- د. طلال الشريف
تحدثنا طويلا عن حالنا حتى بات كل ما نقوله يتكرر مرات ومرات في نفس المكان عايشين في نفس المكان وفي نفس الأزمة دايرين، في نفس الأزمة دايخين، لا يتغير شيء إن لم يزداد الطين بلة.
وماذا بعد؟ أصبح سؤالنا الأول حاليا ماذا بعد؟
بعد كل هذا الوقت الطويل الذي تساءلنا أثنائه، ما العمل؟ كانت كل إجاباتنا على سؤال ما العمل غير مجدية لأن لا شيء تغير، وحتى لو وجدنا الإجابة نصطدم بعدم القدرة على القيام بهذا العمل، ولذلك أصبح لدينا سؤالا بديلا الآن وبعد تفاقم حالتنا الفلسطينية وهذا السؤال هو، وماذا بعد؟
وماذا بعد، هو نوع من الاستسلام، في انتظار، ماذا بعد، ماذا بعد من ضعف، وماذا بعد من مصيبة، وماذا بعد من قادم غدا أو بعد ساعة أو بعد دقيقة فأحوالنا تهتز على مدار أربع وعشرين ساعة، وطوال ثلاثين يوما في الشهر ، وعلى امتداد ثلاثمئة وخمس وستين يوما في السنة، ولا يتغير شيئا، بل يزداد حالنا سوءً، ومن سيء إلى أسوا، ويبدو ان الأسوا لم يأت بعد، وبالتأكيد بعد كل ذلك فالأسوا آتٍ، ولا ندري ما هو الأسوا، لأننا توقفنا قليلا ، وذلك أفضل، نعم توقفنا عن التحليل والهرطقة قليلا، فكل ما جئنا به من إجابات ومشروعات وبرامج كان قاصرا عن فهم السياسة، فحالنا، مشكلته السياسة أولا، والسياسة في حالتنا تعني عدم فهم الواقع، وهو أس استمرار تعاطي السياسة بين الناس، وبين المحللين ومن يسمون أنفسهم سياسيين او مثقفين بالمعنى الأوسع ..
السياسة في الحقيقة في حالتنا هي عدم فهم الواقع، وعدم تغييره، فالنظريات كانت خاطئة ولا تنطبق علينا، والنفوس لا تحب سيطرة العقل، فإذا سيطر العقل وضع الحدود والتابوهات، وأصبح الأنسان مقيدا، ولا يفعل ما يريد ، ولذلك بلاؤنا هو السياسة.
السياسة تياسة والتياسة جابت لنا خراب ديار ..
قبل تعميم السياسة والعمل بها من كل من هب ودب، كان الاسترخاء والهدوء والمحبة والكرم والجود والصدق والنزاهة ونكران الذات هي حالنا، ولا صراع ببن الجهل والغباء لأن أسفل ما تصنعه السياسة، هو تصخم الأنا، وكبر الحيل، والانتهازية، واشتباك الجاهل والغبي في السعي نحو منابع المال السياسي وكل هذا دمر كل شيء ..
السياسة مرض عضال ليس له علاج، وهذا العضال يحطم الإنسان، ويحوله إلى مجرم كاذب حرامي، وتسقط من ذاكرته كل قواعد الأخلاق والأنسنة .. السياسة فوضى كبرى تقتلع جذور العلم وهيبة العمر وقواعد الإحترام وشعلة الكرامة بين البشر ..
في السياسة تصبح خائفا من الآخربن وفي نفس الوقت تصبح مرعبا لآخرين، في السياسة تصبح سارقا وفي نفس الوقت مسروقا وترفعان شعارات النزاهة، في السياسة تنتهك كرامة الآخرين وآخرين ينتهكون كرامتك وترفعان سويا شعار الديقراطية، في السياسة تتآمر على الآخرين ويتآمر الآخرون عليك وترفعان شعار السلام الاجتماعي، في السياسة يقودك جاهل وتقود أنت من أعلم منك وترفعان شعار الكفاءة، في السياسة كلما زادت مسؤولياتك تزداد تعاستك ويزداد أعدائك، في السياسة كلما ارتفع قدرك ارتفع ضغطك وارتفع سكرك وارتفع مستوى فسادك.
ما أسوأ السياسة والسياسيين وما أتعسهم حين تٌحول السياسة العالِم إلى جاهل، وتٌحول المحترَم إلى قاتل أو رئيس عصابة، وتٌحول العربنجي إلى قائد يتحكم في مصير الناس، فالسياسيون هم أغبى فئات المجتمع، فكلما كبر الموقع السياسي كلما إرتفع منسوب الغباء لدى من كان ذكيا، وارتفع منسوب القذارة لمن كان أخلاقيا، وإرتفع منسوب التذيل والمذلة لمن كان ذو كرامة وعزة واعتداد ..
لو كانت السياسة، غير التناقض مع الذكاء والأخلاق، لما كانت الدماء والمعاناة والدمار والظلم الذي يحيق بنا وبالعالم على مر العصور ...
صدق من قال إن السياسة تياسة، وصدق من قال لعن الله الساسة والسياسة، فكلها مركبات غباء وجهل، وهي أخطر من الفيروسات والبكتيريا الضارة التي أخطرها الطاعون وكم هذه الأوبئة قد قتلت من بني الإنسان لكن هي لا تقارن بما قتل السياسيون من بني البشر..
لو كنت مسؤولا عن هذا العالم لأصدرت مرسوما لبناء مستشفى نفسي كبير لاحتجاز أو قطف السياسيين العشرة الكبار من كل دولة سنويا وحجزهم في أقسام متدرجة الخطورة وبلا عودة وكل حسب خطورته وفقط بمكن اطلاق سراح من يصاب منهم بالزهايمر الشديد ليعيش العالم والمواطن في سلام لأن السياسيين تعساء في ذاتهم وينقلون التعاسة لبني البشر ولا يغرنك حديثهم وهندامهم وتقمصهم أدوار الخير والقوة والفهلوة وصبغات الشعر فما أتعس من سياسي إلا مثقف مهبول يكتب خيالا ويهذي شعرا، وينتفخ خيلاءً، لكن المثقفين لا يحتاجون حجرا كالسياسيين، وهم محجورون في ذواتهم.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت