- إيمان محمد
- باحثة سياسية
تعاني غزة من الحصار الذي فرضه الاحتلال عام 2007 وحروباً كثيرة أدت إلى هلاك البنية التحتية، وانتشار الفقر والبطالة، كان قطاع غزة في قمة هشاشته بعد عملية الرصاص المصبوب عام 2009 التي استمرت 22 يوماً كانوا الأعنف منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي في عام 1967، حيث قتل خلال العدوان 1167 مدنياً فلسطينياً، من بينهم 318 طفلاً و111 امرأة، كما أصيب 5300 فلسطينيياً، من بينهم 1600 طفل، وتعرض 2114 منزلاً (تضم 2864 وحدة سكنية) للتدمير الكلي، فيما أصبح 3242 منزلاً (تضم 5014 وحدة سكنية) غير صالح للسكن، وأصبح نحو 50000 فلسطيني بلا مأوى، وتم استهداف البينة التحتية في قطاع غزة بشكل كامل.
استمراراً في المعاناة، في عام 2014، شن الاحتلال حرباً على غزة استمرت 51 يوماً، استخدم الاحتلال خلالها قوة نارية هائلة، أطلق خلالها 60664 قذيفة وصاروخ، وسقط خلال العدوان ما لا يقل عن2147 شهيداً، من بينهم 530 طفلاً، 302 من النساء، وتم احصاء ما لا يقل عن 10870 جريحاً، بينهم 2101 امرأة، و3303 أطفال، منهم ما لا يقل عن ألف طفل يعانون من إعاقة دائمة.
تكبدت غزة خسائر كبرى من الحرب، حيث استهدف الاحتلال منازل المدنيين والأبراج السكنية استهدافاً متعمداً، أدى إلى دفن أسر بكاملها تحت أنقاض المنازل، وتدمير 17132 وحدة سكنية ، منها نحو 75% دمرت بشكل كلي، بينما دمرت الوحدات الباقية بشكل جزئي لتصبح غير قابلة للسكن، ولحقت أضرار بنحو 40000 وحدة سكنية، وتعمدت قوات الاحتلال تدمير أبراج وأحياء سكنية بالكامل، حيث قدرت خسائر قطاع الإسكان والمنشآت نحو 1.5 مليار دولار، وهلاك عدد كبير من المساجد والجامعات والمدارس والمستشفيات، تجاوز عدد المواطنين النازحين إلى مراكز الإيواء قبيل انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة نصف مليون نازح، ومازال عشرات الآلاف منهم بدون مأوى بعد انتهاء الحرب، وتظل آثار الهجمات الإسرائيلية على مرافق المياه والصرف الصحي في غزة ماثلة، إذ يتعذر على 20 إلى 30% من الأسر المعيشية، أو 000 450 شخص من الحصول على إمدادات المياه البلدية بسبب ما وقع من أضرار.
ثم بدأ الحديث عن إعادة إعمار غزة، انعقد في العاصمة المصرية القاهرة مؤتمرإعادة إعمار قطاع غزة عام 2014، برعاية مصرية نرويجية، ورئاسة الأمم المتحدة والاتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية، وشارك في المؤتمر أكثر من 50 دولة و20 منظمة إقليمية ودولية، وذلك بهدف تعزيز قدرة الحكومة الفلسطينية في تحمل مسؤوليتها بشأن إعادة تأهيل قطاع غزة، وتوفير الدعم المالي الخاص بإعادة إعمار القطاع، وقد تعهدت الدول المانحة خلال المؤتمر بتقديم 5.4 مليار دولار، خُصص نصفها لجهود إعادة إعمار القطاع.
وتعهدت قطر بتقديم مليار دولار لجهود إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان الإسرائيلي، حتى بلغت مساهمات قطر حوالي 20.136.941 مليون دولار عام 2015. وتم انشاء لجنة تحت مسمى لجنة إعادة اعمار غزة، وأرسلت دولة قطر سفيرها الخاص، السيد محمد العمادي، للإشراف على تنفيذ المشاريع. بعد ذلك توالت المنح القطرية السنوية الصغيرة مثل منحة دعم كهرباء غزة، ومنحة حرب عام 2014، ومنحة مكافأة موظفي غزة، ومنحة الإغاثة الإنسانية العاجلة.
لم يجني الحديث عن "إعادة إعمارغزة" فائدة كبرى على الرغم من تحقيقه بعض الانجازات، في أكتوبر 2022، تظاهر المئات من أصحاب المنازل المدمرة منذ الحرب على قطاع غزة عام 2014، أمام مقر وكالة تشغيل وغوث اللاجئين (أونروا) في قطاع غزة، مطالبين الوكالة الدولية بالوفاء بالتزاماتها وتعويضهم مالياً، وأكدوا أن استمرار «أونروا» في مماطلتها في تَحمّل مسؤولياتها في هذه القضية الحساسة يتقاطع مع أهداف الاحتلال باستمرار معاناة الغزيين جراء تداعيات العدوان المتكرر على القطاع، معتبرين أن مرور 9 سنوات على العدوان الإسرائيلي على القطاع عام 2014 دون إعادة الإعمار لآلاف المنازل يمثل وصمة عار في جبين (أونروا) التي أخذت على عاتقها إعادة الإعمار، حيث يوجد نحو 70 ألف وحدة سكنية متضررة بشكل جزئي من حروب 2014 و2021 و2022، في وقت تعرضت قطاعات أخرى بالقطاع لأضرار تزيد كلفتها عن 800 مليون دولار، تشمل الاقتصاد والزراعة والبنى التحتية.
ولا تزال القضية محل اهتمام، لأن المتضررين لم يحصلوا على حقوقهم حتى الآن، في 29 يناير 2023، استقبل وكيل وزارة الأشغال بغزة، الدكتور جواد الآغا، وفداً من اللجنة العليا لمتضرري عدوان 2014، وناقش الوفد العديد من القضايا المتعلقة بملف متضرري عدوان 2014 بشكل عام مع التركيز على المتضررين المواطنين بحكم أن الوزارة هي القائمة على ملفهم، وطالب وفد اللجنة من الدكتور الآغا العمل على دفع التعويضات للاخوة المتضررين الغير لاجئين، حيث أن مسؤولية هؤلاء المتضررين تقع على وزارة الأشغال، مؤكداً على ضرورة التواصل مع الجهات المختصة في الحكومة لجلب تمويل لإنهاء هذا الملف، والضغط على الأونروا بخصوص المتضررين اللاجئين.
تعامل المجتمع الدولي مع عدوان 2014 على غزة بلامبالاة، فينبغي أن تجري تحقيقات سريعة وفعالة ونزيهة في جميع حوادث قتل المدنيين التي وقعت خلال الأعمال القتالية، وأن تعلن نتائجها وأي إجراءات تتخذها بشأن المساءلة، هناك حاجة إلى المزيد من النضال الدبلوماسي من أجل إعادة تجمييع الحلفاء والأصدقاء الداعمين لوضع آلية جديدة لإعادة إعمار غزة، وأن يتم حل الجذور الأساسية للمشكلة ورفع الحصار المفروض على غزة، الذي يمثل شكلاً من أشكال العقاب الجماعي الذي يؤثر على حياة المدنيين والأطفال الأبرياء، وأن تكفل امتثال قوات الأمن الإسرائيلية للمبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، وأن يوقف الاحتلال فوراً هدم المنازل كإجراء عقابي، وأن تقدم تعويضاً مناسباً لأفراد الأسر الأبرياء الذين هُدمت منازلهم بصورة غير قانونية، وأن تدفع تعويضات كافية للأفراد والمجتمعات المحلية الذين تم إجلاؤهم قسراً، على الدول العربية والمجتمع الدولي أن يعملوا بشكل واقعي وفعال ويقدموا المساعدات لإعادة إعمارغزة التي دمرها العدوان.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت