الملك نتنياهو ودولة "التوراة اليهودية"... دولة "سمعان" بنهكة جديدة

بقلم: فراس ياغي

فراس ياغي
  • بقلم: فراس ياغي

الملك المتهم "نتنياهو" والمكلف بتشكيل حكومة الكيان الصهيوني بعد ظهور نتائج الإنتخابات الخامسة وحصول تكتله على "64" مقعدا عَمِلَ وفق خُطة مُحكمة ووضع عدة سيناريوهات تُؤدي إلى بقاءه في سدة الحكم لمدة أربع سنوات قادمة، ووفق الواقع فإن خُططه كما يبدو سَيكتب لها النجاح وسيعود من باب الديمقراطية ليمنع عن نفسه التهم القضائية أولا وليحقق غاياته في دولة إسرائيل "التوراتية" من خلال قضم "الضفة الغربية" بالتدريج وتهويد "القدس" بشكل نهائي.

الثعلب "نتنياهو" عمل قبل الإنتخابات على توحيد معسكره بتوحيد الصهيونية الدينية "سموريطش وبن غفير" وتوحيد الحريديم الإشكناز في حزب "يهود هتوراة"، وفي المقابل ولأهداف شحصية بحته عمل خصمه "لابيد" على تفتيت مُعسكره خاصة في يُعرف ب "اليسار الصهيوني" "ميرتس وحزب العمل" وفي الوسط العربي حين إنفصل حزب "التجمع" عن القائمة العربية المشتركة، فجاءت النتائج وفق تطلعات "الملك".

"نتياهو" الأكثر جماهيرية في دولة الكيان الصهيوني يعلم جيدا أن طبيعة تكتله ستؤدي لأزمة كبيرة في النظام السياسي الصهيوني وستؤدي حتما لمخاطر كبيرة على هذا النظام على المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، لكن "الملك" يُفكر فقط في "الملك"، فهو يرى أن سيناريو التحالف مع "الصهيونية الدينية" لتشكيل حكومة يمين ويمين متطرف هي الملاذ الأخير لكنه المفضل لديه، وهو بذلك يضغط بطريقة غير مباشرة على أحزاب الرسمية الوطنية "غانتس وساعر وإيزنكوت" وحزب يوجد مستقبل "لابيد" وَيُهدهم بأن النظام السياسي القادم سيؤدي لتوجيه ضربة قاضية لفكرة التأسيس التي قامت على أساسها الدولة "إسرائيل الصهيونية"، فكرة الدولة اليهودية النقية الديمقراطية العلمانية، فكرة دولة "اليهود" بلا "عرب" و "اللا- ثنائية" القومية، فكرة دولة العلمانية المستندة للإرث "التوراتي" وليس الدولة "التوراتية"، وبهذا يقول "نتنياهو" لكارهيه أن لا خيار أمامكم لإنقاذ "الفكرة" سوى بالموافقة على التحالف مع من تكرهونه لتشكيل الحكومة.

ليس هذا فقط، بل يُراهن "نتنياهو" على مُحبين "الكيان الصهيوني" من الغرب والعرب، خاصة "الولايات المتحدة" للضغط على الأحزاب الأخرى وبالذات "الرسمية الوطنية" لتشكيل حكومة بعيدة عن حزب الفاشية الصهيونية بزعامة "سموريطش وبن غفير" وبالتالي يُحقق غاياته في إعتراف كارهيه به مرة أخرى ويتنصل من التهم التي تلاحقه ويشكل حكومة بلا أزمات دولية وإقليمية، وهذه المراهنة "النتن ياهو" هي أساس مناوراته القائمة الآن في تشكيل حكومته.

واقع الأمر يتحدث عن نفسه، لأن طبيعة المعركة الإنتخابية "الخامسة" كانت بين معسكر "الملك" ومعسكر كارهي "الملك" ولم تكن تستند لمفاهيم أخرى رغم ظهورها في البرامج المختلفة للقواءم التي خاضتها، لذلك هناك صعوبة بل أعتقد أنها مستحيلة، لأن نظام "الكراهية" التي أوجدها "النتن نياهو" كانت أساس المعركة والأزمة في النظام السياسي للكيان الصهيوني، وهي السائدة في واقعه وهي التي ستمنع تشكيل حكومة برئاسة "الملك" دون حزب الفاشية لِ "سموريطش وبن غفير"، ومن يراهن على ذلك اقول له: إنها المرة الأولى التي سيكون فيها حزب متطرف وفاشي بهذا الوضوح والعلنية جزء أساسي من مركب حكومة الإحتلال، وهنا لن يعمل اي من أقطاب هذا الحزب الفاشي على تدمير هذه الفرصة، وما يحدث الآن ليس سوى مناورات تحت الضغط يقوم بها بالأساس "النتن نياهو"، فَ حزب "عوتسما يهوديت- ألقوة اليهودية" برئاسة "بن غفير" سينفصل عن حزب الصهيونية الدينية بقيادة "سموريطش" وبالتالي لن يصبح القوة الثانية في الإئتلاف الذي يُشكله "الملك" وعليه لن يستطيع الفاشي "سموريطش" المطالبة بحقيبة وزارة "الدفاع" ومن جهة أخرى يستطيع "نتنياهو" أن نقل بعض صلاحيات وزارة "الدفاع" التي تتعلق ب "الضفة الغربية" لوزارة أخرى يكون على رأسها "سموريطش" أو وضع البنود التي يريدها "سموريطش" كجزء من الإتفاق "الإئتلافي" وبذلك يتجاوز الأزمة، لكن "نتنياهو" يناور من أجل الضغط على الأحزاب الأخرى والتي إن رضخت وخافت على مستقبل الكيان "الصهيوني" ستأتيه كمنقذ ويتخلص بذلك من بعبع "الفاشية" و "العنصرية" الذي يمثله "بن غفير وسموريطش".

شخصيا، ارى أن القادم هو حكومة "نتنياهو" مع "الحريدية" و"الفاشية الدينية" لأنها التشكيلة المريحة "للملك" ولأنها القادرة على تحقيق غاياته في التملص من الإتهامات القضائية اولا، وفي تحقيق سياساته الخاصة ب "القدس" و "الضفة الغربية"، "نتنياهو" يريد تطبيق تدريجي للضم وفقا لخطته في "صفقة القرن" التي أعلنها الرئيس السابق "ترامب" وهذا يشمل "القدس" و "الأغوار"، في حين الصهيونية الدينية الفاشية تريد الضفة الغربية كلها "تُسميها يهودا والسامرة"، وهنا تتقاطع الغايات والسياسات عبر إستمرار تهويد "القدس" وزيادة سرعة وتيرة "الإستيطان" في الضفة الغربية وبالذات في "الأغوار".

المأزق الذي خَلقه الملك "نتنياهو" في النظام السياسي للكيان "الصهيوني" يعمل لصالحه ويهدف لتحقيق أهدافه التي عمل عليها منذ أن جاء رئيس للوزراء عام 1996 ولا يزال وفقط يضاف إليها قضية التهم القضائية التي كادت أن تُنهي مستقبله وغاياته السياسية، ولكن بدل أن تغتاله هذه التهم، إستطاع "النتن نياهو" أن يغتال النظام السياسي ككل لدولة الإحتلال ويُصبح أكثر قربا من أي وقت مضى في تحقيق دولة "التوراة" الصهيونية، دولة المكابي "سمعان" بنهكة جديدة اساسها التحالف مع "الصهيونية المسيحية" والإمبراطورية الأمريكية، وليس التصادم مع الإمبراطورية الرومانية، دولة "سالومي" الحشمونائية التي صالحت بين "الصدوقين" و "الفريسيين"، هذا ما يطمح له "النتن نياهو" ولن يسمح لِ "سموريطش" و "بن غفير" و "الحريدية" الدينية بتحويل دولته لفكرة "حشمونائية" توراتية محافظة.

ملاحظة" الدولة الحشمونائية "المكابية" إستمرت 80 سنة وهي أول دولة لليهود في فلسطين وإستمرت من عام 142 قبل الميلاد وحتى 63 قبل الميلاد والتي أنهاها القائد الروماني "بومبي".

 

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت