يرى مراقبون فلسطينيون وإسرائيليون أن حركة (حماس) التي تسيطر على قطاع غزة منذ 2007 تضغط باتجاه تحريك المياه الراكدة في ملف تبادل الأسرى مع قدوم حكومة إسرائيلية جديدة برئاسة بنيامين نتنياهو.
وعرضت كتائب القسام الجناح العسكري لحماس يوم الاثنين الماضي فيديو مصورا للإسرائيلي الأسير لديها في غزة أبراهام منغستو، مدته 44 ثانية يقول فيه "إلى متى سنبقى هنا في الأسر أنا ورفاقي، أين دولة وشعب إسرائيل من مصيرنا".
وجاء نشر الفيديو على الموقع الإلكتروني للكتائب بالتزامن مع تبادل المناصب في رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي وتنصيب هرتسي هاليفي قائدا جديدا خلفا لأفيف كوخافي، حيث طالبته كتائب القسام بأن "يعد نفسه لحمل أعباء وتوابع فشل سلفه".
وتعليقا على الفيديو قالت عائلة منغسيتو للإذاعة العبرية العامة في حينه إن "المقطع دليل جديد على أنه حي وبصحة جيدة، يجب على الدولة أن تتحرك بسرعة لإعادته إلى الوطن".
-- تحريك المياه الراكدة --
وقال المحلل السياسي من غزة حسام الدجني، لوكالة أنباء (شينخوا) إن عرض كتائب القسام مقطع فيديو يظهر فيه منغستو يهدف إلى "تحريك المياه الراكدة في ملف صفقة تبادل في محاولة للضغط على نتنياهو".
واعتبر الدجني أن ظهور منغستو في هذا التوقيت "سيدفع الجانب الإسرائيلي أثمان عديدة كونه من أصول إثيوبية مما سيحدث شرخ في المجتمع الإسرائيلي بالمقارنة مع قامت به إسرائيل في زمن جنديها السابق لدى القسام جلعاد شاليط".
وأضاف أن كتائب القسام قد تقدم على بعض الخطوات التي من شأنها انجاز صفقة تبادل كون الهدف من ورائها الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين والوصول إلى تفاهمات تنهي الحصار المفروض على قطاع غزة منذ 16 عاما.
وأشار إلى أن الفرصة لإنجاز صفقة تبادل متاحة في ظل وجود نتنياهو وهو شخصية قوية يستطيع أن يتخذ القرار كونه يستحوذ على 64 مقعدا في الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي ويمتلك حكومة قوية.
ورأى الدجني أن حديث منغستو خلال الفيديو المصور بقوله "أنا ورفاقي رسالة للمجتمع الإسرائيلي تدلل أن معه أكثر من جندي في الغرفة وكأنها رسالة من حماس إلى إسرائيل أن الجنديين شاؤول آرون وهدار غولدن على قيد الحياة".
وهذه المرة الثانية التي تعرض فيها كتائب القسام مقاطع فيديو للأسرى الإسرائيليين لديها، حيث عرضت في يونيو الماضي لأول مرة مقطع قصير لهشام السيد (33 عاما) وهو طريح الفراش موصولا على جهاز تنفس اصطناعي وبجانبه شاشة تلفاز تبث لقناة (الجزيرة) القطرية لتدلل على تاريخ تصوير مقطع الفيديو.
وتحتجز كتائب القسام الجناح العسكري لحماس لديها 4 إسرائيليين في قطاع غزة، وهم الجنديان شاؤول آرون وهدار غولدن وأسرتهما في الحرب الإسرائيلية على القطاع صيف عام 2014، فيما تقول إسرائيل إنهما قتلا.
إلى جانب كل من منغستو وهشام السيد وهما يحملان الجنسية الإسرائيلية، الأول من أصل إثيوبي والثاني عربي دخلا غزة بعد عام 2014 في فترتين مختلفتين في ظروف غير واضحة.
وفي الصدد أكدت حركة حماس على لسان الناطق باسمها حازم قاسم أن إسرائيل "لن ترى جنودها الأسرى لدى كتائب القسام إلا بصفقة تبادل مشرفة"، مشددا على أن القسام "قادرة على الإفراج عن الأسرى وأثبتت في كل المحطات قدرتها على الإبداع في الوسائل والأدوات".
واعتبر قاسم في بيان أن ما نشرته كتائب القسام من مقطع فيديو مصور يؤكد "جدية القسام في التعامل مع ملف الأسرى وقضية صفقة التبادل"، مشيرا إلى أن حالة من "المماطلة والتسويف تمارسها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة للجمهور حول وضع الأسرى لدى القسام وصحتهم".
-- رسالتان من وراء نشر مقطع الفيديو--
رأى الكاتب والمحلل السياسي مخيمر أبو سعدة لـ (شينخوا) أن ظهور منغستو يحمل رسالة للحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نتنياهو بأن "إرث الحكومة السابقة الثقيل فيما يتعلق بملف الأسرى ما زال حاضرا".
وأضاف أبو سعدة أن الجندي منغستو ظهر في الفيديو المصور "بصحة جيدة على عكس ما يقوله المسؤولون الإسرائيليون بأنه مريض نفسي"، معتبرا أن دلالة التوقيت مرتبط بما يجري داخل المجتمع الإسرائيلي.
وأضاف أبو سعدة أن مقطع الفيديو المصور رسالة جدية للمجتمع الإسرائيلي للضغط على الحكومة الإسرائيلية وعلى رئيس هيئة الأركان الجديد هرتسي هاليفي لتحريك الملف وإنهاء صفقة تبادل أسرى قبل أن تغلق حماس هذا الملف نهائيا.
وكان رئيس حماس في قطاع غزة يحيى السنوار قد هدد في منتصف ديسمبر الماضي بإغلاق ملف مفاوضات تبادل الأسرى مع إسرائيل بشكل نهائي ردا على "مماطلتها" بشأن ذلك.
وقال السنوار في حينه "إزاء مماطلة الاحتلال نعلن أننا سنمهله وقتا محدودا وإلا سنغلق ملف مفاوضات التبادل إلى أبد الآبدين وسنجد طريقة أخرى لتحرير أسرنا".
في المقابل أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان صدر عن مكتبه يوم الاثنين الماضي تعقيبا على فيديو منغستو أن إسرائيل تستثمر كل مواردها وجهودها لإعادة الأسرى والمفقودين من قطاع غزة.
كما طالبت وزارة الخارجية الإسرائيلية يوم الثلاثاء الماضي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش العمل من أجل إطلاق سراح الأسرى والمفقودين الإسرائيليين في غزة.
وقال بيان صادر عن الوزارة إن الوزير إيلي كوهين أوعز بإرسال رسائل إلى غوتيريش ورئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمدير العام لمنظمة الصحة العالمية وكبار المسؤولين في هيئات الأمم المتحدة في جنيف تطالبهم بالعمل من أجل "إطلاق سراح المواطنين الإسرائيليين وجثث الجنود الأسرى في أيدي حركة حماس في غزة".
-- حرب نفسية من حماس--
قال المحلل العسكري بصحيفة (هآرتس) الإسرائيلية عاموس هارئيل في مقال تعقيبا على الفيديو المصور لمنغستو إن حماس قامت "بمناورة وحرب نفسية من أجل الإسراع في صفقة تبادل".
وذكر هارئيل أن حماس هدفت من وراء ظهور منغستو الضغط على نتنياهو كونه الشخص الوحيد القادر على اتخاذ القرار الصعب بإبرام الصفقة بعد اتخاذه نفس الخطوة في عهد الجندي شاليط.
وأضاف هارئيل أن حماس حاولت إحراج رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي المنتهية ولايته كوخافي الذي أعرب عن خيبة أمله لعدم تمكن الجيش الإسرائيلي من إعادة الأسرى من غزة، وبالتالي ما جرى بثه يأتي في إطار "الحرب النفسية والمناورة الإعلامية".
وسبق أن أبرمت إسرائيل في ظل حكومة كان يترأسها نتنياهو اتفاقا لتبادل الأسرى مع حماس برعاية مصر في العام 2011 تضمن الإفراج عن الجندي شاليط، الذي أسرته الحركة في منتصف العام 2006 مقابل إطلاق سراح أكثر من ألف سجين فلسطيني من السجون الإسرائيلية على دفعتين.
وبحسب مؤسسات حقوقية فلسطينية، تعتقل إسرائيل حاليا نحو 4700 أسير فلسطيني من بينهم 29 أسيرة و150 طفلا وقرابة 850 معتقل إداري و700 أسير مريض منهم قرابة 200 في حالة مرضية مزمنة بحاجة لعلاج مستمر.