دعا القيادي التاريخي الفلسطيني تيسير خالد الى إجراء مراجعة سياسية واسعة عبر حوار وطني شامل يفضي الى توافق وطني على خارطة طريق وطنية لتمتين الجبهة الداخلية استعدادا للتطورات السياسية القادمة والتحديات التي تطرحا حكومة بن غفير – سموتريتش برئاسة بنيامين نتنياهو ببرنامجها الائتلافي مع الاحزاب الحريدية وأحزاب الصهيونية الدينية ، والتي تنكر وجود الشعب الفلسطيني وتتنكر لحقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف وخاصة حقه في تقرير المصير بمركباته الثلاث بدءا بالحقوق القومية وحقوق المواطنة والمساواة لفلسطينيي 1948 مرورا بحق الشعب الفلسطيني في بناء دولته الوطنية على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان حزيران 1967 وفي القلب منها مدينة القدس ، العاصمة الأبدية لدولة وشعب فلسطين وانتهاء بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى ديارهم التي هجروا منها بالقوة العسكرية الغاشمة ، والى بناء جبهة قومية فلسطينية تضم الفلسطينيين في جميع مناطق تواجدهم ، تكون مفتوحة لمشاركة القوى الديمقراطية التقدمية اليهودية في دولة الاحتلال ، على محدوديتها بحكم محدودية الوضع الانساني في هذه الدولة .
جاء ذلك في حوار مع وسائل الاعلام أجاب فيه على عدد من الاسئلة التي تحتل أهمية وأولوية في أوساط الرأي العام الفلسطيني ، حيث أكد أن أحد المداخل الرئيسية لذلك هو تعزيز مكانة منظمة التحرير الفلسطينية وتصويب أوضاعها باعتبارها المرجعية الوطنية وجبهة وطنية ائتلافية موحدة تدار الامور فيها على قاعدة العمل الجماعي والديمقراطية التوافقية. وقد استعرض الحوار عددا من المحاور السياسية أوضح فيها تيسير خالد الموقف منها على النحو التالي :
1 - لنبدأ هذا الحوار حول رؤيتك للوسائل التي يمكن من خلالها مواجهة حكومة الاحتلال على المستوى الوطني والشعبي بسياساتها الفاشية المتطرفة وبرنامجها الذي يعلن صراحة ان حق تقرير المصير في فلسطين التاريخية هو حق حصري لليهود ويؤكد انها سوف تمضي قدما في سياسة الاستيطان والتهويد والتطهير العرقي بوتائر عالية ؟
*** ما جرى في إسرائيل في انتخابات الكنيست الاسرائيلي في الأول من نوفمبر 2022 يمكن اعتباره الانقلاب الثاني في منظومة الحكم الإسرائيلي، فالانقلاب الأول كان عام 1977 ، الذي جاء بمناحيم بيغن إلى السلطة بعد الاطاحة بحزب العمل، أما الثاني فقد جاء عام 2022 محمولا على موجة عالية من التطرف والفاشية بصعود ايتمار بن غفير وبيتلئيل سموتريش الى السلطة، وكلاهما بن غفير وسموتريتس صناعة نتنياهو، عنوان اليمين الصهيوني في اسرائيل
الانقلاب الأول أطلق موجة عالية من النشاطات الاستيطانية بقيادة مناحيم بيغن بعد التوقيع على اتفاق السلام مع مصر، حيث أقامت اسرائيل 35 مستوطنة جديدة فارتفع عدد المستوطنين إلى 13234 مستوطنا وشهد النصف الاول من ثمانينات القرن الماضي هجوما استيطانيا واسعا
وأقام الاحتلال الإسرائيلي 43 مستوطنة جديدة ليرتفع عدد المستوطنين إلى 28400 مستوطن، وقد تواصلت عمليات السيطرة على الاراضي وعمليات بناء المستوطنات منذ ذلك التاريخ، حتى وصلنا إلى الوضع القائم حاليا ببناء 158 مستوطنة في أراضي الضفة الغربية بما فيها شرقي القدس يسكنها نحو 700 – 750 ألف مستوطن ، هذا إلى جانب 15- 20 ألف مستوطن يسكنون في أكثر من 200 بؤرة استيطانية أخذت تتحول مع مرور الوقت الى حاضنة للمنظمات الارهابية اليهودية وهكذا أخذ الاحتلال والاستيطان يتعمق ويبني نظاما من الفصل العنصري بكل ما لذلك من معنى .
ولكن أمام هذا تقف السلطة والقيادة الفلسطينية وظهرها الى الحائط، ليس أمامها سوى إعادة النظر في استراتيجية العمل الوطني بأولويات مختلفة تأخذ بعين الاعتبار سياسة الحكومة الجديدة في اسرائيل وتتصدى لها بأدوات مختلفة عن السابق
نحن فقدنا السيطرة تماما بل فقدنا الصلة بما يجري في المناطق المصنفة (ج) وفي القدس ومحيطها وتحولنا للعيش في معازل والاحتلال يُغلق الأبواب أمام تسوية سياسية تخرج عن السياق المخطط المرسوم والمتفق عليه في الاتفاقيات والتفاهمات بين أطراف هذه الحكومة،
الآن ، أمامنا قرارات الإجماع الوطني المتفق عليها في دورات اجتماعات المجلس الوطني والمجلس المركزي واجتماع الأمناء العامين في ايلول عام 2020، هذه يجب احترامها والبدء بتنفيذها بخطوات متدرجة ومدروسة ، وأمامنا كذلك ساحة العمل السياسي والدبلوماسي لدفع المجتمع الدولي للتعامل مع (إسرائيل) باعتبارها دولة احتلال كولونيالي استيطاني وهيئات العدالة الدولية بالرغم من محدودية دورها بفعل محدودية الوضع الإنساني العالمي ، الذي تسيطر عليه القوى الامبريالية وخاصة الولايات المتحدة الأميركية.
كما أنه حان الوقت لتوسيع مساحة الاشتباك الوطني مع سياستها بالعمل على بناء جبهة قومية فلسطينية تضم جميع الفلسطينيين في مناطق 1948 ومناطق 1967 والشتات كذلك وتكون مفتوحة لمشاركة القوى والفئات والشخصيات اليهودية المعادية للاحتلال والفاشية والعنصرية في اسرائيل على محدوديتها بفعل محدودية الوضع الانساني داخل هذه الدولة .
2 - توجهت منظمة التحرير الفلسطينية مؤخرا الى الجمعية العامة للأمم المتحدة بطلب إحالة الاحتلال المتواصل للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 الى محكمة العدل الدولية ... كيف تقيم التحرك الفلسطيني في المنظمات والهيئات الدولية
*** هذا التحرك يجب ان ندعمه بكل قوة ، سواء في الجمعية العامة للأمم المتحدة او في مجلس حقوق الانسان او المحكمة الجنائية الدولية او أخيرا التوجه الى محكمة العدل الدولية بطلب رأي استشاري ( فتوى ) في ماهية الاحتلال وحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ، تماما كما كان الحال في التوجه الى هذه المحكمة عام 2004 بطلب حول جدار الفصل العنصري ، الذي أقامته اسرائيل في عمق الضفة الغربية ، والذي وصفه الرئيس الاميركي جورج بوش ( الإبن ) في حينه بأنه يتلوى كالأفعى في بطن الضفة الغربية . هدف هذا التحرك هو نزع الشرعية عن دولة اسرائيل وعن احتلالها باعتباره لم يعد احتلالا مؤقتا بل هو تحول الى احتلال دائم يترافق مع استيطان غير مشروع ومع سياسة تمييز وفصل عنصري وتطهير عرقي . في هذا السياق اود ان اشدد على ضرورة ان نسعى ونحن نتوجه الى محكمة العدل الدولية بطلب فتوى حول ماهية الاحتلال الى أهمية ان تتضمن هذه الفتوى مطالبة بإنشاء سجل للأضرار الناجمة عن الاحتلال وتداعياته بدءا بالاستيطان مرورا بهدم المنازل والمنشآت وانتهاء بسياسة المصادرة والتهجير ، التي تمارسها اسرائيل بحق المواطنين الفلسطينيين ، تماما كما كان الحال بالنسبة لسجل أضرار الجدار ، الذي تقوم به الامم المتحدة استنادا للفتوى المعنية والى قرار الجمعية العامة بهذا الخصوص عام 2006 .
غير ان التحرك على الساحة الدولية يجب الا يشكل تعويضا عن المواجهة الشاملة على الارض مع سياسات الاحتلال واجراءاته أحادية الجانب ، فالمواجهة الشاملة بدءا بتطبيق قرارات الاجماع الوطني التي اتفقنا عليها في المجلس الوطني عام 2018 وفي الدورات المتعاقبة للمجلس المركزي الفلسطيني ، مرورا بتوفير متطلبات الصمود في وجه الاحتلال وتوزيع اعبائه على جميع طبقات الشعب وفئاته الاجتماعية الوطنية وانتهاء بمقاطعة بضائع الاحلال ورفع وتيرة ومستوى ومساحة المقاومة الشعبية بمختلف اشكالها وصولا الى العصيان الوطني الشامل ، يجب ان تشكل مجتمعة خارطة طريق وطنية ورافعة لعصيان وطني شامل ، يعزز التحرك على المستوى الدولي ويدفع المجتمع الدولي الى الانتقال من حالة إدارة الصراع الى حله على قاعدة القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية وقرارات الشرعية الدولية .
3 - في ضوء تواصل حالة الانقسام وانعكاساتها على الجبهة الداخلية ، كيف يمكن معالجة الأزمة الوطنية الداخلية وإنهاء الانقسام ؟
*** لست من المتفائلين بالدعوات التي لا تخلو منها بيانات ومواقف القوى والهيئات والمؤسسات بشأن الحوار الوطني الشامل ، الذي يضم الجميع لتجاوز حالة الانقسام ، فقد تشكلت في ظل الانقسام مجموعة من المصالح السياسية والمادية تضع قيدا على تجاوز حالة الانقسام من خلال الحوار الوطني ، رغم ذلك لا أستثني الضغط في هذا الاتجاه
لكن الانقسام تعمق ويكاد يتحول الى انفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة ، بصرف النظر عن أية ادعاءات بخلاف ذلك، وقد أفسد الانقسام الحياة السياسية والدستورية في النظام السياسي الفلسطيني ، وباختصار شديد لا أرى خيارا أفضل لتجاوز حالة الانقسام هذه سوى خيار العودة الى المواطن والتوقف عن سلبه حقوقه الطبيعية في الممارسة الديمقراطية وضرورة التحول نحو انتخابات رئاسية وأخرى تشريعية لكل من المجلس الوطني والمجلس التشريعي على أساس التمثيل النسبي الكامل وتحويل موقع مدينة القدس في هذه الانتخابات الى معركة سياسية محلية واقليمية ودولية مع الاحتلال ، الذي ينكر على المواطنين الفلسطينيين في القدس هويتهم باعتبارهم مواطنين في دولة فلسطين تحت الاحتلال لهم كامل الحق في المشاركة في الانتخابات كغيرهم من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة . معاركنا في القدس مع الاحتلال كانت دائما ناجحة وانتزاع حق المقدسيين في المشاركة في الحياة السياسية والدستورية الفلسطينيين حق يجب الا ينازعنا فيه أحد .
لكن في الوقت نفسه أحذر من السقوط في أوهام التداول السلمي للسلطة ففي ذلك استعارة في غير محلها لمسار سياسي في ظروف تختلف عن ظروفنا الراهنة ، فنحن تحت سلطة احتلال ومن غير المناسب السقوط في وهم استعارات هي من حيث المبدأ سليمة ولكنها من حيث الجوهر لا تتفق وحاجتنا الى الوحدة الوطنية في مواجهة سلطة الاحتلال
واعتبر ان صيغة منظمة التحرير الفلسطينية بعد تصويب أوضاعها والعمل تحت رايتها كجبهة ائتلافية عريضة تضم الجميع هي الصيغة الأنسب لنظام الحكم وللنظام السياسي الفلسطيني .
4 - اتخذت هيئات منظمة التحرير الفلسطينية عدة مرات قرارات بوقف التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال وبقيت هذه القرارات حبرا على ورق ، ما هو موقفكم من استمرار هذا التنسيق في ضوء برنامج الحكومة الاسرائيلية الحالية ؟
*** قرارات المجلس الوطني الذي انعقد مطلع العام 2020 وقرارات المجلس المركزي في دوراته المتعاقبة تتجاوز وقف التنسيق الأمني نحو ما هو اوسع وأشمل ، فهي تدعو الى إعادة بناء العلاقة مع دولة اسرائيل باعتبارها دولة احتلال كولونياني ودولة تمييز وفصل عنصري وتطهير عرقي.
المطلوب باختصار ووضوح هو فك الارتباط مع هذه الدولة بدءا بوقف التنسيق الأمني مرورا بتعليق الاعتراف بها حتى تعترف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967 وانتهاء بوقف العمل باتفاق باريس الاقتصادي والانتقال إلى المقاطعة الشاملة لجميع البضائع الإسرائيلية ، التي لها بديل وطني او عربي أو أجنبي ، بما في ذلك طبعا بضائع المستوطنات ، وتوفير كل متطلبات المقاومة الشعبية للاحتلال وصولا إلى العصيان الوطني الشامل ، هذه هي قرارات الاجماع الوطني التي يجب احترامها واعتمادها كأساس لخارطة طريق وطنية في المواجهة مع الحكومة الجديدة لدولة الاحتلال .