تبون وحماس وعباس يلعبون بالنار

بقلم: طلال الشريف

طلال الشريف.jpg
  • د. طلال الشريف

الفارق بين كل محاولات مصالحة حماس وفتح السابقة وبين محاولة الجزائر أن محاولة الجزائر تستعجل تحقيق مكاسب ذاتية سريعة لحكامها ليثبتوا نظامهم أولا وثانيا لخدمة محور ايران الذي تؤيده الجزائر وثالثا لتكافئ حماس في سياق تمتين العلاقات بتمرير ما أرادته حماس وتعمل من أجله بكل الطرق خاصة تقديم انتخابات المجلس الوطني على انتخابات المجلس التشريعي والرئاسة لضمان تمثيل حماس وأخواتها وتعزيز مواقفها بدخول المنظمة التي يريدونها لحماس ولخالد مشعل بالذات  لمعرفتهم المسبقة بعدم امكانية الحصول على مقعد رئاسة السلطة وبعد هذه المرحلة أي مرحلة  انتخابات المجلس الوطني سيعيقون أي انتخابات لتذويب السلطة  ويستولون على المنظمة المعترف بها دوليا وهذا ما تتفق معه أو هي من وراءه ايران لتعزز وجود حكم الملالي في ايران ومن ثم تصبح المنظمة وما بعدها تابعة للمحور الإيراني للمتاجرة بالقضية الفلسطينية، ورابعا ليقدم الرئيس تبون انجازا له لمؤتمر القمة القادم رغم الخطأ الذي سيقسم الحالة الفلسطينية أكثر عمقا حين يبدأ بانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني والاستيلاء على منظمة التحرير، وسيقسم الحالة العربية أيضا.

الأهم هذا الاتفاق جاء محاولة لعزل مصر عن ملف القضية الفلسطينية التي كلفت من الجامعة العربية بحمله وعزلها أيضا عن منظمة التحرير وإضعاف موقف مصر في المنطقة وتجريدها من تاريخها الطويل في الصراع كقائد للأمة العربية وكعنصر ردع لكل المتداخلين في الشرق الأوسط على أمل الاستيلاء على الحكم فيها وتشييعها أو لاستيلاء جماعة الاخوان على الحكم فيها لإضعاف دور مصر وصعود ايران للتحكم في الشرق الأوسط بعد تحكمها في اتفاق الغاز بين لبنان واسرائيل وكمقدمة لتوقيع الاتفاق النووي لتتويج ايران كقوة أولى في الشرق الأوسط على حساب جمهورية مصر العربية.

الرئيس عباس اذا وافق على هذه المصالحة الجزائرية يتضح تماما موقفه  المنحاز لهؤلاء وضد السياسة المصرية وهو مع المحور الايراني كما تريده قطر ومن خلفها الولايات المتحدة لأن اسرائيل والولايات المتحدة يعتبرون مصر العدو التاريخي الأول في المنطقة.


بند انتخاب المجلس الوطني أولا هي قفزة في الهواء إلا إذا عرفنا أين نقف كشعب فلسطيني؟ وهذا يحتاج موقف من عملية السلام الجارية واقرار أنها انتهت ونحن في حل من الإلتزام بتنفيذ بنود أوسلو وبعد ذلك نتفق على ماذا نريد تطوير منظمة التحرير الذي يمثل المجلس الوطني أعلى هيئة تمثيلية للشعب الفلسطيني ولتكن بوصلتنا ذات هدف واضح،  والأهم أن تتفق سلطتي وحزبي الانقسام  مع غالبية التنظيمات الباقية وكذلك الشعب الفلسطيني على طريق جديد مستقل عن هيمنة التحالفات الإقليمية، وهذا قد لا يصبح متحققا في الأصل، لأن التجربة الطويلة لعقد ونصف تقريبا من الانقسام والتحالفات تقول بعدم إمكانية تحقيق ذلك.

مادامت السلطة وحركة فتح يعملون ويتصرفون ويقررون بناءا على شروط أوسلو وخاصة قانون الانتخابات العامة التي دعى إليها وأجلها أو ألغاها الرئيس وتهافت الجميع عليها بكل ما فيها من أعطاب وتحكم بمراسيمها وتغيير حتى بنود قانون الانتخابات الأوسلوي قد تحكم فيها الرئيس ورفض مطالب الفصائل ومظاهرات نقابة المحامين دون الأخذ بمطالبهم التي تؤسس لحالة انتخابية وديمقراطية أفضل فكيف سيحدث مصالحة واصلاح المنظمة.

الأصل مادام قانون انتخابات أوسلو باقيا ونتعامل به ولسنا ذاهبين لانتخابات دولة تحت الاحتلال  وبقاء السلطة الفلسطينية ملتزمة بالاتفاق فيجب أن تجرى انتخابات   التشريعي والرئاسة أولا لكي نسير في ترتيب الأمر بشكل جدي وصحيح إلى انتخابات للمجلس الوطني وليس العكس.

 ... أما أن كل جماعة سياسية مستقلة أو حزبية  تريد ما يتناسب مع رؤيتها وتحالفاتها الخارجية  سيبقى الحال خطأ كما  تم الهرب من الانتخابات التشريعية والرئاسية من قبل الرئيس عباس وحركة فتح وهربوا لانتخابات البلديات ...

الدعوة لانتخاب المجلس الوطني مشروطة وتصبح أولا اذا فك عباس العلاقة مع اسرائيل ويصبح أوسلو لاغيا فعلا عندها تصبح الخطوة صحيحة .. الهروب من ترتيب الامر بشكل صحيح يزيد الطين بلة ويؤدي لتشرذم أكبر ..

 البدء باصلاح المنظمة مرتبط بتوضح الوضع السياسي والرؤية من عملية السلام وأدواتها بمعنى لإجراء انتخابات المجلس الوطني كأعلى هيئة تمثيلية تقود الشعب الفلسطيني وقضيته فما هو الاساس لذلك؟ وكيف نفسر حالتنا غير الواضحة لنبني المنظمة من جديد ويدخل الجميع برؤية واضحة لأعلى هيئة تمثيلية وإلا كل واحد من الحزبين والسلطتين يبقى مكانه  ..هذا ما سوف يحدث فقد عرفنا الطرفان وكيف يفكران، فحدث التدمير للقضية والمؤسسات التمثيلية بسلوكهم الأناني .. المشكلة  ليس بتوفر أداة الانتخابات أو بحق الجميع الفلسطيني في الداخل والخارج فهذه أبسط الأشياء ولا يختلف أحد عليها. بل المشكلة في سلوك ومكاسب وصراع الحزبين فتح وحماس ومحاولة محور ايران الاستيلاء على المنظمة ...

فعلى أي أساس  وأي رؤية  سنبني ونصلح المنظمة ونجري انتخابات للمجلس الوطني أولا؟

المبادرة بانتخابات المجلس الوطني أولا صحيحة لو ما في انقسام وصراع على السلطة واختلاف البرامج الذي فاق كل الحدود، وستصبح في الحالة الراهنة لو اجريت الانتخابات للمجلس الوطني عبارة عن  تقاسم للهيمنة وشراسة اكبر على النفوذ،  دون التزام ودون اهتمام لمعاناة المواطنين كما خبرناهم، فقد ضربوا بعرض الحائط كل شيء وهما الآن خارج الوعي بالمخاطر التي صنعوها وسيصنعوها ... الحل بسيط يعلنوا التزامهم بأوسلو وقوانينه وانتخاباته أو يعلنوا انهاء اوسلو وما سيترتب عليه لنبدأ على رؤية صحيحة ...

انتخابات للمجلس الوطني دون إنهاء الانقسام  هو خيال أو سراب لن يكون إلا انقساما جديدا وتهشيما للمنظمة، لعدم معرفة التفاصيل للحالة التي ستصبح أكثر تعقيدا بين التيار الوطني والاسلامي  في فلسطين وسيوصلونا لإنقسام اكبر.

 وجهة نظري اوضحتها لست مع خطوات واتفاق واضح فيه التقاسم في الرئاسات بين حماس وعباس بحيث يتولى خالد مشعل رئاسة منظمة التحرير وحسين الشيخ رئيسا للسلطة تحت بند لعبة الانتخابات التي سيتم تزويرها،  ولن اكون مع  اتفاق الجزائر  الذي يعرض منظمة التحرير للتشرذم أو الاستيلاء عليها وسيعمق انقسام الفلسطينيين وانقسام العرب.

مع كل الاحترام لأي مبادرة أو اتفاق  للخروج من محنتنا ، هذا لا يمنع أن توعية شعبنا لتلك المخاطر  والسيناريوهات لكي لا يضيع الوقت دون فائدة، وعلى شعبنا أن يشمر عن سواعده للخروج وتغيير الواقع  وفرض ما يريد بإرادته جماهيره  في أي انتخابات قادمة بشرط الوعي لما يحاك ..  

لا تٌدخٍلوا المجلس الوطني في آتون التخريب القائم لكل مؤسسات التمثيل  في الصراع على التمثيل والسلطة وأجندات التحالفات الخارجية.

 المجلس الوطني هو المنظمة والمنظمة تحتاج تطوير وتفعيل وليس ادخالها في الصراع على السلطة والقرار  الفلسطيني والتحالفات.
نقول هذا في سياق عدم ادخال المجلس الوطني في سجالات الانقسام حفاظا على عدم تخريب وانقسام  المجلس الوطني كمؤسسة تمثيلية أولى

وعلى ما يبدو حتى المصالحة لم تعد تلفت نظر الجمهور الفلسطيني واعتبر الجمهور أطرافها لا تعبر عما يريد بل يسخر من أفعالهم المتاجرة مع كل دولة تقدم لهما اموال ورواتب وتمثيل في بلادها.

 ..اتفاق الجزائر لغما كبيرا قد يقسم مؤسسات منظمة التحرير وخاصة المجلس الوطني ولن يصلح منظمة التحرير وسيؤدي لتدهور أمني فلسطيني أعمق وسيهدد الأمن القومي لجمهورية مصر العربية.

تبون وحماس وعباس يلعبون بنار فرقة العرب والفلسطينيين وتعميق خلافاتهم بموافقات اتفاق الجزائر الذي كانت اتفاقات القاهرة أقوى بكثير وأشمل منه وأكثر عملياتيا وتلاعب بها عباس وحماس وعليه هذا الاتفاق يضع العرب في خطوة حافة الجرف الخطر الذي يدخل عملية انقسام عربي جديد ستظهر أولى نتائجه بغياب مجموعة من رؤساء وملوك وأمراء عرب ودول وازنة عن مؤتمر القمة العربي القادم الذي سينعقد في الجزائر  وتأزيم علاقات عربية ببنية جديدة... ولن تطبق بنود المصالحة الفلسطينية وسنى اغتيالات وقتل من جديد .. هذا هو اللعب بالنار.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت