- بثينة حمدان
قد يفشل السياسيون والاقتصاديون بل والدول في تسوية علاقاتها، كما تفشل المنظمات الدولية في ردع أو رأب أضرار الحروب، وتقف قرارات القانون الدولي عاجزة عن حل أكبر الأزمات بل وأصغرها، لكن وحدها الثقافة تبقى صامدة راسخة لا شيء يمنعها من الاستمرار في نسج علاقات ثقافية مع الدول وبين الشعوب عبر أجمل الأدوات: الإعلام، الدراما، الكتاب، الفنون بأنواعها... الثقافة هي هذه الروح التي لا يمكن للخلافات أن توقفها كما لا يمكن للاحتلال أن يقبض عليها أو يحاصرها!
استطاعت الثقافة أن تصبح لغة العالم المؤثرة، وبمثال بسيط نستطيع رؤية أثر الإنتاج الثقافي والفني خلال الجائحة والذي بثته منصات التواصل الاجتماعي، لقد استطاعت سد فجوة هائلة تتمثل بـ" الجلوس في المنزل" وشلل الحياة العامة، صارت المَنْفَذ، وصار يمكن لأمسية شعرية (أونلاين) أن تستقطب عشرات الآلاف في حين تستقطب الأمسية الوجاهية عشرة أو عشرين شخصاً فقط!
الثقافة هي لغة العالم، ففي الوقت الذي قد يُعرِض فيه الجمهور عن نشرات الأخبار، والاستماع إلى ما يُسمى "الإرهاب" والحرب هنا وهناك، ومجمل التجاذبات الدولية المملة حتماً، إلا أن الجمهور مستعد دوماً لمشاهدة عرضٍ فني حتى لو كان لألد الأعداء، ومن ثم الإثناء عليه والتأثر به تدريجياً، ولعل أكبر دليل على ذلك ما تفعله أمريكا في المنطقة من حروب وتدخل في شؤون الدول واستخدام حق النقض الفيتو ضد القضايا العادلة، ومع ذلك نستمتع بالسينما الأجنبية عبر "هوليود"، ويُقبِل الناس على الموضة والصناعات الاستهلاكية الأمريكية.
الثقافة هي لغة العالم، هي القوة الناعمة، إنها الدبلوماسية الثقافية أحد الأدوات المفتاحية للدبلوماسية العامة والتي تغزونا منذ زمن بعيد؛ الإرساليات التبشيرية والمدارس الأجنبية وتعليم اللغات المختلفة لسكان الوطن العربي، كلٌّ يحاول فرضَ ثقافتِه أولاً بما فيها من لغة وعادات وتراث ونمط تفكير لأن الثقافة هي انعكاس لمكنونات الشعوب وسلوكياتهم وتطلعاتهم، يحاولون نقل الثقافة طوعاً وفرضاً لأنهم يعرفون أن بقاءها أعمق وأطول، بل هي صمام الأمان لكل تحركات الدول سياسياً واقتصادياً. يؤكد علماء اليوم أن القوة الصلبة والقوة الناعمة لا يمكن أن تسير إحداهما دون الأخرى من أجل تحقيق الأهداف عموماً.
ماذا فعلنا فلسطينياً؟ وماذا علينا أن نفعل كي تُحقق الثقافة ما لم تُحرِزه السياسة؟! علينا أن نُسرِف في الثقافة، كي يغدق علينا العالم بنظرات الود والامتنان والتقدير ومواقف الدعم والتأييد. وعلى مؤسساتنا الوطنية بجميع تخصصاتها أن تجعل الثقافة مادة أصيلة كأداة للمحافظة على الموروث ومحفزة على الإبداع والعطاء.
من السهل أن يُصفق العالم للحدث الثقافي، العالم بأطيافه السياسية ومواقفه المتباينة، تخيلوا أنه من السهل أن تجعل مَن هو معك ومَن هو ضدك في آن معاً يُصفق لفلسطين عبر الثقافة وفنون الدبلوماسية العامة! فأين نقف من هذا؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت