قناة السويس .. دواعى الشك والتحذير

بقلم: محمد سيف الدولة

قناة السويس.jpg

هل يمكن ان تتجرأ السلطة المصرية على بيع قناة السويس؟

هذا هو السؤال المفزع الأكثر تداولا بين المصريين على امتداد الايام القليلة الماضية، بعد الاعلان عن موافقة البرلمان المصرى على تعديل قانون يخص الهيئة العامة لقناة السويس ويبيح لها القيام ببيع اصولها.

ورغم كل البيانات الرسمية التى حاولت ان تطمئن الرأى العام بانه لا مساس بالقناة، الا انها فشلت فى اقناع غالبية الناس وطمأنتهم، بسبب غياب مصداقية وشفافية السلطات والحكومات المتعاقبة على امتداد عقود طويلة.

1)   ولأن المسألة تتعلق هذه المرة بقناة السويس قدس الأقداس الوطنية وأهم شريان من شرايين مصر الأمنية والاستراتيجية والتمويلية، والتى كان تأميمها هو "أم الانتصارات" فى تاريخنا الحديث، وأيقونة استقلالنا الوطنى، وشرارة لانطلاق ثورات التحرر والاستقلال لكل شعوب العالم الثالث.

2)   ولأن القانون ينص صراحة على الحق فى بيع اصول صندوق هيئة قناة السويس، بعد ايام قليلة من صدور بيان صندوق النقد الدولى فى 16 ديسمبر الجارى، حول حيثيات الموافقة على القرض الجديد لمصر والذى ورد فيه بالنص ((إتاحة تمويل إضافي لصالح مصر .. من شركائها الدوليين والإقليميين .. من خلال عمليات البيع الجارية للأصول المملوكة للدولة ..))

3)    ولأن تأسيس الصناديق الخاصة للمؤسسات والهيئات العامة هى البوابة الخلفية والحيلة المعتادة التى تستخدمها السلطات منذ سنوات لابعاد تصرفاتها وصفقاتها وقراراتها عن أعين ورقابة البرلمان والراى العام.

4)   ولأن الموضوع كله يحيطه غموض تام، من أول نصوص القانون وعباراته المراوغة مرورا بتوقيته وانتهاء بالاسباب الحقيقية وراء اصداره.

5)   ولأن لدينا عقدة تاريخية عميقة من القروض والديون منذ القرن التاسع عشر انتهت بسقوط مصر فى براثن الهيمنة الاقتصادية والاستعباد المالى ثم الاحتلال على امتداد ما يقرب من مائة عام.

6)   ولأن جروح التفريط المصرى الرسمى فى جزيرتى تيران وصنافير للملكة العربية السعودية، لم تندمل بعد، ولن تندمل.

7)   كما أن للسلطات المصرية على امتداد الخمسين عاما الماضية تراثا طويلا من التنازل والتفريط فى حقوق مصر واراضيها ومواردها الوطنية ومصالحها العليا وامنها القومى، بدءا بخضوعها للشروط المجحفة التى وردت فى اتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية من انحياز الى امن (اسرائيل) على حساب الامن القومى المصرى، ومرورا بالامتيازات السياحية التى حصلت عليها (اسرائيل) منذ 1989 من حق دخول سيناء والتنقل على شواطئ خليج العقبة لمدة اسبوعين بدون تأشيرة. وكذلك تلبية الطلب الاسرائيلى الذى سبق ان رفضه مبارك وطنطاوى باخلاء المنطقة الحدودية الشرقية فى سيناء. وصفقات بيع الغاز المصرى لاسرائيل بابخس الاثمان ايام مبارك، ثم العودة لاستيراده منها منذ 2018 فى صفقة بلغت ما يزيد عن 15 مليار دولار. وتفكيك الاقتصاد الوطنى وضرب المنتجات المصرية وتصفية الصروح الصناعية الكبرى من شركات القطاع العام، والخضوع لشروط وتعليمات صندوق النقد الدولى بتعويم الجنيه واضعافه وتخفيض والغاء الدعم منذ 1977 الى اليوم، وغيره الكثير.

8)   ولأن المصريين يعلمون ما تتعرض له الدولة من الدائنين ومؤسسات الاقراض الدولى وعلى رأسهم الصندوق فى قرضه الاخير، من ضغوط على رأسها تعليماتهم ببيع اصول الدولة كما ورد حرفيا فى بيانه الاخير المذكور عاليه، كمخرج مزعوم وخبيث ومغرض من الازمة الاقتصادية الطاحنة التى تمر بها البلاد فى الآونة الاخيرة والارتفاع الهائل غير المسبوق فى الديون وفوائدها والنقص الكبير فى رصيد الدولة من الدولارات، والارتفاع الكبير فى اسعار السلع والخدمات، والغليان المكتوم فى صفوف الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

9)   ويعلمون أن هؤلاء الدائنين ليسوا سوى الاستعمار الاقتصادى الجديد ورثة وخلفاء الاستعمار القديم، وهم خبراء ومتخصصين فى الاستيلاء على موارد وثروات واصول البلدان النامية.

10)         كما يعلمون الضعف الشديد منذ السبعينات فى مناعة الدولة المصرية ومؤسساتها أمام الاملاءات الخارجية، خاصة اذا كانت تتعلق بالمصالح الاستراتيجية الامريكية او الاسرائيلية او الديون الخارجية و رؤوس الأموال الأجنبية.

11)         ويعلمون ان البرلمان المصرى والغالبية العظمى من نوابه موالون وخاضعون لمؤسسات السلطة التنفيذية وعلى استعداد لتمرير اى قانون او تشريع او معاهدة او صفقة او قرار رئاسى بدون رفض او معارضة او تدقيق او تعقيب او حساب حتى لو كان فيه تخلى عن اراضى مصرية او اضرار بمصالح الدولة وامنها القومى مثلما حدث فى تيران وصنافير عام 2016 وحدث من قبل فى اتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية عام 1979 وما بينهما وما بعدهما.

12)         ويعلمون ان الدولة قد احكمت قبضتها على الحياة السياسية وعلى كل الاحزاب والشخصيات المعارضة وانها تهدد على الدوام بقدرتها على الزج بالمئات والالاف من المعارضين فى السجون لسنوات طويلة فيما لو تجرأوا ورفضوا اى صفقة من صفقاتها، وتجربتهم مع تيران وصنافير خير شاهد على ذلك.

***

لكل هذه الأسباب وغيرها، يعيش المصريون هذه الأيام حالة من القلق والفزع غير المسبوق على مصير قناة السويس، ولأول مرة منذ سنوات يتداعى الجميع لمراقبة الموقف والتحقق من خفاياه، والاستعداد لكل السيناريوهات، والتحذير من السيناريو المحتمل والأسوأ بوجود نوايا او صفقات غير معلنة مع أطراف غير معلومة، للتفريط فى حقوق مصر وسيادتها الوطنية على قناة السويس.

وربنا يستر.

*****

القاهرة فى 24 ديسمبر 2022

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت