رضوانيات .....الحلقة الثانية عشرة ....... شورباء الفقير وكرش المسؤول...!!!

بقلم: رضوان عبد الله

رضوان عبد الله
  •   بقلم سفير الاعلام العربي عن دولة فلسطين ، الكاتب والاديب العربي الفلسطيني الاعلامي د. رضوان عبد الله*
  • *رئيس الهيئة التنفيذية،الاتحاد العام للاعلاميين العرب

   كان في احد صفوف المدارس معلمة فطنة وزكية العقل ورهيفة القلب ورحيمة الوجدان ، تلك المدرسة تضم بين جنباتها تلامذة فقراء واخرين من الطبقة الغنية نوعا ما، فلا طبقة متوسطة في لبنان منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن حسب كل التقديرات الاحصائية والسكانية.
وفي هذه الايام العصيبة التي يمر بها لبنان وتمر به الازمان، تسمع اشكالا وترى الوانا من القهر والذل والهوان مما يمر به ساكنوا هذا البلد الصغير بالمساحة والكبير باتساع الفقراء من مواطنين و نزلاء محليين ولاجئين ونازنحين ،>>>

   فتارة تسمع عن تلميذ يرمي (سندويشته) جنب الحائط وتلاحظه معلمته فتسأله وتصيبها صدمة حين يجيبها باستحياء ان امه منذ اكثر من اسبوع تعطيه الساندويشة فارغة من اي نوع من الاجبان او الالبان او بقية طعام يقتات به خلال اليوم الدراسي،فما كان منها الا ان رأفت به واشترت له ما استطاعت كي ترضي خاطره المكسور من جور الدهر والحكام.   وتارة اخرى نسمع عن اخ واخت يتبادلون السندويسة ،فيوم تعطي الام (لفة عروسة اللبنة و الجبنة) للصبي ويوم اخر للبنت ،كي تعدل بين ولديها بالزوادة المدرسية كما تعدل بينهما بالمحبة والحنان،حيث لا امكانية لاعطائهما سندويشتين يوميا واحدة لكل منها لان ظروف العيش مميتة وليست فقط مقيتة.وهكذا تمضي الايام بالنسبة لكثير من الاطفال ومعهم ابائهم وامهاتهم او اولياء امورهم بشكل عام.لكن المؤسف المخزي حين تكون اللامسؤولية الادبية والتربوية مسيطرة على نفوس بعض المعلمين او المعلمات،رغم ان حرصهم على مشاعر التلامذة يجب لن يكون مسيطرا على قلوبهم قبل عقولهم بحكم موقعهم كمربيين ومربيات قبل ان يكونوا ممعلمين او معلمات ، وهذا يستدعي االتصرف بحرص من موقع المسؤولية الادبية ومن موقع حمل الرسالة التربوية.
   و الملامة الكبرى على المربي اكثر بكثير على اي من المسؤولين ،ايا كانوا فكلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته، خصوصا اولئك الذين تكرشت بطونهم وغارت رقابهم على اكتافهم فذهبت بالرقاب وتركت تحت صدورهم اشبه ما تكون سفوحا تعلو عليها الهضاب.وهنا اتذكر كيف كانت منذ نحو ثلاثة عقود مخيمات للاجئين تئن تحت وطأة قلة الامكانيات وظروف معاشات الجماهير وفي احدى زوايا مخيم فقيرة احياؤه والجماهير المناضلة تترقب ناقة الله وسقياها واذ برائحة الشواء تنبعث مع هبوب نسمائية اتية من الغرب لتنتشر على اكناف المخيم لتتبين انها آتية من صوب بيت مسؤول...وهو غير مسؤول عن مشاعر الناس و اذيتها بل مسؤول عن تعبئة الكرش حتى لو كلف ذلك انتهاك انفاس ومناخير الجماهير واختراق دخان اللهب عيونهم وتعمية بصرهم بالغبار وعبق الشواء معا،مما ولد حالة من القرف والاشمئزاز صرحت بها عموم الجماهير علانية ومن كل فج عميق.
   وبالعودة الى المعلمة المصونة التي تتفاخر بانها عملت اليوم طبخا كذا وكذا وعملت امس طبخة زكية وطيبة ،واول من امس اطعمت اولادها بالمطعم العلاني،وتنوي اليوم ان تعزمهم على اكلة طيبة ، ولا زالت تفكر ماذا ممكن ان تطبخ لهم طعاما طيبا زكيا كي تكمل الاسبوع وهم مرتاحين نفسيا من ادائها تجاههم واهتمامها بهم...وهذا ما لا نرفضه طبعا ان كان الامر بينها وبين اولادها وزوجها،ادامهم الله لبعض كعائلة سعيدة وميسورة بنفس الوقت،واكرمهم واكرم جميع الشعب الفقير والغني ايضا،وازال الله الطبقية من بين الشعوب،واذهب الفقر والعوز عن كل رعيته.
   لكن ما حصل من جواب احد التلامذة يدعونا ان نفكر مليا قبل ان نحدث بعشوائية الذين هم يسمعوننا ، او ان نتحدث بدون التفكير بما يمكن ان نقوله وخصوصا اننا نعيش بمجتمع معظم اهله فقراء وربما القلة منهم ميسوري الاحوال....احد التلامذة قال بوجع والم وربما بحسرة...والله يا معلمة لازم تخففوا شوي من الاكل ومن الوجبات الجاهزة لان نحن لليوم الرابع وامي تحتاس لنا شورباء....
   ولا اعتقد ان تكون الشورباء الا عدسا"،  هذا ان كانت تتضمن الشورباء عدسا ، وطبعا لتكرار الطبخة لا يمكن ان تكون الشورباء بلحمة او بدجاج....!!! واظن انه في هذه الايام ، وفي هذه الظروف العصيبة التي يمر بها لبنان العزيز، فان التلميذ واهله وكثيرا من رفقائه وزملائه وكثيرون مثله ينامون بدون عشاء لانهم فقط يتناولون وجبة شورباء يوميا ، ربما باردة ، ولاربعة ايام بل ربما للعديد من الايام ان لم يكن اسابيع...ولا زال مسؤولوا الشعوب يفكرون ويتهامسون بظنون الى اي مطعم يذهبون.....!!!

*رئيس الهيئة التنفيذية،الاتحاد العام للاعلاميين العرب

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت