تقدير موقف : واقع عملية سلفيت الاستشهادية واختلاط الأوراق السياسية والأمنية مع تداعياتها

بقلم: معتز خليل

معتز خليل.jpg
  • معتز خليل – باحث سياسي مقيم في لندن

تداولت بعض من التقارير الصحفية الفلسطينية تقديرات تشير إلى توجيه بعض من كبار القائمين على أجهزة الأمن الفلسطينية لانتقادات بشأن قيام حركة حماس باستغلال الهجوم الأخير الذي وقع في مدينة أرييل من أجل تشجيع الشباب على مواصلة العمليات الاستشهادية من أجل ضرب الاحتلال، وهو ما يدفع بالاحتلال إلى التهديد بضرب استقرار السلطة الفلسطينية بعد فترة من الهدوء، الأمر الذي يزيد من دقة هذه الأزمة.
ما الذي يجري؟
قام أحد الشبان الفلسطينيين ويدعى محمد مراد سامي صوف من بلدة حارس في سلفيت بتنفيذ عملية استشهادية في إحدى المستوطنات الإسرائيلية ، وهي العملية التي راح ضحيتها 3 مستوطنين وأصيب 5 آخرين بجراح خطيرة نتيجة لقيام الاستشهادي بهذه العملية التي وقعت في 3 مناطق داخل مستوطنة “أرئيل” الصناعية المقامة على أراضي سلفيت.
عدد من القيادات الأمنية الفلسطينية أعلنت خلال اجتماعات خاصة أن حركة المقاومة (حماس) تتعمد التصعيد في الضفة الغربية ، وهو ما ينعكس سلبا  على منظومة "الاستقرار الاستراتيجي" للسلطة الفلسطينية ، الملزمة بالتنسيق امنيا مع إسرائيل ، وهذا أشار إليه الرئيس محمود عباس أخيرا في الحوار الذي أجراه مع الإعلامي تامر حنفي عبر فضائية القاهرة الإخبارية .
الأدبيات الأمنية الفلسطينية باتت توجه انتقادات حادة لحركة حماس ، وفي هذا الصدد حرصت قيادات أمنية فلسطينية إلى إشراك القاهرة والدوحة تحديدا في هذا الأمر ، والتأكيد على أن التصعيد العسكري في الضفة لن يفيد أي طرف ، وسيضر فقط بالضفة الغربية.
وكان هناك خيطا حرصت العناصر الأمنية الفلسطينية على وضعه في هذا الصدد ونمقله تحديدا لمصر ، مفاده أن بعض من سياسات التصعيد العسكري للمقاومة يتم بناء على تعليمات من إيران تحديدا ، لكسب نقاط استراتيجية لصالح طهران ، وهو ما انتبه إليه المصريون وإدارة فلسطين وإسرائيل بجهاز المخابرات.
نفس هذا الخيط نقلته أيضا عناصر الأمن الفلسطيني للقاهرة وللدوحة عقب التصريحات التركية الأخيرة والتي أشارت إلى رفض أنقرة المساس بتواجد أي من عناصر حركة حماس على أرضيها ، وهو ما يأتي للمكاسب التي تتحقق مع وجود هذه العناصر بتركيا وتخوف أنقرة من سطوة إيران مع امتلاكها لبعض من المفاتيح الاستراتيجية في هذا الملف.    
تباين إسرائيلي
والحاصل فإن التباين الاستراتيجي بين المقاومة والسلطة يلقي أيضا الضوء على تباين آخر في إسرائيل ،  والواضح إن عملية سلفيت الأخيرة تحمل عدد من الرسائل الدقيقة ابرزها:
1-    سهوله تحرك الاستشهادي بين جنبات المستوطنة ، وما تردد عن حمله لتصريح للعمل في إحدى الشركات التقنية ، وهو ما سهل له دخول المستوطنة ، ويكشف ذلك عن :
أ – تخطيط سليم قبل العملية
ب- دراسة عسكرية ذات خبرة قامت بتجنيد الشباب وتوجيهه للقيام بهذه العملية المعقدة
ج- نجاح واضح في التغلب على العراقيل الأمنية التي تضعها بعض من الأجهزة الإسرائيلية المكلفة بالحماية الأمنية في المستوطنات.
2-    بات من الواضح ان هناك حربا استخباراتية شرسة بين عناصر المقاومة من جهة وبين عدد من القيادات العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية بصورة لافته ، وهناك نجاح للمعسكر الأول ، وهو ما دفع برئيس هيئة الأركان الإسرائيلي "أفيف كوخافي" إلى الاعتراف بخطورة هذه العمليات ووجود ثغرات أدت إلى العجز في مواجهتها.
3-    على غير المعتاد أعلنت قيادة الجيش الإسرائيلي خلال الساعات الماضية عن أحاله بعض من العسكريين إلى التقاعد ومعاقبة بعض من العسكريين الآخرين بسبب عجزهم عن التصدي للمقاومين الفلسطينيين ، وكان لافتا نشر أخبار هذه العقوبات لدى عدد منم المحررين العسكريين في الصحف ، وهو أمر يشير في الثقافة العسكرية الإعلامية للجيش الإسرائيلي لإهانة لافتة وخاصة وأن الجيش الإسرائيلي يقوم دوما بتشكيل لجان للتحقيق في كثير من الحوادث دون نشر نتائجها إلا بعد فترة ، غير أن انتهاج هذا الأسلوب الجديد في نشر العقاب يعني :
أ‌-    بات من الواضح ان هناك خلافات بين قيادة حرس الحدود وبعض من الأجهزة الاستراتيجية بالجيش مع المخابرات العسكرية في أسلوب الحماية العسكرية لبعض من المنشآت ومنها المستوطنات
ب‌-    من الواضح ايضا عدم رضا جهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلي  عن بعض من الأجهزة الدوائر الأمنية التي تقوم بحماية المستوطنات ، وتكرار هذه الحوادث والعصبية التي بات عليها رئيس الأركان مع كل زيارة يقوم بها لأحد المواقع التي تقع فيها عملية استشهادية يؤكد ذلك.
4-    يقوم جهاز شاباك بالتنسيق مع المخابرات العسكرية لحماية المستوطنات ، والتنسيق أو التعاون هنا يتم عن طريق نقل أسماء وتحركات لأفراد المقاومة ويقوم جهاز المخابرات العسكرية بالتنسيق مع الجيش في اتباع استراتيجية دفاع للمستوطنات بحرص ، غير أن هناك عدم تنسيق واضح خلال الفترة الأخيرة ، وهو ما ظهر على ملامح رونين بار خلال اجتماعه الأخير مع رئيس هيئة الإركان الإسرائيلي عقب عملية القدس الآخيرة.
5-    خلال الفترة الأخيرة ارتفعت لغة وأسلوب انتقاد عمل جهاز الشاباك في الصحف الإسرائيلية ، وهو ما كان واضحا تحديدا مع ذكرى اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل يتسحاق رابين والكشف عن وجود عناصر يهودية متشددة بجهاز الشاباك دعمت بصورة غير مباشرة اغتيال رابين
6-    قامت جمعية حقوق المواطن أخيرا بالكشف عن قيام شاباك بالتجسس على الهواتف الخاصة ببعض من الصحفيين  ، وهو ما اعترف به الجهاز مشيرا إلى انه قام بذلك في إطار عمل أمني خاص
من خلال ما جرى بات واضحا ان هناك خلاف أمني إسرائيلي يؤثر على المنظومة الدفاعية للمستوطنات
تقديرات استراتيجية
بات من الواضح ان منظومة العمليات الاستشهادية لن تتوقف بسهولة ، خاصة وأنها دخلت إلى منظومة "المصالح الإقليمية" سواء في تركيا أو إيران ، الأمر الذي يزيد من دقة هذه النقطة بالنهاية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت