- بقلم : تيسير خالد
احتلت شخصية رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو ، المتهم بجرائم الفساد وخيانة الأمانة مركزا محوريا في الانتخابات الإسرائيلية ، التي جرت في الأول من نوفمبر . وعلى الرغم من ان استطلاعات الرأي كانت تتأرجح وترشح استمرار الازمة السياسية في اسرائيل ، إلا أن السؤال الجوهري كان يدور حول حظوظ بنيامين نتنياهو في الوصول الى أغلبية تمكّنه من تشكيل حكومة مع حلفائه من الاحزاب الدينية ( يهودات هاتوراه للغربين وشاس للشرقيين ) والاحزاب الفاشية بقيادة الثنائي الفاشي بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير عن الصهيونية الدينية . وجاءت نتائج الانتخابات بأخبار سارة لنتنياهو بفوز واضح لقائمة" الصهيونية الدينية ، التي تحولت الى القوة الثالثة في الكنيست بقفزة من 6 مقاعد في انتخابات الكنيست الرابع والعشرين ، التي جرت قبل عام ونصف الى 14 مقعدا في الكنيست الخامس والعشرين .
من المعروف ان الاحزاب اليهودية الدينية التقليدية ليس لها مشكلة مع نتنياهو او غيره في رئاسة مجلس الوزراء ، إذا هو استجاب لمطالبها وهي في العادة غير سياسية بقدر ما تتصل بالحقائب الوزارية وما يصاحبها من ميزانيات يجري استخدامها في صالح تقوية نفوذ هذه الاحزاب في الاوساط ، التي تدعي تمثيلها .
غير ان الوضع مختلف تماما مع الاحزاب الايدولوجية كحزب " عوتسماه يهوديت " بزعامة بن غفير وحزب " الوحدة اليهودية " بزعامة سموتريتش ، اللذين توحدا في قائمة واحدة ، كان عرابها بنيامين نتنياهو ، لخوض انتخابات الكنيست . ومع الفوز الكبير لقائمة الحزبين في الانتخابات بدأ السؤال يطرح نفسه ، هل يفي نتنياهو بوعوده بمنح نواب هذه القائمة حقائب وزارية تلائم وزنها البرلماني ويكون لها تأثير ملموس في القرار السياسي في دولة الاحتلال والعنصرية ، وهو يعرف ان الصهيونية الدينية نبت شيطاني ، ساهم في صعوده رجل احتل في انتخابات الكنيست على امتداد الاعوام الثلاث الماضية بؤرة الاهتمام حين قسم الناخبين بين من معه ومن ضده بصرف النظرعن روائح الفساد التي تنبعث من حوله .
لماذا نبت شيطاني ...الجواب على ذلك ليس صعبا فقادة كل من " عوتسماه يهوديت " والوحدة اليهودية " لم يقفزا هذه القفزة الكبيرة في الانتخابات بفضل مسار سياسي شق طريقه في صفوف فئات اجتماعية تعاني من مشكلات بطالة او فقر أو تدهور في مستوى المعيشة ، بل في صفوف الفئات الرثة في المجتمع الاسرائيلي ، شأنها في ذلك شأن الأحزاب النازية والفاشية في مجتمعاتها . في انتخابات العام 2020 حصل هذا النبت الشيطاني ، وريث حركة ( كاخ ) ، التي قادها الرابي العنصري الكريه مئير كاهانا والمصنفة حتى في اسرائيل كحركة محظورة على نحو 225 الف صوت ودون مقدمات منطقية زاد هذا الرقم عن الضعف في الانتخابات الأخيرة ، لا لشيء إلا لأن المستوطنين المستعمرين زحفوا على صناديق الاقتراع لانتخاب قائمة هذا الائتلاف ، تماما كما زحف الرعاع في المانيا عام 1933 على صناديق الاقتراع لانتخاب حزب زعيم جاء بدوره الى الحياة السياسية من صفوف الفئات الرثة الألمانية .
نعت ممثلي قائمة " الصهيونية الدينية " بالفاشية لا يحمل أية درجة من التجني أو المبالغة ، وهم على كل حال ليسوا الفاشيين الوحيدين في دولة الاحتلال والعنصرية ، غير أن فاشيتهم فاشية عارية تتغذى على أوهام التفوق العرقي وعلى أساطير دينية يراد لها عبر كم هائل من التزوير والتضليل ان تصبح جزءا من تاريخ وثقافة وحضارة هذه المنطقة ، إن لم تكن هي تحديدا تاريخ وثقافة وحضارة هذه المنطقة ، دون مرجعية تاريخية حقيقية . وهي فاشية تقوم على كراهية الأجنبي ، أو بالتعبيرات التلمودية كراهية الأغيار ، لا لشيء إلا لأن الرب يريد ذلك .
كراهية الأغيار هذه كراهية أيدولوجية بغلاف ديني ، لا تدفع الأغيار للسقوط في البئر ولكن إذا حصل ذلك من المحظور أن تمد لهم يد المساعدة . هي كراهية متأصلة ، تعبر عن ايدولوجية فاشية ، على طريقة بتسلئيل سموترتش ، الذي لا يقبل أن تلد زوجته في المستشفى مع نساء عربيات ويدعو الى تغيير جوهري في قوانين حقوق الانسان في الدولة على هشاشتها والى ضم الضفة الغربية لدولة الاحتلال أو على طريقة ايتمار بن غفير ، الذي يدافع عن مفاهيمه التلمودية لما يسمى في جيش الاحتلال " طهارة السلاح " كتطهير عرقي ويدعو الى تغيير أوامر إطلاق النار وعدم فرض أية قيودعلى الجنود وأفراد الشرطة في تعاملهم مع الفلسطينيين ويجاهر بكل صراحة ووضوح ووقاحة بأن العرب الفلسطينيين هم فائض يجب طرده وإن هم أرادوا ان يعيشوا في دولة اسرائيل من البحر الى النهر فبدون حقوق سياسية ولا حتى مدنية باعتبار ذلك مشيئة ربانية . وهكذا تعرض " الصهيونية الدينية " كحركة فاشية برنامجها كمشروع استيطاني استعماري عنصري المحتوى بدعو الى تصعيد في نهج التطهير العرقي بتصميم وخاصة في القدس والضفة الغربية والمثلث والنقب .
مع هذه الحركة الفاشية عقد بنيامين نتنياهو تحالفات واتفاقات تارة في العلن وأخرى من الباطن فجرى تقسيم العمل في التحضر لانتخابات الكنيست على النحو الذي يخدم مصالحه في العودة الى سدة الحكم في اسرائيل ، رئيسا للمزراء ، الليكود يركز حملته على مراكز المدن فيما حلفاؤه الجدد من الصهيونية الدينية " يركزون على الأطراف وخاصة المستوطنات في الضفة الغربية باعتبارها الخزان الانتخابي ليضمن بذلك من المقاعد عددا كافيا تؤهله للفوز في السباق الانتخابي وهكذا كان وفاز في السباق .
الآن ، ماذا بعد ، وما الذي ينتظر بنيامين نتنياهو وهل يفي بوعوده وتعهداته لحلفئه الفاشيين الجدد بصرف النظر عن النتائج والتداعيات ليس فقط على المستوى الداخلي في اسرائيل بل وكذلك على مستوى علاقته مع الخارج وخاصة مع الولايات المتحدة الأميركية . عشية اتخابات الكنيست التي جرت عام 2020 اعلن الساحر الكذوب انه لن يعين بن غفير في حال فوز معسكره في وزارته ، ولكن هذه المرة بلع نتنياهو لسانه ، فهو في حاجة إلى دعم حلفائه الجدد للإفلات من الإدانة والعقاب في محاكمته بتهم الفساد، وهم سوف يمنحونه هذا الدعم، وهو في حاجة لهم لتمرير قوانين ليس فقط بخصوص محاكمته ، بل ومن اجل استمراره في الحكم لأطول فترة ممكنة ، لدورة انتخابية جديدة على الأقل ، خاصة بعد الفوز الكبير الذي حققوه في الانتخابات . سموتريتش وبن غفير لم يعودا بلا أسنان ، فأسناهم بعد الانتخابات باتت كأسنان القرش ، وهذا ما يدركه نتنياهو وما سوف يتعامل معه في رهان على احتواء ردود الفعل الداخلية منها والخارجية ورهان على التغيرات المحتملة ، التي يمكن ان تحمله له كأخبار سارة الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي .
إذن نتنياهو في الطريق لتشكيل حكومة هي الأكثر تطرفا في تاريخ دولة لم تعد تملك أدوات تسويق نفسها بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة ، فصورة الوضع في اسرائيل تتبلور اكثر فأكثر عن دولة هي في الحقيقة دولة إثنوقراطية، يحتكر فيها اليهود جميع الحقوق ، دولة تتوعد الفلسطينيين سكان البلاد الأصليين باعتبارهم أغيار بالمفاهيم التلمودية . وهكذا جاءت هذه الانتخابات لتضع الفلسطينيين ليس فقط في الضفة الغربية بما فيها القدس وفي قطاع غزة ، بل وفي فلسطين التاريخية كما في الشتات أمام مهمات وتحديات مختلفة عن سابقاتها وخاصة بعد ان تحول خطاب الاستيطان الاستعماري والكراهية والترانسفير والتطهير العرقي الى خطاب رسمي لدولة الاحتلال والفصل العنصري الاسرائيلية ، يهدد حاضر ومستقبل الفلسطينيين وحقهم في تقرير المصير بمركباته الثلاث : حقوق قومية ثابته وحقوق مواطنة ومساواة لأبناء الشعب الفلسطيني في الاراضي المحتلة عام 1948 وحقوق قومية ثابته في الاستقلال والتحرر من الاحتلال والاستيطان في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وحقوق قومية ثابتة في العودة للاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من ديارهم وممتلكاتهم بالقوة العسكرية الغاشمة ، ما بات مراجعة جادة ومسؤولة في السياسة تتطلب تشكيل جبهة قومية متحدة تضم جميع الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني وفي المناطق الفلسطينية المحتلة بعدوان 1967 وفي الشتات ، جبهة تكون مفتوحة لمشاركة جميع القوى والشخصيات التقدمية اليهودية في دولة اسرائيل ، على محدوديتها بحكم محدودية الوضع الانساني في هذه الدولة ، لأن صعود الفاشية بغطاء رسمي من خلال الكنيست في دولة الاحتلال والفصل العنصري لا يقتصر خطرها على الفلسطينيين وحدهم بقدر ما يمتد شرها على عموم فلسطين التاريخية بل ويتجاوزها الى ما هو أبعد من ذلك ليعم المنطقة بأسرها .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت