يخوض العمّال الفلسطينيون من قطاع غزة، رحلة شاقة، في سبيل الوصول إلى أماكن عملهم داخل إسرائيل، مواجهين بذلك عددا من التحديات والتهديدات، التي قد تفقدهم حياتهم أحيانا.
وخلال 2022، منحت إسرائيل آلاف التصاريح لعمال من غزة للسماح لهم بالعمل في إسرائيل أو الضفة الغربية، حيث أعلنت في سبتمبر/أيلول الماضي، زيادة تلك التصاريح من 12 ألفا إلى 17 ألفا.
وتتيح تلك التصاريح للعمال، المرور من خلال حاجز بيت حانون "إيرز" شمالي قطاع غزة، وصولا لإسرائيل أو الضفة للعمل.
محمد خالد (رفض الكشف عن هويته بالكامل لأسباب أمنية)، واحد من آلاف العمّال الذين حصلوا على تصريح عمل، قال إنه يمر برحلة قاسية للعمل في إسرائيل يُحرم خلالها من رؤية عائلته لمدة أسبوع كامل.
ويضيف لوكالة الأناضول: "في طريقنا للعمل في إسرائيل نمرّ عبر ثلاثة معابر، الأول يتبع لحماس، والثاني للسلطة الفلسطينية، أما الثالث فإسرائيلي نواجه فيه تفتيشا دقيقا للغاية وفي بعض الأحيان يخضع بعض العمّال لتحقيق واستجواب عن بعض الأسئلة من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية".
ويوضح أن هذا التحقيق يضع "العامل في حالة من التوتر والضغط النفسي، بسبب طبيعة الأسئلة المطروحة وبفعل ظروف التحقيق".
ومن المعبر الإسرائيلي، يستقلّ العامل مركبة تنقله إلى مكان عمله بمبلغ يختلف وفق المسافة المقطوعة إذ يصل أحيانا لما يزيد عن 45 دولارا أمريكيا، وفق قوله.
ويضطر العامل، بحسب خالد، للمبيت في مكان العمل بدءا من أول يوم في الأسبوع (الأحد) وحتّى نهار يوم الجمعة، ليرجع حينها لقطاع غزة على أن يعود للعمل الأحد من كل أسبوع.
"من خلال المبيت يتم توفير تكلفة المواصلات الباهظة، ولهذا الجانب أيضا انعكاساته السلبية بحيث نُحرم من رؤية أفراد عائلتنا ومتابعتهم بشكل مستمر، كما أننا نجلب معنا من غزة الطعام المُسموح به كي لا نستنزف رواتبنا".
لكن تبقى تهديدات العمل حاضرة لدى العامل الفلسطيني الذي يُحرم من الحصول على التأمين أو حقوق العمل المالية والاجتماعية فضلا من استغلال ارباب العمل لهم من خلال تخفيض بعض الأجور، بحسب خالد.
ويشير إلى أن بعض أرباب العمل يتعاملون مع الفلسطينيين العاملين لديهم كأنهم "عمال درجة ثانية"، ما يتسبب لهم بمشاكل مع المُشغّلين.
مخاطر العمل
يقول مصطفى إبراهيم، الكاتب والمحلل السياسي، إن "غياب آلية تشغيل العمّال وعدم وضوح حقوقهم المالية والاجتماعية والإجازات والحماية في ظل إصابات العمل، أمور تُهدد حياة ومستقبل العامل".
وتساءل إبراهيم، في حديث لوكالة الأناضول: "في حال تعرّض أحد العمّال لخطر الوفاة أو الفصل أو أي شكل من أشكال انتهاك الحقوق، من سيعوّضه أو يعوض عائلته عن ذلك؟ لا يوجد أي شيء واضح في هذا الإطار".
وأوضح أن هؤلاء العمّال بالعادة يعملون في "الأعمال السوداء، والشاقة، التي فيها خطر شديد على الحياة وتتطلب مجموعة من وسائل وأدوات الحماية".
ويقول إن "الراتب المُجزي الذي يتقاضاه العامل الفلسطيني من عمله في بيئة غير آمنة وفيها الكثير من المخاطر، يُدفع من دمه".
ابتزاز إسرائيلي
يقول إبراهيم إن سياسية ابتزاز فلسطينيي غزة العاملين في إسرائيل، قديمة حديثة، وهي شكل من أشكال الاشتباك اليومي مع الاحتلال.
وأردف: "هناك تجارب عديدة من ابتزاز الفلسطينيين في لقمة عيشهم وربطها بالتخابر؛ كما يحدث مع المرضى والتجّار ذات العلاقة وكل من له حاجة يتم ابتزازه".
ويصف إبراهيم هذا الملف بـ"السيف المُسلّط على كل الفلسطينيين في جميع قطاعات احتياجاتهم سواء العمل أو الصحة أو التعليم أو غيرها من الأمور الحيوية".
ويشير إلى إمكانية السقوط أمنيا في الشباك الإسرائيلية وذلك "بسبب الابتزاز الذي يرافقه تهديد وجهل وعدم وعي لدى الفلسطيني، فضلا عن الحاجة المالية الماسة والإغراءات المقدّمة".
كما تستخدم إسرائيل ملف العمّال، كورقة ضغط اقتصادي على قطاع غزة، بحيث يتم منع العمال من مواصلة أعمالهم أو سحب التصاريح عند حدوث أي توتر مع القطاع، وفق قوله.
ضحايا العمل
بدوره، قال سامي العمصّي، رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في غزة، إن 4 عمّال من القطاع لقوا مصرعهم جرّاء حوادث عمل في إسرائيل، منذ مطلع عام 2022.
وأضاف العمصّي، في حديث للأناضول، إن "55 عاملا فلسطينيا، من الضفة وغزة والداخل الإسرائيلي، لقوا مصرعهم خلال 2022 في حوادث عمل بإسرائيل".
ولفت إلى أن عام 2021 شهد وفاة 66 عاملا فلسطينيا في ورش الصناعة والتجارة والبناء والخدمات الزراعية، فيما توفي عام 2020 نحو 65 عاملا.
تحسين القدرة الشرائية
رغم المخاطر التي يتعرّض لها الفلسطيني العامل في إسرائيل، إلا أن الراتب الذي يتقاضاه ويصل أضعاف ما يتقاضاه العامل بغزة التي تعاني من ظروف اقتصادية متردية، أدى إلى تحسين قدرته الشرائية.
ويقول ماهر الطباع، مدير عام الغرفة التجارية في قطاع غزة، "إن هذا العمل فتح الباب أمام زيادة القدرة الشرائية لفئة العمّال وعائلاتهم".
وأضاف إن تلك الزيادة انعكست على "حركة الأسواق لعام 2022 حيث شهدت ارتفاعا بنسبة تراوحت بين 15-20 بالمئة، مقارنة بالعام السابق".
ويعتقد الطبّاع أن العمّال لا يضخون كافة عائداتهم المالية في الأسواق، مُرجّحا أنهم "يخصصون جزءا منها كمدخرات، وذلك لخشيتهم من فقدانهم العمل في أي وقت"، وفق قوله.
اقتصاد ضعيف
من جانبه، يقول المحلل الاقتصادي سمير أبو مدللة، إن الاقتصاد بغزة "ضعيف نظرا لارتباطه بالحصار الإسرائيلي وتحكم إسرائيل بحركة الصادرات والواردات للقطاع".
وأضاف في حديث لوكالة الأناضول، إن العمليات العسكرية التي شنّتها إسرائيل على غزة فاقمت من الأزمات الاقتصادية في القطاع.
وأوضح أن السماح لمئات الفلسطينيين بالعمل في إسرائيل ليس من شأنه أن يدفع بالاقتصاد في غزة للتحسّن، لكنّه يعمل على تحسين ظروف حياة هؤلاء العمّال لفترة مؤقتة.
واستكمل قائلا: "جزء من عائلات العمّال الذين حصلوا على تصاريح كانت تتراكم عليهم الديون، فمن خلال الرواتب التي يتقاضونها عملوا على سداد تلك الديون وتحسين أوضاعهم الاقتصادية".