- معتز خليل – باحث سياسي مقيم في لندن
رغم التقارير ومقاطع الفيديو والصور التي لا تعد ولا تحصى عن استخدام القوات الروسية لطائرات بدون طيار إيرانية الصنع في أوكرانيا ، لا يزال وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان ينفي أن إيران ترسل أسلحة روسية لاستخدامها في أوكرانيا.
اللافت انه وفي غضون ذلك قال وزير الخارجية الأوكراني إنه سيوصي بقطع العلاقات مع إيران. بالإضافة إلى ذلك ، ذكرت صحيفة ديلي ميل أن إيران ترسل جنودًا إلى الجبهة الأوكرانية لمساعدة الروس في تشغيل الطائرات الانتحارية بدون طيار، خاصة عقب الهجوم الحاصل على أوكرانيا يوم الثلاثاء الموافق الثامن عشر من أكتوبر .
ما الذي يجري :
بات واضحا ومن خلال بعض من التقارير السياسية والاستراتيجية المختلفة ان هناك ما يمكن وصفه بالتعاون العسكري الوثيق بين إيران من جهة وروسيا من جهة أخرى ، وهو التعاون الذي بات جليا وواضحا مع تصاعد حدة القتال في أوكرانيا.
وبات واضحا ان روسيا تستخدم المسيرات درون الإيرانية في بعض من عملياتها العسكرية في أوكرانيا ، ويأتي هذا وفقا لما أشارت إليه بعض من التقارير العسكرية الروسية أخيرا.
وفي هذا الصدد يمكن القول إن هناك ثلاثة أنواع للطائرات الإيرانية المسيرة، التي تعمل إيران على انتاجها بكثافة منذ العام 2010، أبرز هذه الأنواع هي “أبابيل 3″ و”مهاجر 6″ و”شاهد 1و2و9″.
تقارير إسرائيلية ومنها تقدير موقف وضعه مركز دراسات الأمن القومي في إسرائيل آشارت إلى آن إيران صدرت هذه الطائرات بالفعل لعدد من الدول ومنها فنزويلا، وإثيوبيا فيما مضى، وبعض منها ذهب إلى الحوثيين، الذين ضربوا بها مواقع في الإمارات والسعودية من الأراضي اليمنية.
لذلك وبصورة مجردة بات لدى إيران خبرة كبيرة في المنافسة في سوق صناعة الطائرات المسيرة ، وهو امر بات واضحا لدى الروس ممن سعوا إلى التزود بهذه النوعية من الطائرات.
منافسات استراتيجية:
غير إن التساؤل الذي يطرح نفسه حاليا يتعلق بقدرة هذه الطائرات المسيرة على منافسة بعض من نوعيات المسيرات الرخيصة التي تستخدمها أوكرانيا ، مثل طائرات “بيرقدار” المتنوعة الخصائص.
الواضح ان طائرات “أبابيل 3″ و”مهاجر 6″ و”شاهد 1و2و9″ لها القدرة بالفعل على منافسة “بيرقدار” بقوة ، وفي حديث لمصادر عسكرية روسية مع معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أشار لواء سابق بالجيش الروسي إلى اعتماد إيران على تقنيات يحترمها الروس ، وهي تقنيات صينية وكورية شمالية، بالإضافة لنقطة مهمة تتعلق وكذلك خبراء روس يعملون في الداخل الإيراني ، الأمر الذي يزيد من الأهمية والثقة العسكرية للروس للتعاطي والتعامل واستخدام هذه النوعية من الطائرات.
مصير إيراني:
ومع هذا التفوق الإيراني في صناعة الطائرات الدرون بات واضحا انه يعود لعدد من النقاط المركزية:
1- بات انتاج هذه الطائرات البديل الأبرز لمواجهة العقوبات الأميركية، التي تستهدف قطع الغيار والذخائر المتعلقة بالطائرات الحربية ، ولهذا عملت إيران على تسريع وتيرة، وإنتاج هذا النوع من الطائرات المسيرة، حتى تعوّض الخسائر والنقص الفادح في أسلحتها التقليدية.
2- نجحت هذه الطائرات في بناء علاقات وثيقة لإيران مع بعض من الدول ومنها فنزويلا على سبيل المثال ، وقد أثبتت المسيرات الايرانية كفاءتها في فنزويلا
3- وفي أثيوبيا فقد أحدثت نقلة نوعية في سيطرة حكومة الرئيس، آبي أحمد في أديس أبابا على الجبهات القتالية ضد القوات الانفصالية، وهو امر دفع مثلا بمصر وأجهزتها الأمنية للحديث علانية عنه ، وهو ما كشفته جامعة تل أبيب في تقدير موقف لها ، خاصة مع رهان القاهرة على إلهاء النظام الإثيوبي بالحروب والصراعات من أجل مواجهة تطلعات أديس أبابا التي لا تتوقف في مياه النيل وبناء سد النهضة.
أسباب اللجوء الروسي للدرون الإيراني:
هناك الكثير من التساؤلات عن السبب الذي يدفع بروسيا لاستخدام طائرات الدرون الإيرانية ، ويعود السبب في ذلك لاستخدام روسيا كثيرا من الطائرات المسيرة في الحرب مع أوكرانيا في الأشهر الماضية، وأيضا استخدامها أغلب مخزونها من صواريخ إسكندر.
وبات الروس الآن بحاجة الى تعويض هذا النقص في مخازن أسلحتهم، لمواصلة الحرب الطويلة الممتدة ، وكانت إيران الملاذ الاُفضل لذلك . وبالتالي قد لا تجد أفضل من إيران، حليفا أو شريكا استراتيجيا، للتعويض عن النقص، لاسيما أن الصين التي تعتبر من الدول المهمة في صناعة السلاح أيضا تريد أن تلعب دور الوسيط المحايد نوعا ما، ولا تريد أن تدعم روسيا عسكريا، حتى لا تضع ملف أوكرانيا في كفة وملف تايوان في كفة أخرى، في علاقتها المعقدة مع الولايات المتحدة”.
اشكال التعاون:
تعزَّز التعاون الروسي – الإيراني خلال العقود الأخيرة ، وكان محركه الرئيسي التعاون العسكري؛ حيث اشترت طهران صفقات أسلحة روسية متنوعة لمواجهة الحظر الغربي عليها. وخلال العقد الأخير، حدث تقارب غير مسبوق بينهما بفعل التعاون لمواجهة تداعيات أحداث “الربيع العربي” التي أثرت على مصالحهما بالشرق الأوسط، لا سيما في سوريا. وفي الفترة الأخيرة تكثَّف تعاونهما العسكري واتخذ عدة صور:
1- التعاون الفضائي وإطلاق “خيام”: أُطلق يوم 9 أغسطس 2022 من القاعدة الروسية الفضائية “بايكونور” بكازاخستان، القمر الصناعي الإيراني “خيام1″، وأعلنت طهران أنه مخصص للأغراض المدنية مثل (زيادة الإنتاجية الزراعية، ومراقبة الموارد المائية وإدارة المخاطر الطبيعية).
2- كشفت إيران عن تحويل اتفاق شراء الأقمار الصناعية من روسيا إلى “اتفاق لنقل التكنولوجيا الفضائية”، وتم بناءً على ذلك تصنيع روسي إيراني مشترك لأقمار (خيام 2 و3 و4) ليسجل بداية لتعاون جديد بينهما في مجال الفضاء كما وصفته الحكومة الإيرانية.
3- إجراء مناورات بحرية مشتركة...حيث ستضافت فنزويلا، خلال شهر أغسطس الحالي، تدريبات بحرية بين القوات الروسية والصينية والإيرانية في فنزويلا، وبالطبع هذه المناورات هي رسالة إلى واشنطن؛ لأنها تجرى في الفناء الخلفي لها بأمريكا اللاتينية، وتعد هذه أحدث تدريبات مشتركة بين موسكو وطهران؛ حيث شاركت طهران في مناورات (القوقاز الروسية) في سبتمبر 2020 ، واتفق الجانبان آنذاك على إجراء مناورات بحرية منتظمة في بحر قزوين والخليج العربي ومضيق هرمز. وفي يناير 2022 نفذت تدريبات عسكرية بحرية مشتركة بين روسيا والصين وإيران في خليج عمان.
4- كما عرضت إيران على روسيا استخدام قواعدها العسكرية البحرية في الخليج العربي إذا اقتضت الضرورة ذلك. والتدريبات المشتركة بين موسكو وطهران تضمن لروسيا حضوراً عسكرياً بحرياً مستمراً في الخليج العربي وبحر قزوين فضلاً عن قاعدتها العسكرية البحرية بطرطوس السورية؛ ما ينافس الحضور العسكري البحري الأمريكي بالمنطقة.
التقدير الاستراتيجي:
بات من الواضح أن روسيا تنتهج وتفكر كما يفكر الرئيس بوتين وعقليته الاستخباراتية العسكرية ، وشراء العتاد العسكري الرخيص في سعره والبالغ في تأثيره ، وهو ما يدشن عهدا جديدا وقويا من العلاقات الإيرانية الروسية ، حيث يحتاج كلا الطرفين بعضهما البعض (موسكو وطهران).
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت