ساعات من الرعب عاشتها هيام قبها، وهي تحاول حماية 9 أطفال خدج في ممر قسم الحضانة بمستشفى جنين الحكومي صباح يوم الخميس، خلال اقتحام جيش الاحتلال لمخيم جنين ومحيط المستشفى القريب منه.
"100 متر بيننا وبين القناص الذي كان مقابل شباك الحضانة.. كان بين القناص بعدته وعتاده وبين أحد الأطفال 100 متر فقط"، تقول قبها، مسؤولة قسم الحضانة والخدج في المستشفى.
"غالبية هؤلاء الرضع ولدوا بعد محاولات إنجاب كثيرة لأهلهم، ومولودون بأوضاع صحية صعبة، ماذا سيحدث لأهلهم لو اختنق أحدهم بسبب الغاز المسيل للدموع الذي انتشر داخل الحضانة"، أضافت قبها.
وتابعت: "لما بدأ إطلاق قنابل الغاز اضطررنا لإخلاء الأطفال مع حاضناتهم لممر الحضانة، جمعناهم في الممر وبقينا معهم لحين انسحاب جيش الاحتلال".
وتسربت كميات من الغاز المسيل للدموع لأقسام المستشفى القريبة من ساحته الخارجية، مكان تواجد قوات الاحتلال التي تمركزت في محيط المستشفى لأكثر من 4 ساعات، فوصلت لأقسام حضانة الأطفال وقسمي الأطفال والولادة، بالإضافة للمرات الفاصلة بين قسمي الأطفال والعظام.
"ليس هذا الاستهداف الأول للمستشفى، شهدنا من قبل عددا من الاعتداءات المباشرة على مبنى المستشفى وأقسامه، صحيح أننا اعتدنا على ذلك، لكن الخوف على الأطفال كان كبيرا جداً"، تقول قبها التي عاودت استكمال عملها في قسم الخدج.
وتضيف: "حاضنات الأطفال موصولة بالكهرباء باستمرار، حاولنا تبديل الأطفال الأكثر حاجة للبقاء في الحاضنة بالأطفال الذين نعتبر أن وضعهم الصحي أفضل، لأن الممر لم يتسع لجميع الحاضنات".
في قسم الأطفال بالمستشفى جلست تغريد زكارنة محتضنة طفلتها سيلا البالغة من العمر قرابة عام، تمسح عيونها بالماء فيما تظهر عيون الطفلة حمراء متهيجة.
قالت زكانة: "كنت أعد لسيلا الفطور، حين سمعت أصوات الرصاص القريبة من المستشفى، حملت طفلتي وجلست على الأرض، خشيت اختراق الرصاص للنوافذ، وبعد ثوانٍ شعرت بحرقة في عيني وبدأت طفلتي بالبكاء وفرك وجهها وعيونها، شممنا رائحة غاز المسيل للدموع، كان قوياً".
وأضافت: "حاولت الممرضات نقلنا من غرف القسم إلى القسم المقابل لكن الممر الفاصل بين القسمين كان مملتئا بالغاز، هناك شعرت بالاختناق. أنا أشعر بالخوف، ولا أريد قضاء ليلة أخرى في المستشفى خوفاً من اقتحام إسرائيلي آخر".
"هذا الاستهداف الرابع خلال ستة أشهر لمبنى وأقسام المستشفى"، قالت مسؤولة التمريض في قسم الأطفال كفاية حمارشة.
وأضافت: "قبل أسبوعين أطلق جنود الاحتلال النار على الغرف الخاصة بالغيار لطاقم الأطباء والتمريض في هذا القسم".
ويتواجد في قسم الأطفال 18 طفلا يعاني غالبيتهم من أمراض في الجهاز التنفسي، منهم طفل موصول على جهاز التنفس، تعرضوا كلهم لاستنشاق الغاز المسيل للدموع الذي أطلقته قوات الاحتلال في ساحة المستشفى ووصل إلى غرفهم العلوية.
وقالت حمارشة: "استنشاق الغاز المسيل للدموع بكثافة تسبب لغالبية الأطفال بتهيج وحساسية في قصباتهم الهوائية، وازدياد القحة لدى عدد منهم".
وأضافت: "من المفترض أن يكون هذا المكان آمنا، لكنه يتعرض للاعتداء دائما، حتى قسم العظام الذي نقلنا الأطفال وذويهم إليه لم يكن آمناً بشكل كامل".
وحسب المادة (18)من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12آب/أغسطس 1949، فأنه "لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء النفاس، وعلى أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات".
كما تنص المادة ذاتها على أنه "يجب احترام وحماية الموظفين المخصصين كلية بصورة منتظمة لتشغيل وإدارة المستشفيات المدنية، بمن فيهم الأشخاص المكلفون بالبحث عن الجرحى والمرضى المدنيين والعجزة والنساء النفاس وجمعهم ونقلهم ومعالجتهم".
وكانت دراسة أميركية أجراها باحثون في جامعة كاليفورنيا بيركلي، عام 2017، أكدت أن استخدام قوات الاحتلال الإسرائيلي المستمر للغاز المسيل للدموع في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين يدمر الصحتين الجسدية والنفسية للفلسطينيين، وخاصة النساء والأطفال والمسنين.
وكشفت الدراسة أن الآثار الجسدية للغاز المسيل للدموع تمثلت في: فقدان الوعي، والإجهاض، وصعوبات في التنفس، بما فيها الربو والسعال، والدوار، والطفح الجلدي، والألم الشديد، والتهاب الجلد التحسسي، والصداع، والتهيج العصبي، والصدمة الحادة من إصابات الأوعية.
ودعا الباحثون في دراستهم إلى ضرورة أن "تكشف الحكومة الإسرائيلية عن معلومات بشأن أنواع المهيجات الكيميائية المستخدمة في الضفة الغربية، بما في ذلك تركيبها الكيميائي".