- د. طلال الشريف
ولأن فتح هي التيار الوطني المركزي في منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني الأكثر قبولا فلسطينيا وعربيا ودوليا لأسباب عدة لا مجال لذكرها في هذا المقال المزدحم ولكنها مألوفة ومعروفة لغالبية الشعب الفلسطيني وغلب على تفردها بذلك الفكر والبرنامج والعدد والعدة وخبرة البدايات والوسطية أي الأعتدال وغياب الأيديولوجيا في شرق أوسط له خصوصية الثقافة والطبائع والتاريخ المشترك الذي رفض دائما في كل العصور التراكيب الأيديولوجية والتطرف وساند ما يشبهه ويشبه ثقافته الممتدة طويلا عبر تاريخ المنطقة وما تواكب من ثقافة الإنسانية وتجربتها من قيم وكل ما ذكرنا من صفات هو النموذج الذي تواصل في حقب زمنية سابقة عمرت زمنا أطول في قيادة مجتمعات الشرق أي أن فتح كنموذج وسطي ذو ثقافة مرنة وغير مؤدلجة عكست ثقافة المجتمع التي تقوده وهي شبيهة له ويفهمها لبساطة طرحها وعدم جمودها في معالجة المجتمع والقضية والصراع التي نشأت من أجلها ولا يعيبها ما تبنته من برامج وأدوات تطبيقها وفشل قيادتها أو أفشلت في الظفر بها وكان أولها الكفاح المسلح وآخرها برنامج السلام والمفاوضات فالعمل النضالي تراكمي في طبيعته وبه محطات تراجع وتقدم وحتى به مراحل انحطاط كمرحلتنا الآنية المغلفة بالسواد لكن كيف ولماذا ستكون جمهورية فتح الثالثة؟
١- جمهورية فتح الأولى كانت جمهورية الفكهاني التي قامت في لبنان في متتصف السبعينات واستمرت ما يقارب عقد من الزمن والتي سقطت في العام ١٩٨٢م بعد اجتياح بيروت.
٢- جمهورية فتح الثانية كانت جمهورية أوسلو الإنتقالية قامت في العام ١٩٩٣م سقطت في العام ٢٠٠٧م بضياع غزة وإنغلاق عملية السلام.
٣- جمهورية فتح الثالثة هي الدولة الفلسطينية ستقوم في العام ٢٠٢٤ وستستمر مائة عام..
كيف؟ ولماذا ؟
رغم أن الانطلاق من ال (آني) أي الحاضر وال (مضى) أي الماضي، يشكلان معا حجر أساس وليس الحجر الأساس في رسم أو التنبؤ أو التخطيط للمستقبل أي أل (آتي) فإن التفكير المنطقي ياخذ حيزا أكبر من الأمل الحاث على الجهد المطلوب ليصبح الغد أكثر وضوحا وطمأنينة، وفي هذه الأثناء نحاول أن نتحدث ونستشرف المستقبل القريب ولذلك حديثي هنا سيكون عن الجمهورية الثالثة، ونترك الحديث المطول عن الجمهورية الأولى والثانية إلا من عبر وتلميحات لازمة للبناء عليها أو تجنبها...
ونبدأ الحديث عن جمهورية فتح الثالثة:
ما جرى من أخطاء أو انجازات لم تكن تلائم بقاء جمهورية الفكهاني الفتحاوية في بيروت لأنها في الأصل جمهورية مؤقتة "مكانيا" وهو خلل بنيوي اضطراري وبعيدا عن فشل إدارتها الاضطرارية المرتبطة أيضا بالخلل الاضطراري المكاني وهو الأساس أي وجودها خارج الوطن المطلوب ، وبعكس جمهورية فتح الثانية أوسلو التي سقطت زمانيا وليس مكانيا وهو عنصر اضطراري أيضا لأنه كان مرحليا وليس دائما ولكن هنا كان عنصر الإدارة هاما في السقوط ليس من ناحية الفساد مثلا ولكن من ناحية ان التجربة وليدة وجديدة لتحول الثوري إلى اجتماعي وأيضا ضعف الخبرة والمسؤولية عن شعب ومتطلبات حياته ومتابعة تقرير مصيره السياسي وهنا لا نجمل او نبرر الصورة بل نحللها بعمق لان الحديث عما نتج من فساد كان وليد التجربة الحديثة لحكم كم كبير من البشر وليس إدارة حزب مهما كان عدده وتشيؤ منازعين لها أقوى من السابق في جمهورية الفكهاني وهو الاسلام السياسي.
إذا النتيجة لسقوط جمهورية فتح الأولى كان مكانيا وسقوط جمهورية فتح الثانية كان زمانيا وهذا ينقلنا لفهم جمهورية فتح الثالثة التي ستستمر طويلا ...
الآن قد تحقق لفتح المكان والزمان رغم ما يشوبها من خلافات داخلية وتناقض حاد مع الاسلام السياسي، كانت نتيجة التجربتين وما نتج عنهما من ثقافة وقد مر زمن التجربتين وعيوبهما رغم أن الصورة السوداء مازالت تتدحرج كبقايا من التجربتين ولكن المجتمع هو الذي يدفع بالتجربة الثالثة نحو الأفضل خاصة وهو يقارن إجتماعيا أولا بما جربه من آخرين تسلموا الحكم فعاد لفتح ليس المخطئين أو الفاسدين أو الفاشلين منهم بل يندفع المجتمع الفلسطيني نحو اعادة نموذج فتح التي تشبهه في الخصائص التي هي خصائص فتح وليس نموذج قادتها ولذلك تجد سعبنا يحتشد حولها بطريق أوسع وأكثر عاطفة وإدراكا من السابق وانزياح بواقي الوطنيين نحوهاأولا بسبب تبخر الاحزاب الوطنية السابقة وثانيا لمواجهة التيار الاسلامي المنافس للوطنيين جميعا، وبان فتح تعملت من التجربتين بخاطرها أو عصب عنها الجمهور يلتف حولها، ومازالت على المكان المطلوب والزمن القادم هو زمنها بعد أن ينتجها هذا المجتمع الفلسطيني بطريقته في أي انتخابات قادمة ولن يستطيع من يأتي من الفتحاويين إلى القيادة في الزمن القادم تكرار نموذج القيادة السابقة لأنه لن يكرر الأخطاء ولأن البيئة الفلسطينية أصبحت أكثر نضوجا زمنيا ومكانيا وشعبيا ودوليا وسيجلب الشعب الفلسطيني فتح للقيادة من جديد وحتى أن فتح الآن وكل التيار الوطني الفلسطيني في نهاية حقبة الرئيس عباس بدأوا يراجعون ويصحون وسيتقدم فتح أناس أخرين استخلصوا العبر وسيبنون نظاما سياسيا جديدا لدولة فلسطين وستحكمها فتح لمائة عام قادمة بعد أن خبروا الدرب المطلوب لإقامة دولة فلسطين وهي جمهورية فتح الثالثة..
لن يعود الفلسطينيون في الزمن القادم إنتخاب غير فتح لقيادة مسيرتهم بعد أن تعلموا دروسا عظيمة ومؤلمة رحمة بحالهم وبأجيالهم لأن فتح هي من تشبههم وهي ظاهرة فريدة في التاريخ لم تتطرق او تتعمق في دراستها علوم السياسة والاجتماع بعد، وتحتاج التعمق في دراستها وتسليط الضوء عليها لفهم المستقبل القريب.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت