- بقلم سفير الاعلام العربي عن دولة فلسطين ، الكاتب والاديب العربي الفلسطيني الاعلامي د. رضوان عبد الله*
كانت ساعات النهار طويلة رغم قصر النهارات وطول الليل في كانون الثاني،في مثل هذه الايام،وكنا ننتظر تحسن صحة والدي وننزعج حين نراه مستلقيا على سرير المستشفى ، في غرفة العناية المركزة.وتذكرنا انه قبل ثلاث سنوات تقريبا اصابه عارض صحي وبقي في غيبوبة لمدة تزيد عن الثلاثة اسابيع . وبعد فترة علاج مستمرة و بعناية ومركزة واهتمام لا يوصف وقل مثيله من قبل اطباء المستشفى...وبعناية من الله وفضل منه ،افاق والدي من تلك الغيبوبة واعانه الله عليه رغم تأثيرها الجزئي على صحته .وهذا ما جعلنا نتأمل كثيرا بمروره من هذه الازمة والتي تشبه سابقتها الى حد كبير.
كانت خفقات قلبه تنعش قلوبنا جميعا،وتزيدنا املا ورجاء بان والدي ،رحمه الله تعالى، سيشفى ويصحو من هذه الغفوة او الكبوة او الغيبوبة التي لم تكن طبيعية ، بل مصطنعة ، اذ كانت بفعل ادوية قرر الاطباء معالجته بها منعا لاي ضيق نفس او حشرجات لرئتيه او لبلعومه . وكان الاطمئنان سيد الموقف،فعلا كنا نعيش بين الامل والرجاء بالعلاج المستمر المؤدي الى كامل الشفاء ،وان والدنا راجع الينا بعد امل الشفاء،باذن الله.كنا خلال اول اسبوع ،وحين يسمح لنا بزيارىه، نشعر ان والدي يسمعنا،تارة حين يبتسم بلطف من ثغره الوضاء وطورا حين تنزل بعض الدمعات اللطيفات من دموعه الغالية علينا،وتتدلى متلألئة على خديه كنجوم أتية من كوكوبين دريين .
لكنه هو القدر،الذي لا راد له ولا مانع منه، حتى كانت الساعات تمر بترقب وقلق كبيرين حين كان وكأنه يحيى في الثلاثة ايام قبل اليوم الاخير من حياته المليئة بنعم من ربنا وتقواه الكبيرة التي نعتز بها، فهو الذي حفظ القران عن ظهر قلب ، وهو الذي كان دوما يحدثنا بالدين والتربية والاخلاق ،وقصص الانبياء،وهو الذي كنت ارجع له حين اريد ان اسأل عن آية لاعرف في اي سورة هي ، كي استفيد منها بموضوع او مقالة او بيان او استفهام لي شخصيا عنها لاني سمعتها بمناسبة او من اخ او صديق ولم يكن هو يعرف باي سورة كانت،فألجأ الى ارشيفنا الديني الخاص رحمه الله ،والدي، كي اتأكد عن الاية او عن المسألة التي اريد .
الانفاس تحبسنا والتنهيدات تغمر صدورنا ،وكل الاحتمالات اصبحت ترد على بالنا،وبالقلب غصة حين صرنا نلاحظ ان الالات التي تتابع قلبه ضغط والدي وبقية اموره الصحية العلاجية، اصبحت تتأرجح عقاربها بين الحين والاخر،وتتراوح بين الوسط والضعيف،وصرنا نحاول ان ناخذ بصيص امل من الممرضين او من الاطباء المناوبين، ولكن بنفسرالوقت كنا نتوجس ان نسأل الاطباء والممرضين،لاننا نرى ونشاهد دون الحاجة الى السؤال،رغم حاجتنا الى السؤال للاطمئنان اكثر،لكن القلق اصبح داخل في القلوب والعقول،وبالمقابل فان الايمان يقوي عزيمتنا لتلقي اي شيء غير متوقع،وغير محسوب له. تلك المشاهد المفرحة لنا،ان كانت تبسمات وحتى بعض العبرات رغم المها، لم تعد تظهر لنا على وجنتي والدنا الحبيب، فظننا في تلك الساعات المؤلمة ان الساعة قد شارف موعدها،وان لقاء والدنا بحبيبه رسول الله وبربه الرفيق الاعلى،قد اقترب....
ما بين الحب والحنان والحنين يفاجئنا الموت ويقض مضاجعنا،ويفرق بيننا،فياخذ حبيبا او قريبا او صديقا،او ربما نسيبا او حفيدا او حتى غريبا....ولكنه وجع الموت الذي يفرق بين البشر،وما اصعبه من وجع يجعلنا نبكي دما قبل ان نذرف الدموع. كانون الثاني،على اهميته كأول شهر من السنة ، اي فاتحتها وبشراها وباكورة اشهرها، لكنه شهرا اختلطت فيه دموع البشرى بدموع الذكرى....وها انا اكمل لكم ذكرى فقداننا لوالدنا الغالي،رحمه الله تعالى،وعاش عمره الغالي بحبىونقاء وصفاء،ونحمد الله انه كان من حفظة القرآن،وممن تشهد له الصلوات الخمس حاضرا وفي المسجد.
اتذكر كلماته ونصائحه وارشاداته في وقت اتذكر فيه قدومه من إكمال عبادة الحج ، الفريضة الخامسة، وحين زارنا بعض الزملاء الطلاب و بعضهم الذين اوشكوا على التخرج او المتخرجين ايضا من الجامعات،شربنا ماء زمزم سويا وكنا نتحدث عن فترة النضال الطلابي المشترك،وقالوا تعالوا ندعو دعوة جماعية،فضحكت متبسما وقائلا لهم وبحضور والدي رحمه الله : إما ان ادعو معكم او تدعون معي...فاشاروا الي ان ادعوا قبل ان نشرب شفات زمزمية مباركة ، فقلت اللهم اخرجنا من هذا العمل الذي نحن فيه.....اي من العمل الطلابي،وذلك لقذارة المتنفذين في ذلك الوقت، وقالوا امين....ومن ثم ضحكنا من قلبنا...
وخلال فترة وجيزة حصل ما حصل ، وكان الاشكال الشهير مع من كانوا لا يفقهون الا مصالحهم وخدمة اغراضهم، وغادرت العمل الطلابي برمته وارتحت من قرف المتسلطين على العمل النقابي، لا سهل الله عليهم اينما كانوا لانهم اسهموا في تخريب ما كنا قد بنيناه جميعا نحن و بقية الشباب...رجاء المستقبل......وكلهم ، والحمد لله ، اراحهم الله لدعوتهم الصادقة.
رحمك الله يا والدي الغالي، رحمة واسعة ، ولا انسى كيف جاءك احد الاخوة الاعزاء الذين احبهم واحترمهم ،جاء ذات مساء يشكوا علي (بأمليته)، لأن هناك شكوى وصلته علي انني لا اقترب من المتسلط الفلاني واسلم عليه....!!! ، وهو بشكواه هذه اتاني كي اكارمه...وانا كارمته...وصرت القي السلام ولو من بعيد...فقط لان السلام هو لله وليس للشياطين...انتهى
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت