- منة السيد باحثة في العلوم السياسية
بالرغم من أن شعارها كان " أهلا بكم أرحبوا"، غير أن العديد من الغربيين لم يتلقوا الرسالة بعد، حيث تتعرض قطر المستضيفة لكأس العالم لكرة القدم FIFA 2022 منذ سنوات، لموجة من الانتقادات التي زادت حدتها خلال الأشهر القليلة الماضية. ومع بدء العد التنازلي لإنطلاق البطولة، غردت العديد من الأصوات الغربية التي تهدف إلى كسر عزيمة القطريين بصفة خاصة والعرب بصفة عامة، في محاولة لتشويه سمعة البطولة وافشالها حتى قبل أن تبدأ.
حملة ممنهجة
الحملات الغربية التي تشنها العديد من الصحف العالمية، تهدف لخلق بلبلة والتقليل من شأن الانجازات القطرية وتحضيراتها لمونديال ،2022 وهو ما أكده المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط، والذي كشف في تقرير له عن تصاعد حدة الانتقادات الموجهة ضد قطر بمشاركة العديد من الصحف البريطانية والفرنسية، التي تحرض على بطولة كأس العالم المقررة في قطر هذا الشهر.
وبحسب تقرير المجهر، فقد اعتبرت العديد من الأوساط الإعلامية والحقوقية “أن ما يجري نشره من تقارير في صحف بريطانية وفرنسية عشية انطلاق كأس العالم، يندرج في إطار التحريض المكشوف من دون تقديم أدلة أو إثباتات”.
وأشارت تلك الأوساط في البيان "إلى أن هذه التقارير يتم نشرها من دون أيّ إضاءة على تعامل قطر مع الاتهامات الموجهة إليها أو التحسينات التي أدخلتها على قوانين العمل، أو الحريات.
وأشار المرصد الذي يعرف نفسه أنه مؤسسة أوروبية تعنى برصد تفاعلات قضايا الشرق الأوسط في أوروبا، أنه مع بدء العد العكسي لصافرة البداية، تكثفت الحملة على قطر، تحديداً في الإعلام الغرب، والذي حاول على مدار اشهر لقيادة حملة مغرضة ضد كأس العالم 2022.
وفي بيانات جمعها المرصد فقد تبين أنه منذ 20 سبتمبر/أيلول حتى الآن، نشرت صحيفة ذا غارديان البريطانية وحدها 27 تقريراً (بمعدل نحو تقرير واحد كلّ يوم) تهاجم فيها قطر مباشرةً، وهو ما فعلته كذلك مؤسسات إعلامية أخرى وهو ما يدل على السياسة الممنهجة في انتقاد قطر ومونديال 2022.
الهجوم على مونديال قطر لم يتوقف عند الصحافة بل تعدى إلى المقاطعة حيث أعلنت العاصمة الفرنسية باريس انضمامها إلى عدة مدن قررت الامتناع عن عرض المباريات التي تنطلق الشهر القادم، على شاشات عملاقة أو تخصيص أماكن للمشجعين.
وبرر رؤساء بلديات المدن الفرنسية قرارهم بملف حقوق الإنسان في قطر وسوء معاملة العمال وما يشاع عن وفاة أعداد كبيرة من العاملين في بناء منشآت المونديال القطري وملاعبه الثمانية، فضلا عن توفير الطاقة دون ذكر أي دلائل على الموضوع.
باريس ليست الوحيدة التي منعت نقل المباريات في الساحات العامة، فقد سارت على خطى مدن فرنسية عدة مثل مرسيليا وبوردو ونانت وريمس أو ستراسبورغ وليل وروديه التي اتخذت قراراً مماثلاً بشأن الحدث الذي تنظمه قطر بين 20 تشرين الثاني/نوفمبر و18 كانون الأول/ديسمبر.
رد فعل قطري
من الطبيعي أن يكون لكل فعل رد فعل، فبداية استقبلت قطر كل الانتقادات من باب الإصلاح وتصحيح الأخطاء، غير أن الموضوع تعدى لأبعاد خطيرة وصفها وزير العمل القطري علي بن صميخ المرّي، بأنها تحمل "عنصرية" في جزء منها.
وقال المرّي في مقابلة مع وكالة فرانس برس في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر، "هم لا يريدون السماح لدولة صغيرة، دولة عربية، دولة مسلمة، أن تنظّم كأس العالم. هم على بيّنة تامّة من الإصلاحات التي حصلت، لكنّهم لا يعترفون بها لأنّ دوافعهم عنصرية".سبق وصرح مسؤولون قطريون بأنه "من الصعب جدًا على البعض استيعاب أنّ دولة عربية إسلامية تقيم هذه البطولة، وكأن هذا الحق لا يمكن أن يكون لدولة عربية".
وأوضح وزير العمل القطري، أن الحملة التي يديرها البعض ضد قطر زادت وتيرتها خلال الأسابيع الماضية دون وجود أي مبررات حقيقية، مشيراً إلى أن ما تتعرض له بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022 “يرقى إلى إرهاب فكري وإعلامي وحرب نفسية بدواعي عنصرية من بعض الجهات التي لا يروق لها تنظيم البطولة في قطر”. ولفت المري إلى “أن المونديال هو حلم لأجيال عربية ومسلمة سيتحقق على أرض قطر”.
وطالب وزير العمل القطري، المنظمات الحقوقية الدولية “اتخاذ مواقف حازمة ضد كل من يمارس الهجمة العنصرية والكراهية ضد الشعب القطري ومنتخبه الوطني”، مؤكداً “ضرورة أن تقوم المنظمات برصد كافة الانتهاكات العنصرية غير المبررة”.
وأشار إلى أنه من غير المنطقي نشر وسائل إعلامية أن 6500 عامل لقوا حتفهم خلال فترة بناء وتجهيز منشآت كأس العالم FIFA قطر 2022، أي بمعدل حالتي وفاة يومياً، الأمر الذي ينافي المنطق ولا يستطيع العقل تصديقه، لافتا إلى أن هناك من قال إنها 10 آلاف وغيرهم تحدثوا عن 15 ألف حالة وفاة فيما يشبه المزاد.
وتابع: "حجم الافتراءات والادعاءات التي تم نشرها خلال الشهرين الماضيين ضد استضافة دولة قطر لبطولة كأس العالم FIFA قطر 2022 لم تتعرض له أي دولة استضافت البطولة في السابق، الأمر الذي بات يثير تساؤلات كثيرة حول الدوافع الكامنة وراء هذه الحملة الشرسة وأهدافها".
وشدد على أن قطر تبنت بشكل متسارع، خلال السنوات الماضية، تنفيذ سلسلة من الإصلاحات العمالية، وبشهادة من منظمات العمل واتحادات العمال المتخصصة، إلا أن بعض الجهات تحاول تجاهل كل تلك الحقائق، وأن تلك الجهات تعيد نشر وتبني إحصاءات وادعاءات لا أساس لها من الصحة في حملتها الممنهجة ضد بلاده.
ونبه إلى أن قطر طالبت مراراً وتكراراً في العديد من المحافل الدولية، من مدعي الافتراءات تزويدها بالوثائق حول أعداد الضحايا وأسمائهم والمنهجية العلمية التي اعتمدوا عليها في تحديد مبالغ التعويضات، لكن لم يتم تقديم أي وثائق فعلية، حيث لا يتعدى الأمر سوى فقاعات إعلامية تصدر هنا وهناك.
من جهته تحدث أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ضد الحملة التي تستهدف البلاد، وقال في خطاب أمام المجلس التشريعي القطري "تعاملنا مع الأمر في البداية بحسن نية، بل واعتبرنا أنّ بعض الانتقادات كانت إيجابية ومفيدة، مما يساعدنا على تطوير جوانب من جوانبنا بحاجة إلى تطوير". وأضاف "لكن سرعان ما اتضح لنا أن الحملة مستمرة وتتوسع وتشمل تلفيقًا وازدواجية المعايير حتى وصلت إلى مستوى من الضراوة جعل للأسف الكثيرين يشككون في الأسباب الحقيقية والدوافع وراء هذه الحملة".
وخلال جولة أوروبية قام بها في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، أجرى وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني مقابلات مع وسائل إعلام أوروبية ردّ فيها على الاتّهامات الموجّهة لبلاده.
وفي مقابلاته مع قناة "سكاي نيوز" التلفزيونية البريطانية وصحيفتي "لوموند" الفرنسية و"فرانكفورتر ألجماينه تسايتونغ" الألمانية، قال "هناك الكثير من النفاق في هذه الهجمات، التي يقف وراءها عدد ضئيل جداً من الناس، في عشر دول على الأكثر"، مشدّداً على أنّ "كرة القدم ملك للجميع، وليست نادياً حصرياً للنخب".
كما حرصت الدوحة على أن يتضمّن البيان الختامي للقمة العربية التي عقدت في الجزائر في الثاني من الجاري فقرة تندّد بـ"حملة التشويش والتشكيك المغرضة" التي تتعرّض لها قطر، وتؤكّد أن القادة العرب "يساندون دولة قطر التي تتأهب لاحتضان نهائيات بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 ويثقون ثقة تامة في قدرتها على تنظيم طبعة متميزة لهذه التظاهرة العالمية".
من جهة اخرى قال الرئيس التنفيذي لمجموعة الخطوط الجوية القطرية أكبر الباكر الأحد "مع كل الدعاية السلبية في الصحافة وكل الإعلانات السلبية المدفوع ثمنها ضدّ بلدي، أريد أن أقول شيئاً واحداً: بلدي سيكون بالفعل محطّ أنظار العالم خلال الأسابيع الخمسة المقبلة إذ سيشاهده خمسة مليارات شخص حول العالم، لذلك ستظهر كل الأخبار الزائفة فشلها".
الانجاز أبلغ رد على الانتقاد
ولأن ابلغ رد على الانتقاد أكّدت المديرة التنفيذية لإدارة الاتصال والإعلام في اللجنة العليا للمشاريع والإرث فاطمة النعيمي أن الإنجازات التي تحقّقت على طريق الإعداد لاستضافة كأس العالم قطر 2022، أبلغ رد على ما واجهته فرق العمل من انتقادات طوال رحلة متواصلة على مدى أكثر من 12 عامًا، لتنظيم النسخة الأولى من المونديال في العالم العربي.
وقالت النعيمي "تعرّضنا للعديد من الهجمات الإعلامية، التي لم نتأثر بها ولم تؤثر في جدّيتنا في العمل، وكنا نردّ على كل نقد بإنجاز جديد في رحلة التحضير للمونديال، مثل الإعلان عن جاهزية الملاعب ومرافق البطولة، أو استضافة البطولات للارتقاء بالعمليات التشغيلية، ومواصلة عملنا على الوجه الأكمل، في سبيل استضافة نسخة استثنائية من كأس العالم على أرض قطر".
وأوضحت النعيمي أن استضافة كأس العالم فرصة مثالية لتغيير التصورات النمطية عن قطر والمنطقة، مشدّدة على أن رحلة الإعداد للبطولة امتدّت لسنوات طويلة، ومن الطبيعي أن يواجه الفريق الكثير من التحديات.
وأشارت إلى أن هذه أول بطولة بهذا الحجم في المنطقة، ومعظم التحديات كانت جديدة من نوعها، مضيفة: "نجحنا في تخطي جميع التحديات، حتى تلك التي فاجأتنا ولم تكن في الحسبان؛ مثل جائحة كوفيد-19، فقد ساعدنا إعداد خطط بديلة على إكمال كل مشروعاتنا ضمن الجداول الزمنية المقرّرة."
شهادات أوروبية
من جانبها، أكدت ماريا أرينا رئيسة اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي، أن هناك العديد من منظمات حقوق الإنسان التي تحدثت عن أوضاع العمالة في دولة قطر، لا سيما التي تعمل ضمن مشاريع بناء وتجهيز منشآت بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، منوهة بترحيب منظمة العمل الدولية بالتقدم الذي أحرزته دولة قطر فيما يتعلق بالتشريعات العمالية على الرغم من وجود بعض التحديات.
وأوضحت أرينا أن دولة قطر حققت خطوات ملموسة ونفذت مبادرات في قطاع العمل لاقت ترحيباً من قبل المنظمات الدولية، لا سيما ما يتعلق بإلغاء نظام الكفالة وإعطاء الحرية الكاملة للعمال في تغيير جهة العمل.
بدوره، أكد ماكس تونيون رئيس مكتب منظمة العمل الدولية في دولة قطر، أن دولة قطر أقرت خلال السنوات العشر الماضية سلسلة من التشريعات والقوانين والأنظمة لتحسين بيئة العمل، لافتا إلى أنه خلال العامين الماضيين، وضمن إلغاء نظام الكفالة، تم تغيير جهة العمل لأكثر من 350 ألف عامل.
وبين أن الإصلاحات العمالية التي تم اعتمادها خلال السنوات الماضية في دولة قطر عظيمة، مشيراً إلى أن 86 بالمئة من العمال أكدوا، وفقاً لاستبيان بحثي، أن الإصلاحات العمالية كان لها الأثر الإيجابي على حياتهم.
انجازات قطر لمونديال 2022
فازت قطر بحقّ تنظيم نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2022، بعدما اختيرت في التصويت الذي جرى في مقر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، في مدينة زيورخ السويسرية، وشارك فيه أعضاء اللجنة التنفيذية للاتحاد. وأعلن رئيس الفيفا السابق، جوزيف بلاتر، عن نتيجة التصويت لتصبح قطر أول دولة عربية وكذلك أول دولة في الشرق الأوسط تستضيف هذه البطولة.
وكان الملف القطري لتنظيم كأس العالم 2022 الذي تم تقديمه إلى الفيفا، تعهّد بتنفيذ العديد من الجوانب الاقتصادية والرؤية البعيدة في تحقيق معايير الاستدامة في البيئة من حيث الطاقة والمنشآت المواكبة للتطور. وقدمت قطر حينها أيضًا، التزامًا حكوميًا رسميًا بأن يتحقق النجاح في التنظيم وفق البنية التحتية التي قُدمت في عرض الملف القطري والتطوير الذي سيتم لاستضافة الحدث وتنظيمه.
ووفقًا للبيانات الحكومية وتصريحات المسؤولين، أنفقت قطر نحو 220 مليار دولار على البنية التحتية ومشروعات تنموية عملاقة، وذلك في 11 عامًا منذ فوزها باستضافة هذه البطولة. ومن بين هذه المشاريع تجهيز الملاعب المونديالية، والبنية التحتية من شوارع وجسور وأنفاق ومسارات للدراجات الهوائية وحدائق عامة ومتنزهات، إضافة إلى إنشاء شبكة سكة حديد لقطارات المترو والترام، إلى جانب الفنادق وأماكن إقامة المشجعين، وتوسعة مطار حمد الدولي، ومشاريع أخرى.
ومنذ فوزها باستضافة المونديال، انطلقت قطر بتشييد 8 ملاعب ذات تصاميم مبتكرة مزجت بين الموروث الشعبي والحداثة، حصلت جميعها على شهادة المنظومة العالمية لتقييم الاستدامة "جي ساس"، بتصنيف 4 أو 5 نجوم، وتم تجهيزها بتكنولوجيا للتبريد بالطاقة الشمسية.
و"جي ساس" هي منظومة اعتمدها الاتحاد العالمي لكرة القدم "فيفا" لضمان تلبية البنية التحتية الخاصة بالبطولة لمجموعة من المعايير البيئية الصارمة، بحسب تقرير لوكالة الأنباء القطرية "قنا".
بحسب "اللجنة العليا للمشاريع والإرث" الموكلة بتنظيم مشاريع مونديال قطر، سيترك المونديال إرثًا عالميًا يضع معايير جديدة على صعيد تنظيم الأحداث الرياضية الكبرى في المستقبل.
فجميع الملاعب صمّمت لتكون صديقة للبيئة مع إمكانية التحكم بدرجة الحرارة داخلها، كما تتمتع بعناصر قياسية سيعاد تشكيلها بعد البطولة، لتصبح تراثًا دائمًا لكأس العالم 2022.
فبعد انتهاء المونديال، سيتم تفكيك حوالي 170 ألف مقعد، ومنحها إلى الدول النامية لإنشاء 22 ملعبًا بسعة مقاعد تتراوح بين 20 إلى 25 ألف مقعد، وهي الرؤية التي لبرزت التطور الهائل الدي وصلت له قطر في مجال تصميم ملاعب كرة القدم، لتخلق بذلك معايير خاصة بها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت