- د. طلال الشريف
المتطرفون من اليمين واليمين الديني في إسرائيل يجرون الحالة الفلسطينية والمنطقة إلى أهدافهم العقائدية عنوة وخدعة تغطي على الحقوق المادية للشعب الفلسطيني لتذويبها بإلباس الصراع ثوبا عقائديا بعيدا عن طبيعة وأس الصراع الإستعماري الإستيطاني ونهب الثروات والأرض العربية، فأصل الصراع عربي إسرائيلي ولا يمت للعقائد بصلة لأن الأرض قبل العقائد هي أرض عربية.
صحيح أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ذهب إلى سوق عكاظ لنشر دعوته، ولكن السوق كان متميزا بالعروض الأدبية وهي سبب شهرته الرئيسية. نقول سوق عكاظ بمعنى أن كل شيء متناقض كان في هذا السوق من المادة والفكر والأدب والفخر والتجارة والحرب في كل شيء بمعنى فوضى السوق التي نعيشها اليوم التي أوصل المحتل الوضع إليه من تشتيت الانتباه وتقديم وتأخير القضايا.
تعالوا نرى واقعنا الآني يمكن ان نطلق عليه سوق "القدس الديني" في العصر الحديث، هكذا وصلنا للمحذور، الذي نبهنا وحذرنا سابقا منه بأن صراعنا ليس دينيا.
ولكي لا ننسى هنا، ليس القدس وحدها هي كل الصراع ولكن لان ما وصل إليه الصراع الآن حيث يطفو على سطحه الفكر الديني، فقد وضعونا عنوة في سياقات تاريخ الصراع على القدس التي نزف العالم كله دماءً هائلة من أجل فكرة التعصب ومنها للإستحواذ على القدس بهذ الطريقة، وينسي الجميع في هذه اللحظة كما نسي الأولون من المتعصبين من كل الأديان على مر التاريخ أن أرض فلسطين عربية كنعانية وهذا للحق هو أس الصراع الذي غطاه المتعصبون بشعارات دينية بعيدة عن أصل الصراع الآني وحتى القديم على هذه البقعة من الأرض العربية، ورغم أهمية القدس وما تحتويه من مقدسات فهي جزء من كل، وما سعى إليه التطرف الديني والصهيوني المحتل في فلسطين وأتباعه في كل بقاع العالم أن جعلوا قضيتنا وكأنها صراع ديني ليحققوا رؤية لاهوتية قديمة صنعها المتعصبون كشعار للإستيلاء على أرضنا، فالقدس كما قلنا هي جزء من كل كانت صيغت حديثا حتى في اتفاق اوسلو بانها قضايا مؤجلة للحل النهائي هي والدولة الفلسطينية والحدود والمياه واللاجئين وحق العودة والمستوطنات، أي أن هذا اليمين المتطرف الصهيوني الآن صعد انتهاكاته ومحاولاته الاستيلاء على القدس وخاصة بعد صفقة ترامب ليتناسى الكثيرون قضايا هي بأهمية كبيرة أيضا تتعلق بشعب لاجيء يجب أن يعود لأرضه ومستوطنات يجب إزالتها وضم باقي أراض أحتلت في حرب العام 1967 كالغور والمياه والحدود والثروات والتاريخ يجب منعها.
وحتى في سوق عكاظ على الرغم من أن البضائع الأدبية هي مصدر شهرة هذا السوق، إلا أن البضائع المادية احتلت مكانة مقاربة في السوق للأدب ، حيث تضمن السوق البضائع المادية أي غير الدعوة للفكر والعقيدة والشعر والأدب، وهو ما يمثل اليوم اللاجئين والسكان والارض والمياه والمستوطنات.
وبالعودة للجذور فيما قامت وتقوم عليه الدول والسكان ، أن الدول أقوام واراض وليس عقيدة أو دين ، وحتى لا ولم تسمى الدول بإسم العقيدة او الدين بل سميت وتسمى بأسماء سكانها الأصليين او بإسم الأرض وطبيعتها.
كنت دائما بقراءتي المستمرة لفهم طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي متوجسا مما يقال وآراه من المفترض أنه غير مقنع للإسرائيلي ولا للفلسطيني ذلك الطرح والشعارات التي ينطلقون منها حول جوهر المشكلة وهو احتلال واستيطان واستعمار ونهب ثروات، بل كل منهما يحاول اثبات الحق باستدعاء التاريخ ومن اسبق في الارض التي طرد منها الفلسطينيون ليعيش عليها الاسرائييليون الآن، وكنت ولازلت على يقين أن هذه البقعة من الأرض هي ارض العرب التي امتلكها وعاش عليها قوم العرب منذ القدم لان الارض في الاصل لا تنسب للدين ولا للعقيدة بل تنسب للقوم الذي كان في البدء عليها وتتابع نسل هذا القوم، أما الديانة والعقيدة فقد تغيرت وتتغير على مر التاريخ والعصور، فكل من كان على الأرض في فلسطين منذ البدء هم العرب والعرب تغيرت عليهم الديانات والعقائد منذ عبدة النار والشمس والاوثان وحتى تتابع الأديان السماوية وما تلاها من اديان وضعية أو أرضية، حتى أن روما وما قبلها وما بعدها من دول التي تسمت بالمسيحية أو الإسلامية أو الهندوسية او اليهودية لم تتواصل تلك التسميات بل ذابت التسميات الدينية لتبقى تسميات الدول بالقوم الذي كان يعيش عليها وللتنويه لا تعيش طويلا اطلاق التسميات الدينية ولذلك بقيت مصر للمصريين أيا كان دبن وعقيدة حكامها ، وايطاليا كذلك للايطاليين وفرنسا للفرنسيين وبريطانيا للبربطانيين وهي بأسماء أهلها وأرضها لان الشعوب سابقة على الأديان وستبقى فلسطين للفلسطينيين العرب مهما تغيرت مراكز القوى أو العقائد كما حدثنا التاريخ.
نقول هذا ومحاولات تغطية الحقائق بإعلاء شعارات دينية هي تعبوية ، لكن الحقائق المادية على الأرض هي أصل الصراع، وهي أي فلسطين ارض العرب محتلة بالقوة وهي باهمية أكبر من الشعارات الدينية التعبوية لأن الصراع ليس ديني او عقائدي ولكنه صراع على أرض عربية محتلة، وليقولوا ما يقولون، فعلينا ألا نتوه في تحديد طبيعة هذا الصراع العربي الإسرائيلي، وفقدان التيار الديني المتطرف في اسرائيل بوصلته أو تعمده ذلك هو للتعبئة والاستحواذ على القدس والأرض العربية، وعلينا كفلسطينيين وعرب عدم مجاراتهم لان هناك ما هو موازي في الاهمية وأكثر لما يسمى الحق المقدس، وهي الأرض والسكان والثروات والتاريخ والدولة، وعلينا عدم نسيان ذلك لإسترجاعها حتى سلما أو حربا.
ملاحظة هامة للتذكير:
القدس تاريخيا لم تؤخذ بالمفاوضات في أي حقبة تاريخية، بل على الدوام تؤخذ بالقوة فقط.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت