اعتبرت دول غربية أن دخول القوات الأوكرانية خيرسون يعد انتكاسة قويّة أخرى لموسكو بعد قرابة تسعة أشهر من بدء الحرب.
الانسحاب الروسي من خيرسون هو الثالث من حيث الحجم منذ بدء الغزو في 24 فبراير (شباط)، إذ اضطرّت روسيا للتراجع في الربيع خلال محاولتها السيطرة على كييف في مواجهة مقاومة أوكرانيّة شرسة، قبل طردها من منطقة خاركيف (شمال شرق) بشكل شبه كامل في سبتمبر (أيلول).
وبعد إعلانها استعادة المدينة رأت أوكرانيا أنها تسير نحو تحقيق "انتصار مشترك" للغرب، في حين رأت لندن وواشنطن في الانسحاب "خسارة استراتيجية جديدة" لموسكو. وأكد وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا السبت خلال لقائه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في كمبوديا "قلة من الناس آمنوا بأن أوكرانيا ستنجو... فقط بعملنا معاً يمكننا أن ننتصر ونخرج روسيا من أوكرانيا... سيكون انتصارنا المشترك انتصاراً لكل الدول المحبة للسلام في كل أنحاء العالم". وأشاد بلينكن "بالشجاعة الرائعة" للجيش والشعب الأوكرانيين، ووعد بأن الدعم الأميركي "سيستمر طالما لزم الأمر" لإنزال الهزيمة بروسيا.
وحسب تقرير لصحيفة "الشرق الأوسط"، نقلت قوات الاحتلال الروسي مركزها الإداري الإقليمي بعد انسحابها من المدينة. وذكرت وكالات أنباء روسية أمس السبت، نقلا عن متحدث باسم إدارة احتلال خيرسون، أنه جرى نقل جزء كبير من الإدارة الروسية بالفعل إلى بلدة هينيتشيسك. وتقع هينيتشيسك في أقصى الجنوب الشرقي لخيرسون، على بحر أزوف، وعلى مسافة عشرات الكيلومترات من شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو من أوكرانيا بالقوة في 2014. وغزت روسيا أغلب أرجاء خيرسون بعد فترة قصيرة من شن حربها على أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير (شباط) الماضي. وفي سبتمبر الماضي، ضم الكرملين خيرسون، وثلاث مناطق أوكرانية أخرى- زابوريجيا ولوهانسك ودونيتسك - إلى الاتحاد الروسي، في انتهاك للقانون الدولي.
يؤكد كبار مسؤولي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أن الانسحاب الروسي من خيرسون يشكل "انتكاسة" ستؤدي إلى "تداعيات استراتيجية". ووصف مستشار الأمن القومي جيك سوليفان هذا الانسحاب، بأنه "نصر استثنائي" لأوكرانيا. وقال للصحافيين، على متن الطائرة الرئاسية خلال توجهه إلى كمبوديا، "يبدو أن الأوكرانيين حققوا لتوهم انتصارا استثنائيا: العاصمة الإقليمية الوحيدة التي استولت عليها روسيا في هذه الحرب عادت الآن تحت العلم الأوكراني وهذا أمر رائع جدا". واعتبر سوليفان أن انسحاب القوات الروسية ستكون له "تداعيات استراتيجية أوسع"، بما في ذلك التخفيف من حدة التهديد الذي تشكله روسيا على المدى الطويل على مدن أخرى في جنوب أوكرانيا، مثل أوديسا. وأضاف: "هذه لحظة عظيمة وهي نتيجة مثابرة ومهارة مذهلتين لدى الأوكرانيين، بدعم موحد ومتواصل من الولايات المتحدة وحلفائنا".
واعتبر وزير الدفاع البريطاني بن والاس هو الآخر أن الانسحاب الروسي من المدينة يشير إلى "خسارة استراتيجية جديدة" لموسكو، ورأى أن الخسارة ستزرع الشك في صفوف الرأي العام الروسي. وقال والاس في بيان "الانسحاب من خيرسون الذي أعلنته روسيا يشير إلى خسارة استراتيجية جديدة لهم. وأضاف "حالياً ومع (هذه المدينة) التي انسحبوا منها أيضاً، يجب أن يتساءل الناس في روسيا: ما الجدوى من كل ذلك؟".
وفي حين سحبت روسيا قواتها لتتمركز في مواقع دفاعية، اعتبر والاس أن الغزو الروسي في فبراير (شباط) "لم يجلب سوى العزلة الدولية والإهانة"، لموسكو. وأضاف: "تستمر كل من المملكة المتحدة والمجتمع الدولي في دعم (الأوكرانيين) وفي حين نرحب بالانسحاب لا نستخف بالتهديد الذي تشكله روسيا".
وأشارت تقديرات الاستخبارات البريطانية إلى أن استعادة القوات الأوكرانية لخيرسون يعني إضرارا كبيرا بسمعة روسيا. وذكرت وزارة الدفاع البريطانية صباح أمس السبت في تحديثها الاستخباراتي اليومي لتطورات الحرب أن "الانسحاب يعد اعترافا صريحا بالصعوبات التي تواجهها القوات المسلحة الروسية على الضفة الغربية لنهر دنيبرو". وشككت الوزارة في أن روسيا أجلت قواتها وعتادها في أقصر وقت ممكن، مشيرة إلى أن من المرجح أن الانسحاب بدأ بالفعل في الثاني والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عندما طالبت إدارة الاحتلال الروسي السكان بمغادرة المدينة.
إلى ذلك، يعتقد المسؤولون الأميركيون أن قرار روسيا بالانسحاب من مدينة خيرسون، استند جزئيا إلى مخاوف من أن جنودها سيُحاصرون وينقطعون عن الإمدادات مع حلول فصل الشتاء. وفيما كانوا يقدرون أن يستغرق الانسحاب أسبوعين، أنجزت القوات الروسية انسحابها في أيام.
ويؤكد مسؤولو إدارة بايدن أن العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا ستظل متوقفة حتى العام المقبل، بعد التقدم الأخير للقوات الأوكرانية، الذي قوض آمال موسكو في الاستيلاء على المزيد من الأراضي. ويتوقع القادة العسكريون الأميركيون أن تواصل موسكو مهاجمة القوات والقواعد والبنية التحتية وشبكة الكهرباء الأوكرانية، لأن فصل الشتاء من شأنه أن يجمد العمليات العسكرية الهجومية من الطرفين. وكان كولن كال، وكيل وزارة الدفاع للشؤون السياسية، قد أشار الأسبوع الماضي، إلى تباطؤ العمليات العسكرية في أوكرانيا خلال الشتاء. وقال للصحافيين: "نرى بالفعل أن الطقس السيئ في أوكرانيا يبطئ الأمور قليلاً". "لقد أصبح الأمر موحلا حقا، مما يجعل من الصعب القيام بهجمات واسعة النطاق". وأضاف: "يجب أن نتوقع أن يتبادل الجانبان نيران المدفعية". "يبدو أن الروس عازمون على الاستمرار في إطلاق صواريخ كروز والطائرات بدون طيار الإيرانية على البنية التحتية المدنية الأوكرانية". وقال إن موسكو قد تستمر في ذلك، "لذا ستستمر الحرب، حتى لو تغيرت حدتها إلى حد ما".
وفيما يتوقع البنتاغون أن تعمد روسيا إلى استغلال التوقف المؤقت للعمليات الهجومية، من اجل إعادة تجميع وتدريب وتجهيز جيشها، تشير تقديرات استخبارية إلى أن روسيا قد لا تكون قادرة على إعادة تصنيع معداتها العسكرية، في ظل الصعوبات التي تواجهها من العقوبات التي فرضت عليها. في المقابل، يقول مسؤولو إدارة بايدن إنه من الضروري استخدام فترة الشتاء لإعادة بناء إمدادات الجيش الأوكراني بالأسلحة الهجومية والدفاعية.
ويقول محللون عسكريون إنه خلال فترة التوقف التي تلوح في الأفق، سيعيد الجانبان تدريب القوات أيضا ويستعدان لمعركة جديدة في فبراير (شباط) المقبل. لكنهم يحذرون من أن "وقف إطلاق النار قد يكون مفيدا من الناحية التكتيكية لروسيا أكثر، في تثبيت سيطرتها على الأراضي المحتلة". ويضيف هؤلاء أنه ليس من مصلحة أوكرانيا أن توقف عملياتها، وخصوصا عمليات التخريب خلف خطوط العدو، واستهداف البنية العسكرية والمدنية لسلطة الاحتلال الروسية، خاصة وأن روسيا ستواصل استهداف البنية التحتية المدنية وشبكة الكهرباء. ويرجح مسؤولون أوكرانيون قيام روسيا باستهداف إمدادات المياه أيضا. ورغم ذلك، يرى مسؤولون في إدارة بايدن أن هناك حدودا لقدرة روسيا على مواصلة حملتها التدميرية للبنية التحتية، مع تضاؤل إمداداتها من الصواريخ طويلة المدى الموجهة بدقة. وبحسب تقارير استخبارية أميركية، فقد استخدمت موسكو طائرات إيرانية بدون طيار لتعويض النقص، وليس من الواضح بعد كم هو عدد الطائرات الذي يمكنها الحصول عليه، مع تصاعد قدرات الدفاعات الأوكرانية في إسقاطها. ولا تملك الاستخبارات الأميركية تقديرا دقيقا لما تبقى من مخزونات روسيا من الذخيرة الموجهة بدقة، بما في ذلك صواريخ كروز والطائرات بدون طيار، في الوقت الذي تعاني فيه قاعدتها الصناعية العسكرية من مشاكل حقيقية.