ائتلاف أمان يعقد جلسة نقاش لتقرير حول "واقع الحصانة لكبار مسؤولي الدولة وتأثيرها على النزاهة السياسية"

أمان: المشكلة ليست في الإطار القانوني لمنح الحصانة وإنما في الممارسة والتطبيق ما يتيح الإفلات من العقاب

عقد الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) جلسة نقاش مسودة تقرير "واقع الحصانة لكبار مسؤولي الدولة وتأثيرها على النزاهة السياسية"، بحضور عدد من ممثلي المؤسسات الرسمية والأهلية، وأعضاء سابقين من المجلس التشريعي.

استهلت الجلسة بكلمة من السيد جهاد حرب، الباحث الرئيس في ائتلاف أمان، والذي عرّج على أهمية التقرير والهدف منه، والذي يكمن جلّه في رصد مسألة واقع الحصانة القضائية التي يوفرها النظام القانوني الفلسطيني لشاغلي الوظائف العليا، وتأثيرها على النزاهة السياسية وجهود مكافحة الفساد، مع تقديم توصيات عملية لصناع القرار لتعزيز منظومة النزاهة وخاصة النزاهة السياسية، وذلك لضمان تحقيق التوازن بين الغاية من منح الحصانة من جهة وتعزيز جهود مكافحة الفساد ومنع الإفلات من العقاب ونزاهة الحكم من جهة أخرى.

فيما استعرض التقرير الباحث محمود علاونة، والذي قدم بايجاز الواقع القانوني الناظم لمنح الحصانات واهدافها والقواعد التي تنظم إجراءات رفع الحصانات، والتي تطورت قواعده حسب المعايير الدولية في العقدين الماضيين بهدف بلورة أفضل الممارسات للحد من السلوك الفاسد، وعلى وجه الخصوص ما أشارت له المادة (30) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، واتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية، حيث عملت فلسطين على موائمة تشريعاتها المحلية لتنسجم مع الاتفاقيات الدولية، ومن ثم تطرق الى تقديم شرح حول تطبيق التشريعات ذات العلاقة ومقارنتها بالممارسات وبشكل خاص ما يتعلق باجراءات التحقيق والمحاكمة في قضايا فساد مرتبطة بالفئة الممنوحة لهذه الحصانة.

الإشكالية تكمن في الممارسة وليس القانون

يمكن القول أن وجود أي إشكاليات تتعلق بالتوازن ما بين أهداف الحصانة الممنوحة ومنع الإفلات من العقاب أمر غير مرتبط بشكل أساسي في المنظومة القانونية، وإنما في الممارسة. وقد تمثلت الإشكالية الأساسية التي سعى التقرير لمعالجتها في التساؤل إذا ما كانت بعض الفئات العليا وأصحاب المناصب والقرار في فلسطين يتمتعون بامتياز الحصانة تجعل من إمكانية محاسبتهم وملاحقتهم حال ارتكابهم لجرائم فساد صعبة أم لا، سيما حساسية المناصب التي يشغلونها (الرئيس، رئيس الوزراء والوزراء، أعضاء المجلس التشريعي، القضاة وأعضاء النيابة العامة، وكبار القادة الأمنيين)، وأن إتاحة الفرصة لمرتكبي جرائم الفساد بالإفلات من العقاب يكون له آثار جسيمة تتعلق بفقدان الثقة بين المواطن والسلطة السياسية الحاكمة بشكل عام وجهات إنفاذ القانون بشكل خاص. وقد أظهر التقرير أن هناك ممارسات نتج عنها عدم متابعة شبهات فساد بذرائع تتعلق إما بأن التجاوز من قبل المسؤول هو إداري أو مالي وليس ممارسة فساد، أو لذرائع تتعلق بالحفاظ على السلم الاهلي أو عدم زعزعة الثقة بالنظام والقائمين عليه. وقد أشار التقرير في الواقع العملي، أن هناك بعض القضايا التي تم التعامل معها وحلها بشكل مباشر من قبل الرئيس، والمتعلقة بمسؤولين كبار بناء على بلاغات أو شكاوى وصلت هيئة مكافحة الفساد، ولكنها لم ترق إلى شبهات فساد وفقا للهيئة، بل هي أقرب للمخالفات الإدارية، حيث تم حلها بالتعاون مع رئيس الدولة بشكل مباشر، إلا أن هذه الصلاحية ينبغي أن تكون لديوان الرقابة المالية والإدارية في حال لم ترق هذه المخالفات إلى شبهات فساد.

 

غياب الثقة المواطنين.. من الأسباب الرئيسية للحؤول دون تقديم شكاوى مرتبطة بكبار المسؤولين

وقد عرّج التقرير على انطباعات المواطنين العالية في مسألة وجود الفساد من عدمه في القطاعات العامة، حيث أشار التقرير السنوي لأمان للعام 2021 إلى أنه فـي الوقـت الـذي تظهر فيـه بيانـات هيئـة مكافحـة الفسـاد إن البلاغات المتعلقـة بالفئـات العليـا مـن المسـؤولين تشـكل 13% ّ فقـط مـن مجمـوع البلاغات والشـكاوى، وأن عدد الشكاوى المرفوعة على الموظفين من ذوي الفئة الخاصة (وتشمل من يعين بدرجة وزير من رؤساء الدوائر الحكومية) والسلك الدبلوماسي والسفراء قد بلغ 24 قضية من أصل (886) قضية فقط، بواقع (20) قضية من ذوي الفئة الخاصة وقضيتان من فئة السلك الدبلوماسي والسفراء.

إلا أن َانطبـاع المواطنيـن حسـب اسـتطلاع الـرأي حـول واقـع الفسـاد ومكافحتـه فـي عام 2021 يشير الى أن 77% من المواطنيــن المستطلعين قالوا أن الفســاد يتركــز لــدى فئــة الموظفيــن العليــا، وكمـا يبـدو فـإن أحـد الأسـباب لهـذا الاختلاف يعـود إلـى غيـاب ثقـة المواطنيـن بالمسـؤولين الفلسـطينيين، وعـدم رؤيـة المواطنيـن للجدية في مساءلة كبــار المســؤولين.

وجود رغبة حقيقية لمحاسبة كبار مسؤولي السلطة السياسية وإحالة الملفات لهيئة مكافحة الفساد

 خرج التقرير بمجموعة من التوصيات على المستوي السياساتي، والتي أكدت على ضرورة التأكيد على وجود الرغبة الحقيقية (إرادة سياسية) في محاسبة مسؤولين كبار في السلطة السياسية اذا ما اقترفوا ممارسات فساد وإحالة ملفاتهم إلى هيئة مكافحة الفساد لاتخاذ الإجراءات اللازمة، إضافة الى ضرورة مراعاة التشريعات الفلسطينية لحالة التوازن التي فرضتها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، من خلال إفراد نصوص تراعي التوزان بين منح الحصانة وعدم الإفلات من العقاب كتحديد مدد زمنية للرد على طلبات رفع الحصانة وتقليص عدد الفئات الممنوحة للحصانة على غرار بعض التجارب بما لا يمس بحرية هذه الجهات بأداء وظائفها وفقا للقانون.

ومن جانب آخر، أوصى التقرير أيضا بضرورة وقف هيئة مكافحة الفساد معالجة القضايا المتعلقة بفئات متمتعة بالحصانة على خلفية مخالفات إدارية أمام رئيس الدولة كون هذه الصلاحية تخرج عن اختصاصه، ومن يملك تحديد ذلك هي جهات الاختصاص لا سيما ديوان الرقابة المالية والإدارية.

تعقيبات متعددة

أشار الدكتور عزمي الشعيبي، مستشار مجلس إدارة ائتلاف أمان لشؤون مكافحة الفساد، أن التقرير يأتي بسياق سلسلة من التقارير التي تصب في علاقة نزاهة الحكم بالفساد السياسي، والتي أثارت التساؤل إذا ما كان هناك فساد محمي، بمعنى الحماية السياسية لفئات تستفيد من بيئة النظام السياسي في الحصول على امتيازات، وهو ما يزيد من ظاهرة الإفلات من العقاب، وبالتالي من المهم العمل على تحقيق التوازن بين الغاية من منح الحصانة من جهة، وتعزيز جهود مكافحة الفساد ومنع الإفلات من العقاب ونزاهة الحكم من جهة أخرى.

 

فيما أشارت الدكتورة حنان عشراوي، عضو مجلس إدارة ائتلاف أمان أن هناك انتقائية في التعامل مع بعض شبهات الفساد التي قد تستخدم كوسيلة سياسية للضغط على بعض الأشخاص للحصول على مكاسب أو تنازلات مالية أو غيرها، فيما يتم التغاضي عن بعضها الآخر، وأن هذه الانتقائية في العمل تؤثر على مصداقية احصائيات الشكاوى وقضايا الفساد، وعلى كيفية معالجة الفساد بشكل عام.

فيما وضح محمد عبد الجواد من ديوان الرقابة المالية والإدارية، أن صلب عمل الديوان هو التدقيق وليس التحقيق، مشيرا أنه إذا ما تم الاشتباه بشبهة فساد، يتم إحالتها لجهات الاختصاص، أما في حالة ورود شكوى ذات علاقة بتجاوزات إدارية ومالية، يعمل الديوان على تناولها بشكل كامل، من ناحية مدى الامتثال للتشريعات الناظمة، وغيرها من الاجراءات سواء كان التدقيق بأداء ومسؤولية فرد أم مسؤولية مؤسسة ما.

ومن جانبها أشارت خالدة جرار، النائبة السابقة في المجلس التشريعي المُحلّ، أن إحدى أبرز إشكاليات الحصانة تتعلق بالسلك الدبلوماسي ومدى الجدية في متابعة أعمالهم ومساءلتهم على أدائهم وبشكل خاص في ظل تصاعد ممارسات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، وهو الأمر الذي يجب أن يعيد طرح معايير وآليات التعيينات في المناصب العليا، وانسجامها مع التشريعات الفلسطينية والممارسات الفضلى.

ومن جانبه، أشار عصام حج حسين، المدير التنفيذي لائتلاف أمان أن المشكلة الأساسية لدينا بنزاهة الحكم، مشيرا الى أن هناك التفافا على الحصانة قد يتم من خلال عمليات الضغط على أشخاص معينين للتوقيع على استقالة مسبقة أو الطلب من المسؤول الاستقالة لتلافي موضوع الحماية (الحصانة) من العزل، أو إصدار قانون ما يتيح العزل، أو اتخاذ اجراءات عقابية مرتبطة بالامتيازات او الرواتب ضد مسؤولين محصنين فيما يتعلق بحرية ابداء الاراء أو مهام، أو اتخاذ اجراءات عقابية يكون القانون نفسه عاجزاً عن معالجتها. كما أشار حج حسين أيضا الى وجود ظواهر تأخذ أشكال حماية غير رسمية مرادفة للحصانة، كالحماية الحزبية أو العائلية والعشائرية أو مرتبطة بالمواقع المحيطة بمراكز اتخاذ القرار، والتي بحاجة الى التنبه لها.

وعقب رائد الشرباتي من وزارة الحكم المحلي الى ضرورة ايلاء الأهمية للتجاوزات والإشكاليات الإدارية والتي رأى أن بعضها قد يكون غير واضح (ضبابيا) في كثير من الأحيان، فيما أكد الدكتور مهيب أبو لوحة من وزارة التربية والتعليم العالي على أن غياب الثقة بين المواطنين والقيادة تعتبر من أخطر الجوانب التي تستوجب المعالجة، مؤكدا على ضرورة ردم الهوة من أجل تعزيز ثقة الشارع بالقيادة السياسية.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - رام الله