زياد جرغون
عضو المكتب السياسي
للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
(1)
في مجابهة الاحتلال وتصعيد المقاومة
■ في ظل الإدراك الوطني العميق لطبيعة حكومة نتنياهو الجديدة، ودروس إستحقاقات العام 2022، ستكون المجابهة الوطنية الشعبية خلال العام 2023 أكثر تصميماً على التصدي للمشاريع الإسرائيلية القائمة على الحل الصفري للصراع، وعلى تجاهل الحقوق الوطنية لشعب فلسطين ليس كما أقرتها الشرعية الفلسطينية فحسب، بل وكذلك كما تكفلها الشرعية الدولية، والتي عودتنا دولة الاحتلال على الدوام أن تدير الظهر لها، وأن تتنكر لها، وأن تعطل تنفيذها، بذرائع مختلفة، أهمها الحفاظ على أمن إسرائيل المزعوم (!).
وبات أمراً محسوماً أن الشعب الفلسطيني اختار المقاومة الشعبية الشاملة، بكل وسائلها طريقاً لمواجهة الاحتلال، رغم ما تعتري هذه المقاومة الباسلة من علامات ضعف تبطئ تطورها وتقدمها وقدرتها على التأطير والفعل والتأثير.
فهي مقاومة في ظل انقسام سياسي، يتعمق يوماً بعد يوم وفي ظل خلافات في الرؤية ورسم الخيارات داخل م.ت.ف؛ فالانقسام السياسي بين حركتي حماس وفتح بدأ يأخذ أبعاداً، تجعل منه انقساماً في الخيارات السياسية، تعكس نفسها على الأوضاع الميدانية في كل من الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، وتضع المزيد من العقد والعراقيل أمام تطبيق ما تم التوافق عليه في جولات الحوار، بما فيها «حوار الجزائر».
■ في ظل الشروط والشروط المضادة، سيتعمق التشتت السياسي الفلسطيني، فالسلطة في رام الله تشترط لإنهاء الانقسام الالتزام بما تسميه المقاومة السلمية، والاعتراف بقرارات الشرعية الدولية، علماً أن نيل عضوية منظمة التحرير لا يتطلب سوى الموافقة على نظامها الأساسي، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، بصرف النظر عن الإتجاهات السياسية والخيارات الفكرية التي تنتشر في صفوفه.
بالمقابل تضع حركة حماس شروطاً، من شأنها هي الأخرى أن تعرقل إنهاء الانقسام عبر دعوتها، لتشكيل مجلس وطني مؤقت قبل إنهاء الانقسام، وقبل توحيد مؤسسات السلطة وولايتها عليها في الضفة والقطاع.
■ ليس خافياً أن هذه الاشتراطات تتجاهل ما تم التوافق عليه في جولات الحوار، بما فيها الجولة الأخيرة في الجزائر، مما يؤكد الانطباع أن الطرفين، وفي ظل الرهانات والتوقعات المختلفة لكل منهما، قد وضعا مسألة إنهاء الانقسام خلف الظهر، على الأقل في المدى السياسي المنظور فلسطينياً، بالمقابل تشهد م.ت.ف. خلافات سياسية بين فصائلها، تتمحور حول الخيارات السياسية الضرورية لمواجهة الاحتلال، فمقابل تمسك معظم القوى الفلسطينية بضرورة تطبيق قرارات المجلس المركزي وإعادة النظر بالعلاقات مع دولة الاحتلال، ووقف العمل بالمرحلة الانتقالية لاتفاق أوسلو، واستحقاقاتها والتزاماتها، تصر القيادة الرسمية للسلطة الفلسطينية على تعطيل القرارات والمماطلة في تنفيذها، بدعوى إنضاج اللحظة المناسبة، في تجاهل عميق لما تشهده الأراضي المحتلة من تطورات، والحالة الإسرائيلية من تحولات ما يشير في الحقيقة إلى أن هذه القيادة ما زالت تراهن على الوعود الأميركية، بما فيها الوعد بإطلاق مفاوضات «حل الدولتين»، رغم اعتراف إدارة البيت الأبيض أن مثل هذه المفاوضات لن ترى النور في المدى المنظور.
إن استراتيجية القيادة الرسمية، تقوم على الالتزام بما سمي «عدم القيام بإجراءات أحادية الجانب»، عملاً باشتراطات الولايات المتحدة، والمفروضة على الجانب الفلسطيني وحده في ظل تجاهل واشنطن للسياسات الإسرائيلية القائمة كلها على خلق وقائع ميدانية، تشكل في مجموعها خرقاً لاتفاق أوسلو الذي نص على عدم القيام بإجراءات أحادية الجانب، وأنها ملتزمة بما سمي حماية «حل الدولتين».
■ في هذا السياق، يتوجب التأكيد أن الانقسام السياسي بين الفصائل، لا يعني أنه مسّ الوحدة الوطنية الفلسطينية، فالشعب الفلسطيني رغم الانقسامات الفصائلية الفوقية يحافظ على وحدته الوطنية في مواجهة الاحتلال ومشاريعه العدائية، ورغم محاولات الإيحاء بوجود تباينات في الرؤى الشعبية الفلسطينية، إلا أن الواقع يؤكد أن الشعب الفلسطيني موحد في الميدان، ضد الاحتلال وضد الحصار، وضد المشاريع البديلة لحقوقه الوطنية، وأنه متمسك بحقوقه الوطنية كاملة، وقد عبر عن وحدته هذه في الميدان، بأرقى أشكال التعبير في «معركة القدس» و«معركة سيف القدس» في العام 2021، حين توحد الشعب في شطري الوطن، أي أراضي الـ 48 ، وأراضي 67، وفي عموم مناطق الشتات في مقاومة باسلة، قدم فيها كل تجمع من تجمعات الشعب الفلسطيني ما يمكن أن يقدمه، في ظل شروطه الخاصة السياسية والجغرافية.
وبالتالي لم تنجح كل الانقسامات، وكل الخلافات وكل التباينات في اختراق وحدته هذه، التي تزداد إلتحاماً وتماسكاً يوماً بعد يوم، ما يوفر القدرة أمام الحركة الشعبية الفلسطينية لمواصلة الضغط، بالأشكال المختلفة لتطويق نتائج الانقسام وتداعياته، والضغط على أطراف الحالة الفلسطينية في لحظة من لحظات المجابهة، لوضع حل لهذه الانقسامات واستعادة الوحدة الداخلية لفصائل العمل الوطني، وتعزيز الوحدة الوطنية للشعب.
■ إن كل هذا يتطلب استنهاض المقاومة الشعبية الشاملة، والعمل على تأطيرها ميدانياً، في جبهات المواجهة المختلفة في أنحاء الضفة، بما فيها القدس المحتلة، ومطالبة السلطة الفلسطينية وقيادتها برسم سياسات ميدانية واجتماعية واقتصادية تعزز صمود الحالة الشعبية، واستنهاض الدور المطلوب للاتحادات الشعبية والنقابات المهنية، ومؤسسات المجتمع المدني، وتعزيز صمود قطاع غزة في مواجهة الحصار، واجتراح الأساليب الكفاحية لينخرط في المقاومة الشعبية جنباً إلى جنب مع الضفة الفلسطينية، وتوفير الآليات النضالية للتنسيق مع الحركة الشعبية الفلسطينية في أراضي الـ 48، وتطوير أساليب انخراط الشتات في المعركة الوطنية.
هذه الخطوات واتجاهات العمل هي التي من شأنها أن تواصل الضغط على القيادة السياسية، من أجل الوصول إلى محطة إصلاح أوضاع م. ت. ف، وتعزيز موقعها النضالي والقانوني والسياسي والتمثيلي، ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، وإبراز الأبعاد الحقيقية للبرنامج الوطني «البرنامج المرحلي» وراهنيته السياسية، بديلاً لسياسات التلهي في البحث عن بدائل عقيمة أثبتت التجارب المرة للشعب الفلسطيني عمق فشلها■
(2)
الحكومة الاسرائيلية الجديدة
■ أسفرت نتائج انتخابات الكنيست الإسرائيلي الـ 25؛ عن تشكيل حكومة جديدة ضمت تحالف الأحزاب اليمينية المتشددة والفاشية الليكود، وعظمة إسرائيل والصهيونية الدينية، إلى جانب حزبي الحريديم شاس ويهودوت هتوراه، توزعت فيما بينها الوزارات المهمة والأكثر حساسية بما فيها وزارتا الأمن الداخلي، والدفاع، والداخلية والمالية.
وقد استبقت هذه الحكومة تشكيلها بإجراء تعديلات على القوانين الأساس لدولة إسرائيل، بما ينسجم مع الاتجاهات السياسية للائتلاف الرباعي، ويفتح له طريق تنفيذ أهدافه، على الصعيد الإسرائيلي الداخلي، وفي العلاقة مع القضية الفلسطينية، وفي المحيط العربي، وعلى الصعيد الدولي:
• فوزارة الأمن الداخلي تحولت إلى وزارة الأمن القومي، ألحقت بها قوات حرس الحدود (12 كتيبة) كانت سابقاً تتبع لوزارة الأمن (أي الجيش)، وكلفت بحفظ أمن المستوطنات، وقد كانت سابقاً من مهام الجيش، ما يخرج المستوطنين من تحت سلطة وزارة الدفاع ويضعها تحت سلطة وزارة الأمن القومي، التي يتولاها الفاشي رئيس حرب عظمة إسرائيل إيتمار بن غفير.
• كذلك انتزعت الإدارة المدنية لسلطات الاحتلال من تحت سلطة الجيش، وأحيلت إلى وزارة المال، التي يتولاها اليميني المتشدد، زعيم حزب الصهيونية المتدينة بتسلئيل سموتريتش، الذي تولى في الوقت نفسه مهام الوزير المنتدب لدى وزارة الدفاع، ما يعزز هيمنة سموتريتش على الجيش، على حساب الدور القيادي لرئيس أركان الجيش.
• كذلك أقرت حكومة نتنياهو مشروع قانون من شأنه أن يقلص صلاحيات المحكمة العليا في إسرائيل على قرارات الحكومة، ويضعف دور المراقب القضائي للحكومة لصالح منصب مستحدث هو النائب العام، الأمر الذي سيعزز قدرة حكومة نتنياهو على التفلت من حق المعارضة في اللجوء إلى المحكمة العليا في نزاعها مع الحكومة، خاصة وأن قرارات المحكمة، ستكون في ظل التعديلات التي تنوي حكومة نتنياهو إجراءها مجرد آراء استشارية غير ملزمة للحكومة.
■ مثل هذه التغييرات والتعديلات والتطورات وغيرها، يمكن القول أنها على طريق تحويل دولة إسرائيل من دولة تتفاخر أمام الغرب أنها دولة علمانية، ليبرالية، وأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، إلى دولة قومية يهودية، تعلي قيم الدين اليهودي على غيرها من القيم (بما في ذلك – على سبيل المثال – التعطيل يوم السبت، والتدقيق في «الأصل اليهودي» لعشرات آلاف الإسرائيليين اليهود، الذين يشكك حزب شاس الذي تولى وزارة الداخلية في حقيقة انتمائهم إلى الدين اليهودي).
■ هذا التحول في إسرائيل، يطرح علينا سؤالاً عن أسبابه، هل هو مفاجئ أم أنه نتاج لتطور ما في الحالة الإسرائيلية؟ في قراءتنا للوضع الإسرائيلي يمكن الجزم أن مثل هذا التحول مرّ في ثلاث محطات رئيسية، أفضت إلى ما باتت عليه إسرائيل حالياً:
• المحطة الأولى مع وصول حزب الليكود، بقيادة مناحيم بيغن إلى السلطة عام 1977، وهي المرة الأولى في تاريخ البلاد، التي يهزم فيها اليمين الإسرائيلي حزب العمل اليساري الصهيوني، الذي على يديه تأسست الدولة، وقد شكل فوز اليمين معياراً لتحولات سياسية اجتماعية في الداخل الإسرائيلي، هي نتاج للتوسع الاستعماري للاحتلال بعد حرب حزيران (يونيو) 67، واستيلاء إسرائيل على الضفة الفلسطينية، وادعاء تحريرها من العرب الذين كانوا يحتلونها حسب الثقافة الدينية التوراتية لليمين الإسرائيلي، ومنذ تلك المحطة التاريخية في التحولات السياسية والاجتماعية في إسرائيل بدأت حكومات الاحتلال، خاصة اليمينية منها، إطلاق الأسماء التوراتية على معالم الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك إلغاء اسم الضفة الغربية لصالح الاسم التوراتي المزعوم «يهودا والسامرة»، وفي هذه الأجواء التصعيدية بدأت جماعات الهجرة اليهودية، خاصة ذات النزعات الدينية التوراتية، التوافد على الضفة الفلسطينية لتوفير العنصر البشري لإنجاح المشروع الاستعماري الاستيطاني في الأراضي المحتلة.
• المحطة الثانية جاءت في السياق نفسه، حين قام إسرائيلي يميني متدين ومتطرف اسمه ايغال عمير في 5/11/1995، باغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي العمالي اسحق رابين، عقاباً له على توقيع حكومته اتفاق أوسلو، باعتباره تنازلاً عن أرض إسرائيل للفلسطينيين.
جاءت عملية الاغتيال في سياق حملة إعلامية وسياسية شنها اليمين الإسرائيلي ومعه التيارات الدينية في البلاد، وعلى رأسه حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو، وصلت إلى حد اتهامها رابين بالخيانة ودعت إلى قتله، وقد لقي القاتل احتضاناً شعبياً ملموساً من المجموعات اليمينية والدينية اليهودية الإسرائيلية، ما أشر إلى أي مدى نجحت الاتجاهات اليمينية والدينية في ترسيخ وجودها في المجتمع الإسرائيلي، وإلى أي مدى بدأت الاتجاهات الدينية الأصولية تغزو الفكر السياسي الصهيوني، والنزعات الفاشية في صفوف الإسرائيليين اليهود، من أهم رموز هذا التحول القاتل غولدشتاين الذي اقتحم المسجد الإبراهيمي في فجر رمضاني في شباط (فبراير) 1994، ما أدى إلى استشهاد 29 مصلياً، وكاهانا مؤسس حركة كاخ وغيرهما.
• المحطة الثالثة هي محطة انتخاب الكنيست الـ 25، وتشكيل الحكومة الجديدة في 29/12/2022، والتي قامت على الركيزة الرباعية للأحزاب اليمينية الأصولية المتشددة والفاشية والدينية
وطبقاً لكل التوقعات، والتي بدأت الوقائع تؤكدها، فإن ردود الفعل الإسرائيلية الداخلية على تشكيل الحكومة وبرنامجها، ستكون صاخبة وقد تهدد بحرب أهلية بين اليهود الذين ستعصف بهم الخلافات حول اتجاهات إعادة بناء النظام السياسي الإسرائيلي، وفق القيم اليهودية الأصولية المتطرفة، الأمر الذي يفسره الليبراليون اليهود أنه اعتداء على ما يسمى الديمقراطية في إسرائيل، وعلى القيم العلمانية التي تؤمن بها القوى الليبرالية، إن في بعض تيارات اليمين وقوى الوسط الصهيوني.
أما على الصعيد الفلسطيني، فإن حدة الصراع سوف تحتدم أكثر فأكثر، في ظل الأطماع غير المحدودة لحكومة نتنياهو وشركائه. وهو ما يعني في الخلاصة أننا أصبحنا أمام إسرائيل أخرى، دولة قومية دينية صهيونية ظلامية متطرفة، ذات نزعات فاشية دموية، تستبيح كل القيم والأعراف الدولية، وتحتقر الشرعية الدولية وقراراتها، وتستهين بالحالة الفلسطينية، وتتجاهل الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة، بما في ذلك حق الفلسطيني في أن يعيش على أرض وطنه■
(3)
في الأوضاع الدولية وتداعياتها الإقليمية والمحلية
■ مرَّ عام تقريباً على حالة الاضطراب العالمي تحت وطأة المعركة التي تخوضها روسيا الاتحادية في مواجهة تحالف الحلف الأطلسي وأوروبا على أرض أوكرانيا، وهي حرب، وإن كانت تدور في بقعة جغرافية محلية، إلا أنها في الوقت نفسه أخذت طابعاً عالمياً، كونها طالت النظام العالمي، والعلاقات بين أطرافه، وأحدثت نقلة تنبئ بعلاقات دولية جديدة، قد تقود إلى نظام جديد، بديلاً لنظام هيمنة القطب الواحد بزعامة الولايات المتحدة الأميركية.
إن واشنطن، ودفاعاً عن زعامتها وهيمنتها على العالم، تعمل على تجنيد كل الطاقات الممكنة السياسية والعسكرية والاقتصادية، لإلحاق الهزيمة بروسيا، باعتبارها التحدي الرئيس الذي يهدد الزعامة الأميركية، وتصعيد الحصار ومجابهة الصين الشعبية باعتبارها من منظور أميركي استعماري إمبريالي مكشوف، تشكل الخطر المباشر على مصالح الولايات المتحدة التي تعمل على تجنيد كل الطاقات في مجابهة هذين الخصمين، بل وتعمل كذلك على تعزيز نفوذها العالمي من خلال إقامة مجموعة من الأحلاف السياسية والعسكرية، في أوروبا وآسيا، والإلتفات إلى إفريقيا وأميركا اللاتينية، في مزاحمة للانتشار الروسي – الصيني، ودرء ما تراه خطراً على مصالحها العالمية.
■ إن هذه التطورات تؤكد أنه أياً كانت نتائج الحرب في أوكرانيا، فإن العالم بدأ يغادر نظام الهيمنة المنفردة للولايات المتحدة لصالح نظام جديد في العلاقات الدولية، لم تتضح معالمه النهائية بعد، ولم تتوفر أسس استقراره في ظل احتدام المجابهات القائمة على الصعيدين العسكري والاقتصادي.
فعلى الصعيد العسكري، وكما بات معروفاً، تحاول الولايات المتحدة إطالة أمد المعركة في أوكرانيا، عبر مدها بكل عناصر القوة المطلوبة، في محاولة لاستنزاف قوة روسيا الاتحادية، في رهان لإلحاق الهزيمة العسكرية بها، خلافاً لما يشهده الميدان من تقدم روسي ملحوظ على امتداد إقليم الدونباس، ومقاطعتي زبروجيا، وخيرسون، كما استبقت روسيا نتائج المعركة بإعلان ضم المقاطعات الأربعة، لوغانسك، ودونيتسك، وزبروجيا وخيرسون إلى الاتحاد الروسي، ما يفرض واقعاً سياسياً باتت آثاره واضحة المعالم، في الجدل الحاصل حول أسس المفاوضات المحتملة مع روسيا لإنهاء الحرب.
أما على الصعيد الاقتصادي، وإن كان التحالف الأطلسي الأوروبي قد فرض حصاراً «مؤلماً» على روسيا، غير أن موسكو نجحت انطلاقاً من قوتها الاقتصادية، خاصة في مجال الطاقة، وتأثيرها الاستراتيجي في العلاقات الدولية في زعزعة موقع الدولار الأميركي في السوق العالمية، وفتحت الأبواب لفرض العديد من العملات «المحلية» كالعملة الصينية، والروسية والهندية والإيرانية وغيرها، عملات دولية، تنافس الدولار، وتدخل في نظام التبادل التجاري والاقتصادي بين الدول.
■ لم يكن إقليم الشرق الأوسط، بحدوده المتباينة، خارج تأثيرات الأوضاع الدولية، بل على العكس من ذلك، فقد زادت أهميته الجيوسياسية والجيواستراتيجية.
• فهو منطقة استراتيجية بين ثلاث قارات تجعل منه مفصلاً جغرافياً شديد الأهمية.
• وهو يختزل في جغرافيته ممرات مائية وخطوط مواصلات جغرافية وبحرية، تحتاجها الأساطيل العسكرية والتجارية، وخطط الانتشار العسكري للقوى الكبرى كالولايات المتحدة.
• فضلاً عن ذلك هو سوق استهلاكية للتجارة العالمية، تتنافس الأقطاب في استغلالها.
إلى جانب ذلك، وبسبب من معركة الصراع على الطاقة، ازدادت مكانة الشرق الأوسط باعتباره أحد المصادر العالمية الرئيسية للطاقة.
■ في هذا السياق؛ شهدت المنطقة متغيرات في علاقاتها مع الأقطاب العالمية، فأصابت العلاقات الخليجية – الأميركية حالة من الفتور، بسبب رفض السعودية الرضوخ لضغوط الولايات المتحدة في إنتاج الطاقة، وبما يغلب مصالح واشنطن على مصالح الرياض، كما انفتحت المنطقة العربية على الصين الشعبية، وقد شكلت القمم الثلاث التي عقدها الرئيس الصيني في الرياض، محطة ذات طابع استراتيجي (قمة عربية – صينية، وقمة صينية مع دول مجلس التعاون الخليجي، وقمة صينية - سعودية)، صدرت عنها إعلانات سياسية، وعقدت في سياقها معاهدات تجارية واقتصادية بعشرات مليارات الدولارات، وفتحت آفاقاً مشجعة على تطوير العلاقات مع شرق آسيا، على حساب العلاقات مع الولايات المتحدة.
كذلك شهد التعاون الروسي – الإيراني، تطوراً مهماً كانت له ردة فعل صاخبة في الولايات المتحدة وأوروبا، خاصة في شقه العسكري وتعاونه في مجال الطاقة والصناعات النووية.
■ إن هذه التطورات لا تعني تراجعاً في اهتمام الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط، بل هي ستبقى تبدي اهتمامها المميز بالمنطقة من مدخلين:
الأول: مصالحها الأميركية كدولة كبرى ذات انتشار عسكري في أنحاء العالم، من موقع الهيمنة السياسية والعسكرية والاقتصادية.
الثاني: الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وتداعياته الإقليمية بما في ذلك استكمال ما بدأته «صفقة القرن» في توسيع «تحالف أبراهام» بين إسرائيل وباقي الدول العربية.
وليست صدفة، أن جدول أعمال اجتماع نتنياهو مع المستشار الأميركي لشؤون الأمن القومي جيك سوليفان، تمحور حول أربع نقاط حسب الأولويات التالية:
1) تطبيع العلاقات مع السعودية، باعتبارها البوابة لتوسيع إطار «تحالف أبراهام» عربياً وإسلامياً.
2) «التصدي لمخاطر البرنامج النووي الإيراني والأنشطة الإيرانية في المنطقة».
3) توسيع اتفاقات أبراهام.
4) العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
وبالتالي فإن ما ناقشه الطرفان يشكل برنامجاً مشتركاً لسياسة أميركية – إسرائيلية، ترى في الشرق الأوسط ركناً أساسياً من أركان النظام العالمي.
ومع أن الطرفين لم يتطرقا مباشرة إلى القضية الفلسطينية، بسبب خلو جعبة سوليفان من أي حل للمسألة الفلسطينية، وإصرار نتنياهو على تأجيل حلها بانتظار إنضاج «الظرف الإقليمي».
إن الجانب الفلسطيني معني بأن يقرأ ما يجري في العالم من تطورات، وأن يغادر سياساته الانتظارية ورهاناته على الوعود الأميركية، واعتماد استراتيجية جديدة وبديلة، من شأن قرارات المجلس المركزي، وتطويرها أن تشكل الأساس لهذه الاستراتيجية■
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت