- المحامي علي ابوحبله
حملت التحولات الكبرى التي شهدها العالم والمنطقة نهاية القرن الماضي ، سواء على صعيد حرب الخليج الأولى ونتائجها (الكارثية) أو انهيار الاتحاد السوفيتي، تأثيرات ملموسة على واقع المنطقة و على واقع القضية الفلسطينية وعلى الانتفاضة ذاتها . وكان الخلل الكبير الحاصل في موازين القوى لصالح الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل، قد وجد تعبيراً مباشراً له خلال انعقاد مؤتمر مدريد عام 1991 الذي حمل "حلاً أميركياً للقضية الفلسطينية ينسجم مع الرؤية الأميركية لإعادة صوغ المنطقة مجدداً، وإحداث شرق أوسط جديد في إطار الإستراتيجية الكونية الأميركية
ولم يكن الحل المذكور يبتعد كثيراً عن الرؤية الإسرائيلية (ولا سيما اليمينية) عندما اعتبر بوش الأب أن الضفة الغربية وقطاع غزة مناطق متنازع عليها وليست محتلة، في حين أبلغ شامير رئيس وزراء إسرائيل المؤتمر بأن "إسرائيل بلد صغير ولا تستطيع أن تتنازل عن المناطق التي بحوزتها، و إن هناك الكثير من المناطق لدى العرب يستطيعون استيعاب الفلسطينيين فيها"، هذا فيما تنازل العرب والفلسطينيون و وافقوا على الطلب الأميركي الإسرائيلي بعدم إنشاء و فد فلسطيني مستقل، على أن يكون هناك وفد من الضفة والقطاع من ضمن الوفد الأردني للمفاوضات.
و سارعت حكومة الليكود إلى فرض المزيد من الحقائق الجديدة على الأرض الفلسطينية في الضفة والقطاع، على شكل "تسمين" المستوطنات القائمة، وبناء أخرى جديدة، وشق المزيد من الطرق الالتفافية، والإمعان في تمزيق الكتل السكانية الفلسطينية وتقطيع أوصالها وعزلها عن بعضها البعض، بحيث يستحيل تنفيذ أي تسوية إقليمية في المناطق من جهة، بينما تعطى إسرائيل من جهة أخرى الوقت الكافي (أكثر من ثلاثين عاماً حسب إسحاق شامير) للمفاوضات مع العرب.
وبين مماطلة الليكود في المسارات التفاوضية التي حددها مؤتمر مدريد، ومجيء حزب العمل بزعامة الثنائي رابين بيرس، جاء اتفاق إعلان المبادئ في أوسلو مفاجئاً للعالم وللفلسطينيين قبل غيرهم، في حين اعتبره رابين "تلك المعجزة التي طال انتظارها كثمرة للتحولات الدولية المذكورة ولوجود قابلية فلسطينية للاستجابة لها، وهو محرك أيضا لتحولات جديدة ليس فقط على صعيد البنى التي قامت على أساسه، بل كنتائج لها
و قد أنهى اتفاق أوسلو مرحلة من النضال الوطني بكاملها، وبشكل خاص (الانتفاضة الأولى)، ودشّن مرحلة جديدة برموزها وخطابها السياسي، ولكنه لم يكن تتويجاً للمرحلة السابقة، وإنما كان نقطة فارقة بين مرحلتين. ولعل الأزمة العويصة التي لازمت الوضع الفلسطيني ما يشكل كلمة السر لذلك. ذلك أن "البرنامج الذي أنتجته الحركة الوطنية الفلسطينية في تشكلها الثاني بعد انطلاقة العمل المسلح الفلسطيني وقيام م.ت.ف، لم يتحقق، مما شكل منعطفاً حاداً أمام العمل الوطني الفلسطيني ومأزقاً يلازم السلطة الفلسطينية وبقية فصائل العمل الوطني الفلسطيني
مماطلة حكومات إسرائيل المتعاقبة لرؤيا حل الدولتين ونجاح اليمين المتطرف الداعية لضم الضفة الغربية لإسرائيل دفعت الفلسطينيين للطلب من الجمعية ألعامه للأمم المتحدة والمتخصصة بإنهاء الاستعمار. والمسودة تضمنت نصاً تقوم الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجبه بطلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية يجيب على هذين السؤالين:
1. ما هي التبعات القانونية لانتهاكات إسرائيل المستمرة لحق الفلسطينيين بتقرير المصير واحتلالها الطويل واستيطانها وضمها للأراضي الفلسطينية وسياساتها التمييزية؟
2. كيف تؤثر تلك السياسات على الوضع القانوني للاحتلال الإسرائيلي وما هي التبعات القانونية لذلك على كل الدول وعلى الأمم المتحدة؟
* يعني تحويل هذا السؤال للمحكمة أنها يمكن أن تصدر رأيا بأن استمرار الاحتلال الإسرائيلي إلى الآن أصبح غير قانوني، بمعنى أنه ذاته يشكل "عدوانا" (وليس فقط أن أفعاله غير قانونية)، وبالتالي يجب أن ينتهي بشكل فوري (دون تعليق ذلك على الوصول إلى حل تفاوضي كما يجري حاليا من إسرائيل ودول العالم)، وأن ذلك يستتبع مسؤولية على الدول أن تأخذ إجراءات (دبلوماسية، اقتصادية...) لدفع إسرائيل لإنهاء احتلالها والتوقف عن تعليق حصول ذلك على المفاوضات لأنها ستصبح دعوة للتفاوض على شيء غير قانوني.
* المهم هنا، هو أن هذا الطلب تم تقديمه للجمعية العامة من خلال سعي فلسطيني رسمي، ولذلك، هناك ضغوط كبيرة حسب مواقع إعلامية متعددة تمارس الآن على قيادة منظمة التحرير لمنع ذلك من المضي قدما. لذلك يقول الخبراء الدوليون إن من المهم الآن إثارة الأمر في الإعلام وعلى المستوى العام والفصائلي لأخذ موقف موحد لدفع قيادة منظمة التحرير إلى الأمام ومنع هذه الضغوط من التأثير بما يؤدي إلى الرجوع خطوة إلى الخلف.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت