيشه تونس نتيجة الأوضاع الاقتصادية البائسة وغلاء الأسعار قد تكون وقودا لثورة جديدة، لن تطالب بالحرية والديمقراطية وانما بالعودة الى الظروف الاقتصادية التي كانت ما قبل الثورة حتى وان كان ذلك على حساب مكسب الحرية، وهو ما يجعل قيس سعيد أمام حتمية انهاء حالة الانسداد السياسي والشروع في تنفيد إصلاحات اقتصادية عاجلة قد تسمح بعودة المستثمرين الى تونس قبل تحرك الشارع.
ويتقاسم لبنان مع تونس نفس الهموم فالبلد قد دخل حالة الإفلاس وانهارت مؤسساته نتيجة لوجود سلطة أشباح عاجزة عن فعل أي شيء، معمقة حجم مشاكل لبنان الاقتصادية ومن من معاناة الأسر اللبنانية التي تعيش نسبة كبيرة منها على الحوالات المالية التي يرسلها أبناءها من الخارج، أما عن الليرة اللبنانية فقد تحولت الى بوليفار جديد بعد تجاوز الدولار الواحد ال 1500 ليرة، أما العراق فعلى الرغم من أن عائدات النفط ترتفع بشكل مستمر الا أن حال البلاد لا يعكس التخمة الكبيرة التي تشدها خزائنه، وحتى مع وصول احتياطي البلاد من النقد الأجنبي إلى أكثر من 85 مليار دولار، الا أن التضخم العالمي وانخفاض قيمة العملة المحلية قد فوت الفرصة على العراقيين في الإحساس بمكاسب البلاد النفطية في حياتهم المعيشية وواقع بنيتهم التحتية التي تتآكل وتسوء عاما بعد عام، وليتأكد للعراقيين أن خيرات بلادهم تعود بالنفع على طبقتهم السياسية الناهبة فقط، وهو الشيئ الذي عزز غياب الثقة بين المواطن والمسؤول وأجج لاحتقان الشارع وسهل الأمر للتيارات السياسة المتخاصمة لعب ورقة الشارع والتهديد بالفوضى .
ربما تنجح ليبيا والجزائر في تخطي الاضطرابات الاجتماعية نظرا لأنها مستفيدة من عائدات المحروقات أيما استفادة، اذ سيمكنها هذا الامتياز من إطلاق جملة من القروض الاستهلاكية كما سيسمح الزيادات في الرواتب الوظيفية لكبح معدلات التضخم والتحكم في الشارع، ولكن بلدان أخرى مثل مصر والمغرب والأردن لا تملك هذا الخيار وهي أمام حتمية نجاح الموسم السياحي الشتوي مع تطبيق سياسات اقتصادية مرنة لمواجهة التضخم والتخفيض من حدته على جيب المواطن، وذلك لضمان ألا تتطور الأمور في صالح من يريد تحريك الشارع.
أما دول الخليج فسيكون لزاما عليها أن تتأقلم مع الوضع الجديد الذي أفرزه جمود العلاقة ما بين السعودية والإدارة الأمريكية على خلفية قرار أوبك + الأخير، والذي جعل بايدن يتحدث عن إعادة تقييم العلاقات مع الرياض، ويأتي إلغاء واشنطن لاجتماعها مع الفريق العامل المعني بالدفاع الجوي والصاروخي المتكامل ضد إيران، ليؤكد أن بايدن بدأ بالفعل بمساومة الخليجيين بالتهديد الأمني الذي تشكله إيران على دول المنطقة، وهو ما يعني أن التهديدات التي تأتي من اليمن قد تزداد خاصة وان ايران لن تفوت فرصة هذا التصدع في علاقات السعودية مع الولايات المتحدة الأمريكية لتستثمر حظوظها في التمدد داخل اليمن .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت