- بقلم: علاء الديك*
في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي أقامته الأمم المتحدة بتاريخ 29 نوفمبر 2022، نستذكر الزعيم الصيني الراحل "ماو تسي تونغ" الذي دعا لمحاربة الإستعمار والفكر الإستعماري الإمبريالي لما فيه من دمار على الإنسان وكرامته وحريته، وبذلك دعمت الصين حركات التحرر الوطنية الثورية في معظم الدول أبان تأسيس جمورية الصين الشعبية عام 1949، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط التي كانت ومازالت تعاني ويلات الإستعمار والإحتلال بهدف زعزعة إستقرارها والتعدي على سيادتها والتدخل في شؤونها الداخلية وتشريد شعوبها ونهب خيراتها وثرواتها. وعندما قيل "خير خلف لخير سلف" فإنه الموقف الصيني الجديد بزعامة الرئيس الرفيق "شي جين بينغ" عندما قال:"لا ينبغي تهميش القضية الفلسطينية" بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وأن تهميش القضية الفلسطينية سيقوض الأمن والإستقرار الإقليميين ويضعف العدل والنزاهة والإنصاف الدوليين، وعليه، ستواصل الصين باعتبارها دولة كبيرة مسؤولة الوقوف إلى جانب العدالة كالمعتاد، وأضاف "إن أكثر ما تدعو إليه الحاجة في الوقت الحاضر وتحت مظلة الأمم المتحدة هو الإرادة السياسية القوية، والعمل الدبلوماسي الفعال، والجهود الجماعية للمجتمع الدولي بأسره، بما يتضمن مجلس الأمن الدولي، بإعطاء الأولوية للقضية الفلسطينية على جدول الأعمال الدولي، ومساعدة الشعب الفلسطيني لإستعادة حقوقه الوطنية المشروعة وتحقيق حلمه بدولة مستقلة ذات سيادة في وقت مبكر وفق القانون الدولي والشرعية الدولية"، وعليه، فالصين تدعم بثبات وحزم القضية العادلة للشعب الفلسطيني.
فمازال الشعب العربي الفلسطيني يعاني ويلات الإحتلال والإستعمار لأكثر من 75 عام، من قتل وتشريد وإعتقال وتنكيل وقمع للحريات وإعاقة التنقل ومصادرة الأراضي وهدم المنازل وترويع السكان والسيطرة على الحدود ونهب مصادر المياة وبناء مزيد من المستوطنات ووضع البوابات الحديدة لمحاصرة السكان في القرى والمدن وتوسيع جدار الفصل العنصري، ألخ. فالقوى الديمقراطية التي تتبنى وحريصة على حالة حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في الأراضي الفلسطينية والعالم أجمع، لم تحرك ساكناً بهدف إنهاء الإحتلال للأراضي الفلسطينية فوراً ومحاسبة الدولة المحتلة على أفعالها تجاه السكان الفلسطينيون وأرضهم وممتلكاتهم الفلسطينية التي تنتهك، وبالتالي التأكيد على الحق الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة ذات السيادة وضمان حق اللاجئين في العودة، وتحقيق حلم الشعب العربي الفلسطيني في العودة والحرية والإستقلال وتقرير المصير، في الوقت الذي يقتل ويدمر فيه الشعب الفلسطيني أمام أعين العالم أجمع في هذه الأيام دون توفير الحماية الدولية الفورية له كباقي الشعوب.
في المقابل، جاء الرد الصيني ليقول للعالم أجمع: أن الوقت حان لإنهاء الإحتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وأن من حق الشعب الفسطيني العيش بحرية وكرامة في حدود أمنة ومستقرة بدولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة تعيش بأمن وسلام وطمأنينة كباقي شعوب الأرض"، وهذا ليس بغريب عن الدبلوماسية الصينية تجاه القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني العادلة المشروعة والغير قابلة للتصرف، وذلك لأن خصائص الدبلوماسية الصينية تلتزم بثبات بالسعي لتحقيق السلام والتنمية السلمية لشعوب الأرض كافة، على مبدأ العيش المشترك والمنفعة المشتركة والمصير المشترك، بعيداً عن فرض الهيمنة وتعزيز النفوذ أو التدخل في شؤون الغير وعدم إحترام سيادة الدول بصرف النظر عن حجمها وثروتها وقوتها، كما يفعل الأخرون، فالصين تلتزم بثبات وبحزم بالتعددية الحقيقية وفقاً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وذلك لأنها ملتزمة بتمنية حقوق الإنسان وتعزيز مبادئ الديمقراطية كقيمة مشتركة للإنسانية ككل، بهدف الوصول للفوز المشترك للجميع في عالم أمن ومستقر وخاصة في ظل تنامي التحديات الخطيرة التي يعيشها عالم اليوم.
وبناءاً على ذلك، "الصين" دولة مسؤولة وتقف لجانب المظلمومين والشعوب المقهورة بصرف النظر عن المصالح، لأنها عانت من ويلات الإستعمار والإضطهاد خلال عقود مضت وتعرف جيداً ما معنى الإضطهاد والإحتلال، وليس لديها أطماع لتعزيز نفوذها أو دورها في أي مكان كما تدعي الدول الحريصة على حقوق الإنسان ونشر ثقافة الديمقراطية وهي في حقيقة الأمر غير مكترثة لتلك الحقوق والمبادئ، وتسعى بكل إمكانياتها لتشويه سمعة الصين ودبلوماسيتها الفاعلة والبناءة التي تهدف لتحقيق السلام والتنمية السلمية للجميع دون إستثناء، فتلك الدول تمنح الفلسطينيون المساعدات والهبات من خلال المؤسسات الدولية أو مباشرة، وفي نفس الوقت تصوت لجانب الإحتلال وتقف عائقاً امام تحقيق العدالة بالفيتو أو الحياد أو الإنسحاب، فهل يعقل أن تنادي بتنمية حقوق الإنسان وتعزيز مبادئ الديمقراطية من اجل عالم مستقر وأمن؟ أي دول تلك التي تعيش الإزدواجية والإحتيال على المنظومة الدولية بهدف تعزيز نفوذها ودورها وحماية حلفائها بصرف النظر عن الويلات والإضطهاد والظلم الذي يعيشه الأخرين مثل الشعب الفلسطيني وغيره من الشعوب المظلومة في العصر الحديث.
صينياً
بإعتبار الصين دولة كبيرة ومسؤولة وعضو دائم ومهم في المنظومة الدولية، وتقف إلى جانب الحق والعدال والإنصاف، وتبذل جهوداً مشتركة مع الأطراف الدولية المعنية للعب دور إيجابي وبناء في حل قضية الشرق الأوسط سياسياً "قضية الشعب العربي الفلسطيني"، وبما يحقق تطلعات شعوب المنطقة للتمتع بالسلام والاستقرار والازدهار، على الأصدقاء الصينيين الثبات على الموقف والدعوة بكل مسؤولة وحزم لتقديم مشروع قرار دولي فوري لإنهاء الإحتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ولرفع الظلم عن الشعب الفلسطيني الذي يقتل ويذبح كل يوم منذ أكثر من 100 عام، والمطالبة من الدول الأعضاء كافة الإعتراف الفوري بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشريف على حدود الرابع من حزيران عام 1967، مع ضمان الإفراج عن الأسرى كافة وحق العودة للاجئين الفلسطينين أينما وجدوا، وكذلك الدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام من أجل السلام والإستقرار والإزدهار، كي نتغلب على التحديات التي تحدق بنا وتزداد ذروتها وخطورتها كل يوم، والتي تهدد الأمن والسلام الدوليين أكثر فأكثر.
وكذلك، على الصين الثبات وبحزم لتطبيق مبدأ التعددية الحقيقة في المنظومة الدولية مع الشركاء والحلفاء والأصدقاء، من أجل الحفاظ على المنظمات والمؤسسات الدولية فاعلة وقوية بقوة القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني من أجل الإنسان وقيم العدل والإنصاف، فكفى ظلم وإضطهاد من القوى التي تريد إضعاف المنظومة الدولية والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وقيم التسامح وحقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية، من أجل مصالحها الخاصة ونفوذها وهيمنتها على الأخرين برفقة حلفائها.
وأضف لذلك، على الصين دعم وتعزيز مؤسسسات الشعب الفلسطيني وبناء قدراته بكل الإمكانيات المتاحة، الفورية والعاجلة، من أجل بناء مؤسسة قوية وقادرة على تحمل مسؤولياتها تجاه الشعب العربي الفلسطيني في كل المجالات، والقيام بتلبية إحتياجاته بهدف تعزيز صموده على أرضه الفلسطينية، وصولاً لتحقيق هدفه في البناء والدولة المستقلة القوية القادرة على تحقيق الإزدهار والإستقرار والتنمية والإصلاح والإنفتاح. وأيضاً تقديم المساعدات الإنمائية والإنسانية، الفورية والعاجلة، بهدف تنمية الإقتصاد الفلسطيني وتحسين معيشة الشعب العربي الفلسطيني، الذي يعاني الفقر والإضطهاد والحرمان، وخاصة في المناطق الريفية والمخيمات ومخيمات الشتات، والعمل الجاد كذلك، لتنمية المجتمع المحلي الفلسطيني لما يعانيه من نقص شديد في المشاريع التنموية الصغيرة وخاصة تجاه البنى التحتية والثروة الزراعية والحيوانية.
وأخيراً، على الصين دعم وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية التي مازلت غائبة عن المجتمع الفلسطيني، في ظل إحتلال وقهر وظلم تعاني منه كل أطياف وقوى الشعب العربي الفلسطيني ليومنا هذا، ودعوة كل الأطراف الفلسطينية، للمطالبة بإجراء الإنتخابات العامة في الأراضي الفلسطينية كافة بما فيها القدس الشرقية، لتعزيز النظام السياسي الفلسطيني التعددي الديمقراطي.
فلسطينياً
على الفلسطينيين تعزيز العلاقة الإستراتيجية مع الصين في كافة المجالات وعلى كافة المستويات، كفى رهان على الدول التي تدعي أنها تريد مصلحة الفلسطينيين، تلك الدول التي تصوت في المنظومة الدولية ضد الحق والعدل الفلسطيني وقضاياه المشروعة، وتدعم الإحتلال بكل الطرق والوسائل كي تبقيه قوياً وحليفاً إستراتيجياً لها في المنطقة العربية، فنرى على سبيل المثال أن فلسطين تقيم علاقات دبلوماسية مع بعض تلك الدول، وترفض هذه الدول الإعتراف بالدولة الفلسطينية وفق القانون الدولي وقراراته ذات الصله، وتكتفي بإرسال المعونات والمساعدات المالية للفلسطينيين. فنحن لسنا دعاة مقاطعة أو تهميش للأخرين أو البحث عن خصوم، ولكن علينا أن نعي بأن الدبلوماسية الفلسطينية عليها الإلتزام بثبات وحزم بمبدأ الإحترام المتبادل بين الأطراف، بصرف النظر عن قوة ونفوذ تلك الدول، بمعنى أن من يحترم ويقدر حقوق الشعب العربي الفلسطيني الغير قابلة للتصرف، يحترم وتبنى معه علاقة إستراتيجية، وغير ذلك يعتبر مضيعة وخسارة للوقت وبلا فائدة، وهذا بكل تأكيد لا يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني وتحقيق حقوقه العادلة.
"فالصين" مثلاً، دولة تحترم وتدعم الحقوق الفلسطينية بكل صلابة وقوة وثبات، لذلك على الفلسطينيين السعي والبحث بكل الأليات والوسائل والسبل القابلة للتطبيق الفوري من أجل تعزيز وبناء العلاقة الإستراتيجية في كافة المجالات وعلى كافة المستويات على أرض الواقع، والسعي للتغلب على الميعقات التي ستحول دون ذلك، والأخذ بعين الإعتبار أن العلاقات الصينية – الفلسطينية ستأخذ منحنى جديد وغير مسبوق في تعزيز العلاقة والتبادل وبناء الثقة على قاعدة صلبة ومتينة. وعليه، فعلى الجانبين ترتيب اللقاءات الفورية بين الخبراء وأصحاب الخبرات والمسؤولين لبلورة خطة عملية لبلوغ هذا الهدف "البناء والفعال" لتعزيز العلاقات الثنائية المصيرية والحتمية.
عربياً
لا بد من إنجاح القمة الصينية العربية والمزمع عقدها في التاسع من ديسمبر 2022 في منطقة الخليج العربي، وهذه فرصة لكلا الجانبين وخاصة في المنطقة العربية من أجل السعي الجاد والمسؤول لبناء علاقة إستراتيجية "فعالة وصلبة" لتعزيز العمل الصيني – العربي المشترك بهدف تحقيق السلام والإستقرار والإزدهار في منطقة الشرق الأوسط، والسعي كذلك لحل كافة القضايا ذات الإهتمام المشترك، وعلى رأسها القضية الفلسطينية المركزية "قضية الشعب العربي الفلسطيني" والقضايا الأخرى التي تهم الطرفين في المجالات كافة. فكفى لمنطقتنا العربية الرهان على من يريد لها عدم الإستقرار وعدم الإزدهار، ويريد نهب خيراتها وثرواتها، وهؤلاء بكل تأكيد الذين يسعون للهيمنة ودعم حلفائهم في المنطقة، ولا يريدون حل جذري للعديد من القضايا، لتبقى المنطقة رهان التمزق والقتل والدمار والإنقسام والتناحر، من أجل تعزيز نفوذهم وسرق خيرات ومقدرات الشعوب، وإبقاء الشعب العربي الفلسطيني تحت الظلم والقهر والعدوان وسلب أرضه، ليصبح بلا أرض وبلا مأوى، وبالتالي بلا وطن.
ستبقى "الصين" الصديقة والوفية، تدعم "بثبات وصلابة" الحقوق العربية والفلسطينية المشروعة وفق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، من أجل أن تنعم المنطقة العربية وفلسطين بالأمن والسلام والإستقرار والإزدهار، وهذا نتاج خصائص الدبلوماسية الصينية التي رفعت راية الإلتزام بالتقدم البشري والتناغم العالمي، بهدف بتحقيق السلام والتنمية السلمية وصولا ً لتعزيز المصير المشترك للجميع، بعيدا ً عن الأحادية وتعزيز النفوذ والهيمنة على الضعيف والإستقواء عليه.
- طالب دكتوراه في معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية، وعضو اللجنة المركزية لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت