ممتلئا عن آخره كان المنزل المؤقت لعائلة الشهيد الأسير المناضل والمقاتل ناصر أبو حميد، في حي بطن الهوى برام الله.
فرادى وجماعات، مواطنون ومسؤولون توافدوا على المنزل منذ الصباح، وفي ظنهم أنهم سيجدون أما تنتحب، تبكي استشهاد نجلها بعد أن نهش السرطان جسده وتركه يلاقي مصيره ببطء في سياسة ممنهجة.
وفي ركنها المفضل بصالة الجلوس، اضطجعت لطيفة أبو حميد، تستقبل على رأسها قبلات المشفقين، فتشفق عليهم، تطالبهم بالكف عن ذرف الدموع والدعوة لناصر بالرحمة والقبول.
ترفض والدة الشهيد وأبناؤها فتح بيت لاستقبال المعزين، فلا عزاء قبل أن تستقبل جثمانه وتكرمه بالدفن في ثرى فلسطين التي ضحى من أجلها.
"الحمد لله الذي اختار منا الشهداء. زرناه بالأمس وكان يحتضر، كنا نتحدث معه وقرأنا له آيات من القرآن، وطلبنا منه أن يستجيب لنا إن كان يسمعنا، ولكنه كان في غيبوبة"، تقول لطيفة.
الزيارة استمرت لنصف ساعة، وكانت الغرفة وفق وصف "أم ناصر" عبارة عن ثكنة عسكرية، إذ لم يبق أي مسؤول في الجيش والمخابرات إلا وتواجد في المستشفى، وأخضعوا أفراد الأسرة لتفتيش دقيق.
ناصر كما تقول والدته، كان يصف نفسه بأنه مشروع شهادة، وفي زيارة سابقة قال لها إنه "كفى ووفى"، ويود الالتحاق بشقيقه عبد المنعم، الذي استشهد عام 1994.
وتروي لطيفة، أن شهيدها الثاني ناصر، أكد لها أنه لم يصب بالمرض، ولكن تم حقنه به: "جاءني ضابط ولما تأكد من هويتي حقنني بإبرة أفقدتني الوعي"، وهذا يؤكد أنه تم اغتياله.
من جانبه، أعرب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ، عن أسفه الشديد لفشل كافة الجهود السياسية والمساعي القانونية التي بذلت للإفراج عن الشهيد ناصر أبو حميد، منذ أن تم تشخيص إصابته بالسرطان، بسبب التعنت الإسرائيلي.
وأضاف أن الاحتلال لم يكتف برفض الإفراج عنه، بل عرّضه لإهمال طبي أدى إلى نتيجة استشهاده داخل سجون الاحتلال.
وأكد الشيخ أن العمل جارٍ الآن لتسليم جثمانه لأهله وذويه وأبناء شعبه، حتى يتم تكريمه بالطريقة التي تليق به.
وأضاف: "منذ الأمس كان لدينا تقدير بأن الشهيد ناصر أبو حميد يلفظ أنفاسه الأخيرة، وتحدثنا مع جهات إقليمية ودولية من أجل تحرير جثمانه، والجهود ما زالت تبذل، ونتمنى أن نتلقى جوابا إيجابيا خلال الساعات القادمة".
وأوضح أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أن الاتصالات قائمة وتشمل أطرافا عربية مؤثرة والإدارة الأميركية للتدخل مباشرة لتسليم جثمانه، إذ لا يعقل إطلاقا الاستمرار في احتجاز جثمان أسير تعرض لإهمال طبي وله من الأشقاء أربعة معتقلون في سجون الاحتلال.
وتابع الشيخ: "بالحد الأدنى يجب أن يجري تسليم جثمان الشهيد ناصر أبو حميد لأهله وذويه وشعبه لينال من التكريم ما يستحق، متجاوزين الحديث عن كل ما تعرض له خلال الفترة الماضية".
أما رئيس نادي الأسير قدورة فارس، فقال إنه يوم قاسٍ وصعب يمر به الشعب الفلسطيني، لأن الشهيد ناصر أبو حميد وعائلته يمثلون قيمة عالية في وجدان كل أبناء الشعب الفلسطيني وهو حالة رمزية اكتسبها من مسيرة نضال وكفاح شاقة وطويلة ومريرة.
وأوضح أن ناصر عاش كل حياته في خطر، واستهدفه جنود الاحتلال في عمر مبكرة من مسافة قريبة بقصد قتله ولم يستشهد وقدر الله أن يرتقي داخل المعتقلات.
وأضاف قدورة: "مسيرة ناصر أبو حميد تجربة يجب أن نستلهم منها كل معاني الصمود، وأن نكون بنفس قدر الوفاء الذي قدمه أبو حميد بدمه وسنوات عمره للشعب الفلسطيني".