- لقمان الشيخ
يسير العالم العربي بخطوات متثاقلة نحو سنة 2023 بعد عام مليء بالأزمات الاقتصادية، تسببت فيها الحرب الروسية الأوكرانية بشكل رئيسي حيث وصلت مؤشرات التضخم إلى مستويات قياسية، ليتخلى بعدها المواطن العربي البسيط عن حاجياته الكمالية، في ظل واقع اقتصادي مرير قادر على زعزعة حكومات تعهدت، سابقا بتخفيف وطأة الازمات الاقتصادية إلا انها فشلت في ذلك، ليجد المواطن العربي البسيط نفسه وسط صراع بين راتب زهيد لم يعد قادر على توفير متطلبات ومقتضيات الحياة التي تضخمت أضعاف مضاعفة على ما كانت عليه سابقا والنماذج في ذلك كثير.
والبداية من تونس ثاني اكبر الدول العربية مديونية لصندوق النقد الدولي بـ 2.5 مليار دولار والتي تعيش أسوأ ازماتها الاقتصادية، وما زاد الطين بلة هو الأزمة السياسية مما جعل المواطن التونسي يتخبط بين تدهور القدرة الشرائية ، وتضخم وصل لمستويات الذروة، ناهيك عن ندرة بعض المواد الأساسية، مما زاد من حجم الضغط على جيوب التونسيين المفلسة، خاصة مع إعلان الدولة رفع الدعم عن بعض المواد الغذائية ، وهذا ما ينذر بانفجار اجتماعي وشيك. مما يحي بأن عام 2023 لن يكون أحسن من سابقه، وذلك باعتراف الحكومة التونسية، لتستقبل بعدها تونس السنة الجديدة بديون فاقت الناتج القومي لها ناهيك عن الازمات السياسية لتدخل بذلك لنفق سياسي اقتصادي مظلم يهدد قيس سعيد وحكومة بوودن بمصير مجهول فالمواطن التونسي لن يتحمل المزيد من الضغط الاقتصادي والسياسي.
الحال الاقتصادي في تونس لا يختلف كثيرا عن مصر ثاني أكبر المديونين عالميا وأولهم عربيا بـ 17 مليار دولار رقم ضخم يعكس واقع الاقتصاد المصري الذي تعرض لفجوة في التمويل الأجنبي، نتيجة خروج الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، وارتفاع أسعار السلع الأساسية عالميًا مما أدى إلى تراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي، وبقدر ضخامة مديونية مصر الخارجية إلى انها على قدر الخبرة اللازمة للخروج من عنق الزجاجة باستقطاب استثمارات اجنبية على أن تتضمن حوافز متعلقة بسرعة إصدار التراخيص وزيادة الصادرات المصرية لتحقيق 100 مليار دولار صادرات خلال السنوات القليلة المقبلة على الأقل ولا يخفى على أحد حجم الاكتشافات في مجال الغاز الطبيعي في مياه البحر المتوسط ودلتا النيل، ما يمهد لاكتشافات أخرى قادرة على قلب الموازين وتحويل مصر إلى مركز إقليمي لتداول وتجارة الغاز والبترول.
وإذا قلت سابقا أن الوضع الاقتصادي قادر على زعزعة الحكومات فذلك وقع فعلا في الأردن، فمجرد زيادة نسبية على أسعار المحروقات كانت كفيلة بإخراج الشعب إلى الشارع لتكون بذلك بمثابة القطرة التي افاضت الكأس ولمتابع للشأن الأردني، سيلاحظ أن المملكة شهدت على مدى السنوات الماضية العديد من الإضرابات والمظاهرات، لكن معظمها كان محصورا في شعارات واعتصامات محدودة ولم تصل إلى حد غلق طرق رئيسية هامة أو استخدام السلاح، وهنا يمكننا القول أن فقدان الثقة كليا بالحكومة شكل نقطه تحول في تاريخ الأردن تحتاج إلى وقفة وتركيز وتغيير للنهج المتبع أصبح مطلب اساسي واعاده بناء جسر الثقة من خلال حل الأزمات التي يعاني منها المواطن الأردني.
وبالحديث عن فقدان الثقة في الحكومات فقد استطاعت الجزائر، استباق الوضع ورفع معاشات المتقاعدين والعمال لمواكبة موجة التضخم التي مست أغلب السلع الأساسية، ويمكن اعتبار الجزائر أحد أكبر المستفيدين من الحرب الروسية الأوكرانية، باعتبارها دولة نفطية بامتياز تمكنت من المرور بسلام من مرحلة الضيق إلى مرحلة "البحبوحة" كما يطلق عليها في الشارع الجزائري كناية عن الرفاهية الاقتصادية وهي السمة التي تتميز بها الدول النفطية منها دول الخليج.
في حين أن العراق ليبيا وبالرغم أنهما دولتان نفطيتان إلا انهما تغطان تدريجياً في فوضى سياسية، ويقابلها تراجع دور المؤسسات الحكومية التي باتت عاجزة عن السيطرة، حتى على قطاع النفط، الذي يشكل المورد الأساسي للدولتين.
في المقابل أمضت سوريا واليمن سنة صعبة فهي لم تنفك أن تتخلص من الحروب التي مزقت اقتصاداتها حتى وجدت نفسها أمام تحديات اخرى تفوق قدرتها، والتي يدفع ثمنها المواطن الذي أصبح غي قادر على مجابهة الحرب والفقر معا وهو الواقع الذي لا يبدو أنه سيتغير قريبا.
الحال العربي اقتصاديا لا يبشر بالخير ومن المتوقع أ يشهد مزيدا من الركود، وسط انكماش عدد من الاقتصادات نتيجة لتكاليف الاقتراض الجديدة التي تم الاتفاق عليها لكبح معدلات التضخم التي فاقت ذروتها وحتى وإن استطعنا أن نتفاءل خيرا بانخفاضها، فذلك سيستغرق وقتًا طويلاً قبل أن ينخفض التضخم إلى المستويات المعهودة والتي تحاول البنوك المركزية استهدافها، خلافا لمخاطر أخرى تتعلق بالتخلف عن سداد الديون السيادية لبعض الدول.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت