لماذا ترك العرب سلطة الفلسطينيين تغرق في أزمتها المالية؟

بقلم: فاضل المناصفة

فاضل المناصفة.jpg
  • فاضل المناصفة

تلقت السلطة الفلسطينية الأسبوع الماضي حزمة مساعدات مالية مقدمة من الاتحاد الأوروبي قدرها 199 مليون دولار، وجه فيها الشطر الأكبر البالغ لنفقات السلطة الفلسطينية على المخصصات الاجتماعية والإحالات الطبية والرواتب والمعاشات التقاعدية والمشاريع في الأراضي الفلسطينية المحتلة بقيمة 199.2 مليون يورو، فيما وجهت سابقا قيمة 97 مليون أورو الى خزائن وكالة الأونروا لدعم برنامجها الموجه للمساعدات الغذائية ليصل إجمالي مساعدات الاتحاد الأوروبي للشعب الفلسطيني بموجب مخصصات ميزانية عام 2022 إلى 296 مليون يورو.

كانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين قد تعهدت خلال لقاءها برئيس الوزراء الفلسطيني في رام الله الصيف الماضي بأن الاتحاد الأوروبي سيعود الى دعم السلطة الفلسطينية ماليا بعد توقف دام لمدة عامين، وأكدت بان دعم الاتحاد الأوروبي للفلسطينيين مهم جدا لضمان في ظل الوضع المالي ولضمان استمرار الرعاية الصحية والاجتماعية للفلسطينيين، الا أن المبلغ المقدم هذه السنة يأتي بعيدا على المبلغ الذي أشارات له أرسولا خلال لقاءها بأشتية العام الماضي وهو 600 مليون دولار، ويعزى التوقف الذي دام عامين و التراجع في قيمة الدعم الى استراتيجية يمارسها الاتحاد الأوروبي لإخضاع السلطة الفلسطينية الموجودة في وضع مالي حرج من أجل تنفيذ الاملاءات السياسية المنتظرة منها خاصة فيما يتعلق بالمنهاج الدراسي.

يدرك الاتحاد الأوروبي أن سقوط السلطة سيترتب عنه وضع أمني خطير سيزيد من تعقيد الوضع بين الفلسطينيين والإسرائيليين ولكنه يستفيد من وجود فراغ عربي في المشهد الفلسطيني ترتب عنه بقاء السلطة تحت رحمة المساعدات الأوروبية، فالدعم المالي العربي يقتصر فقط على دعم مشاريع الاونروا ولا يشمل تغطية العجز في موازنة السلطة الفلسطينية الذي وصلت قيمته نصف مليار دولار العام الماضي وهو ما يجعل السلطة غير قادرة حتى على دفع رواتب الموظفين بنسبة  100 % الا اذا تلقت الأموال الكافية من المساعدات الخارجية وهو واقع مر في ظل عدم قدرتها على استغلال المقدرات الطبيعية ولا استغلال مطارها لتنشيط السياحة وتصدير منتوجاتها المحلية .

لم تنجح القمة العربية الأخيرة التي انعقدت في الجزائر الى رفع الدعم المالي العربي الذي كان سخيا في سنوات مضت حيث تراجع هذا الدعم بنسبة 84 بالمئة في سنة 2019 وهي نسبة انعكست بشكل سريع على حال السلطة التي كانت تبني موازنتها على توقعات الدعم المالي الأجنبي والعربي، وحتى مع رحيل إدارة ترامب التي كانت تتهم بانها مارست ضغطا على الدول الخليجية لوقف مساعدة الفلسطينيين الا أن ذلك التغيير في الإدارة الأمريكية لم يعد الأمور الى نصابها وهو ما يرجح فكرة أن قرار تقليص الدعم العربي قد يعود الى الظروف الاقتصادية التي فرضتها كورونا حيث تحول الدعم الخارجي الى دعم داخلي، فعلى سبيل المثال قامت السعودية بزيادة الانفاق بنسبة 5.3 مليار دولار لمواجهة تداعيات ارتفاع الأسعار العالمية وخفض أثار التضخم الذي ضربت الاقتصاد السعودي واكتفت بتقديم دعمها للأونروا بقيمة 27 مليون دولار هذه السنة، وبالعودة الى احصائيات قديمة نجد أن السعودية وحدها كانت تتكفل بنسبة 32 بالمئة من ميزانية فلسطين من إجمالي المنح العالمية، كما كان الدعم الجزائري الأخير بمبلغ 100 مليون دولار لدعم موازنة السلطة الفلسطينية في سنة 2022  لكنها لم تعلن عن مساعدات إضافة الى غاية الوقت الحالي، فيما استمرت قطر بتوزيع بعض المساعدات المالية على الأسر المتعففة في غزة بمبلغ ضئيل قدره 100 دولار لكل عائلة مع دعم لبعض مشاريع البنية التحتية المدمرة في القطاع .

ان الخطاب العربي في المحافل الدولية والمؤتمرات وقمم العرب عن دعم القضية الفلسطينية وتبنيها بعيد عن الواقع في ظل تغول إسرائيلي يهدد بتصفيتها ووضع مالي حرج يضع مصير السلطة على المحك وتحت ضغوطات الاتحاد الأوروبي والعقوبات الأمريكية، ويزيد من ضعفها بروتوكول باريس الاقتصادي الذي جعلها مكبلة بسياسات الاحتلال والتي زادت شراسته مع وصول حكومة متطرفة الى المشهد في إسرائيل وعزمها تنفيذ اجراءات عقابية يترتب عنها مصادرة المزيد من أموال السلطة الفلسطينية، وتحويلها لعائلات القتلى الإسرائيليين من عمليات المقاومة. ومنه فان الدور العربي في الوقوف مع الضائقة المالية قد اضحى ضروريا أكثر من أي وقت مضى بل واجبا أخلاقيا لكل من يدعي الوقوف مع القضية الفلسطينية ومع حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، ومن هذا المنطلق يجب أن يفهم العرب أن سقوط السلطة معناها سقوط القضية الفلسطينية وغيابها عن الساحة الدولية بشكل نهائي.

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت