قال الباحث المختص في قضايا الأسرى الأسير المحرر الدكتـور رأفت حمدونة في الذكرى الثامنة عشر لرحيل الشهيد الرئيس ياسر عرفات / أبو عمار والتي تصادف الحادية عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام، أن قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية كانت على رأس أولوياته وأحد أكبر الهموم التي أشغلت حياته ونضالاته.
وأضاف د. حمدونة أن قرار تأسيس وزارة شؤون الأسرى والمحررين في جلسة مجلس الوزراء الفلسطيني التي انعقدت بتاريخ 7/8/1998 ، هي أهم مظاهر الاهتمام في تأمين حياة كريمة للأسرى في السجون وبعد التحرر ، والتي تعمل على ضمان حقوق الأسرى، والتي تتحمل مسؤوليات وواجبات انسانية ووطنية وأخلاقية وإجتماعية وقانونية وسياسية وعلى كافة الصعد ، وتقوم بتقديم الكثير من الخدمات ، وتقوم بتفعيل قضيتهم محلياً ودولياً ، وتركز على انتهاكات دولة الاحتلال بحقهم على كل المستويات .
ويشدد حمدونة على ما كتبه الكاتب محمد جودة أن الشهيد أبو عمار اعتمد تجربة الأسرى التنظيمية والوطنية وما يصدر من قرارات ومواقف عنهم كقاعدة من أسس العمل السياسي والنضالي والتنظيمي ضد الاحتلال، وفي عمليات وآلات البناء الداخلي في التصدي للآلة العسكرية الإسرائيلية وأجهزتها الأمنية، ويعتمد قرارات ومواقف الأسرى وملاحظاتهم في المجالس الوطنية والمؤتمرات الحركية المتعاقبة، وقام بقراءة رسائل الأسرى في أكثر من مؤتمر، واعتبر الأسرى قطاعا تنظيميا، وساحة من ساحات العمل الكفاحي الفلسطيني، حيث كانوا حاضرين في الرؤية والموقف الفلسطيني دائما.
وشدد د. حمدونة على حديث زميله الباحث في قضايا الأسرى الأستاذ عبد الناصر فروانة في شكل العلاقة بين الأسرى والشهيد أبو عمار بأنها ، لم تكن مجرد علاقة مسؤول بمرؤوسيه، أو قائد بجنوده، فحسب، وإنما هي علاقة الأب بأبنائه، فهو من وصفهم في محافل عدة بأنهم خيرة أبناء الشعب الفلسطيني. فكان وفياً لقضيتهم وصادقا معهم وسخيا في دعمه لهم، ومتابعا لتفاصيل حياتهم وعلى تواصل دائم بهم، وحرص دوما على أن تبقى قضيتهم حاضرة وحية في كل الأوقات والمناسبات، وضمن الخطابات الشعبية والرسمية، وموجودة على أجندة اللقاءات العربية والدولية، وكثير ما أصر على إدراجها ضمن لقاءاته مع زعماء العالم، واصطحب معه مرارا أبناء الأسرى خلال لقاءاته مع شخصيات عربية ودولية ، وأنه أول من اعتبر الأسرى جنودًا، وأن رواتبهم يتم التعامل معها حسب رتبهم العسكرية، بالإضافة إلى قراراته باستيعاب الأسرى المحررين في القطاع العام "المدني والعسكري"، واحتساب سنوات الاعتقال كسنوات خدمة فعلية، مما قاد إلى إحداث نقلة نوعية في مكانة وحضور قضية الأسرى والمحررين على المستويين الوطني والسياسي، كما ولا ننسى دعمه لنضالات الأسرى وإضراباتهم عن الطعام، ونذكر هنا زيارته لخيمة الأسرى المحررين المضربين عن الطعام في غزة تضامنا مع إضراب الأسرى في السجون .
ولعل من مواقفه المهمة لحرصه على مشاعر أهالى الأسرى ما وصفه الكاتب زكريا المدهون حينما منع أمن "المنتدى" مقر الرئاسة في غزة مسيرة لأهالي الأسرى جاءت لمقابلته بعد اعتصام أسبوعي في مقر اللجنة الدولية لمنظمة الصليب الأحمر، ووصل الخبر الى "أبى عمّار" الذي غضب بشدة وقطع زيارته خارج "المنتدى" وتوجه فوراً الى أهالي الأسرى ووبخ حراس الحاجز الأول وقال لهم بلهجته المصرية: "دول خط أحمر"، ولا تزال مقولته المشهورة تتردد في كل المناسبات الوطنية... "خيرة أبناء شعبي في السجون"، وكان حريصاً أن لا يرفض يوماً لهم أو لذويهم طلب ، فساعد أسرى من أجل الزواج والأبناء والعلاج وغيرها الكثير، وأنشأ "مؤسسة الشهداء والجرحى والأسرى" التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية .
ووفقاً لتقرير هيئة شؤون الأسرى أن الرئيس الشهيد أبو عمار تواصل مع الاسرى داخل السجون بوسائل عديدة، ولعل مفاجأة إسرائيل كانت عندما تحدث هاتفيا مع أسرى سجن جنيد خلال مفاوضات إضراب عام 1992 ، دون أن يعرف الإسرائيليون أن الذي تحدث مع الاسرى هو القائد الكبير ياسر عرفات، وانتصر الاسرى في ذلك الاضراب التاريخي الذي شكل مفصلا في حياة الحركة الاسيرة.
وقال تقرير الهيئة أن الرئيس أبو عمار تصدى للمفاهيم العنصرية الإسرائيلية، والتي أرادت التعاطي مع الاسرى كمجرمين وإرهابيين مجردين من حقوقهم القانونية ولا تنطبق عليهم اتفاقيات جنيف ولا أحكام القانون الدولي الإنساني، وظل يتعاطى مع الأسير الفلسطيني كمقاتل شرعي له صفة نضالية وحقوقية وإنسانية، وتعرّض لضغوط لتجاوز ملف الأسرى خلال المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، لكنه كان يرفض ويصر على موقفه ما أدى الى الافراج عن الآلاف منهم .
ومنذ إبرام اتفاقية أوسلو عام 1993 وحتى عام 2000 ، أطلق سراح 12 ألف أسير وأسيرة فلسطينية من سجون الاحتلال من خلال الاتفاقيات المرحلية التي أبرمت مع الجانب الإسرائيلي، وقبل اندلاع انتفاضة الأقصى لم يكن في سجون الاحتلال سوى 1500 أسير فلسطيني، كان يفترض أن يحرروا في اتفاقية شرم الشيخ خاصة القدامى منهم، ولكن إسرائيل تنصلت من ذلك.
لقد اشرف الرئيس الراحل ياسر عرفات على معظم عمليات تبادل للاسرى التي أجرتها منظمة التحرير وحركة فتح مع الجانب الإسرائيلي، تم خلالها إطلاق سراح الآلاف من الاسرى والأسيرات، وكان الاسرى عنوانا وهاجسا يسيطر عليه في صراعه مع الاحتلال، وفي كل المعارك التي قادها خلال مسيرة حياته.