- بقلم الكاتب والمختص الاقتصادي: مصطفى رضوان
"إني لك ناصح أمين" بهذه الكلمات ابتدأ صديق لي الحديث، مردفا القول الى متى ستبقى تعاني أزمات مالية؟
كلماته هذه شدتني أكثر لأستمع باهتمام لما يقول، اذ أرشدني الى احدى الشركات التي تعمل في مجال الاستثمار في العملات الرقمية "المشفرة" والتي جنى العديد من الافراد أرباحا كبيرة جراء ايداعهم أموالهم لديها.
لتخرج مني كلمه تلقائية "روبي وكردي جديد؟" ليبدأ الشاب الثلاثيني بالشرح والتبرير، وإبراز أسماء عديدة أصبحت الان من أصحاب الثراء لأنهم أودعوا أموالهم لدى الشركة.
الأمر الذي دفعني لأتحقق من طبيعة الأمر بنفسي، فتوجهت الى مقر الشركة لأجد عدد كبير من الناس ترتاد المكان، قطعت تذكره الساعة الثانية عشر ظهرا ليكون رقمي 467 مما يوحي بالحجم الكبير لعدد روّاد الشركة.
جلست مع "العلاقات العامة" في الشركة ليبدأ الموظف بالشرح وكعادة المسوّقين "يجمّلون ويزينون" كلماتهم وللأمانة أنها تغري المستمع، وبعد ان فرغ الموظف من حديثه استوضحت منه عديد من الأمور، أهمها ان الشركة بدأت عملها كشركة تدريب منذ 2016م ومارست العمل في تداول العملات الرقمية منذ سنتين ونصف وأن عدد المشتركين قارب ال 10000شخص وأن لا عقد سيوقع بين المستثمر والشركة، كما لا قوائم مالية أو نتائج أعمال خاضعه للنشر، اضافه الى ان لا علاقة فعليّه لك كمستثمر بما ستودع من مال الا المراقبة عن بعد والتي قد تكون نتيجتها ربح أو خسارة في نهاية فتره ربط المال والتي لا يحق لك خلالها سحب مبلغ الإيداع.
الطمع وحب الربح السريع بدون بذل أي مجهود لدى عديد من الناس هو ما يدفعهم للمغامرة والخوض في أعمال لا يعرفون عنها شيء سوى وهم المال!
تخيلوا أن أحدهم باع شقته وآخر ضحّى بذهب زوجته ليدخل هكذا أعمال في الأساس أسمها "افتراضيه".
فالعملات الرقمية "المشفرة" هي عملات افتراضية يتم تداولها عبر الانترنت، لا يوجد لها مرجعية ولا أصل ملموس، هذه العملات تخضع في العادة لأهواء ومزاجيات حيتان المال، فقد تستيقظ بلحظه لتجد قيمه العملة "المشفرة" التي تداولت بها صفر، لتخسر كل اموالك، حينها لن يكون بيدك الا الحسرة.
ما سبق، دفعني للتواصل مع الجهات الحكومية في قطاع غزة للاستيضاح منهم حيث لا قانون يحكم عملهم كشركات، وبحسبة بسيطة لحجم الأموال التي تتاجر بها هذه الشركة نجد أنه يقارب 10مليون دولار اذا ما أودع كل شخص فقط1000$ علما أن الحد الأدنى للإيداع 500$، لأعلم أنّ لجنة شكّلت للبحث والنظر في الأمر للاستدراك قبل فوات الأوان.
ومن هنا أنصح الجميع بالتفكير مليا قبل الاقدام على أي خطوة قد تعيد الواحد منا سنوات ضوئية للخلف خصوصا في ظل ما نعاني من أزمات، فلسنا بطاقة تحمّل لزلزال مالي جديد، مستذكرين بذلك أزمة "روبي وكردي" التي أفقدت الناس أموالهم وممتلكاتهم، وحال الرغبة في الاستثمار في العملات المشفرة العمل بما لا تحتاجه من مال "الفائض".
حديثي هذا لا يعني أن نتجنب الاستثمار، على العكس تماما فالاستثمار هو طريقنا نحو التحرر المالي وفكفكة الازمات الاقتصادية الكبيرة التي يعاني منها القطاع، لكن الاستثمار له أصول أهمها ضمان الإنتاجية وقيامك على مشروعك وعدم الاستثمار بجميع ما تملك فتجلس على الطريق حال عدم التوفيق كما من الضروري التيقن ان لا ربح وثروة دون جهد وبذل.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت